فرانز ستيفان غيدي

ما من أسلحة معيّنة لتغيير قواعد اللعبة في أوكرانيا

27 أيلول 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

صاروخ Taurus KEPD 350 من صنع الشركة الألمانية السويدية Taurus Systems في المعرض الدولي للدفاع والأمن | إسبانيا، 17 أيار ٢٠٢٣

أصبحت ألمانيا ثاني أكبر مساهِمة في المساعدات العسكرية التي تتلقاها أوكرانيا بعد الولايات المتحدة، لكن لا يمكن استخلاص هذه المعلومة عند متابعة النقاش الحاصل في برلين. تحاول حكومة المستشار الألماني أولاف شولتس تأخير قرار يقضي بإرسال صواريخ «توروس» ألمانية الصنع. لم يوضح شولتس أسباب هذه المماطلة، فقد سبق وأرسلت بريطانيا وفرنسا هذا النوع من الصواريخ. هذا الأسبوع، استُعمِلت تلك الصواريخ الغربية على الأرجح لاستهداف منشآت بحرية روسية في مدينة «سيفاستوبول» المحتلة، وتهدف هذه الجهود الأوكرانية الناجحة إلى كبح عمليات القوات البحرية الروسية في البحر الأسود.



يثبت هجوم «سيفاستوبول» أن أوكرانيا ستستفيد من أي كمية متزايدة من الصواريخ، ويُفترض أن تسلّمها ألمانيا صواريخ «توروس» إذا أرادت مساعدتها على تحرير أراضيها. لكنّ الإصرار على اعتبار هذه الأسلحة وسواها أدوات محتملة لتغيير قواعد اللعبة في الحرب يربك النقاش المستمر ويسيء إلى أوكرانيا. لا مفر من أن ترفع الفكرة المتعلقة بوجود طريق مختصر لتحقيق النصر سقف التوقعات بشأن إنهاء المذابح سريعاً، وهي مهمّة تعجز أوكرانيا عن تحقيقها على الأرجح. بعد مرور أكثر من 18 شهراً على بدء حرب استنزاف طاحنة، يُفترض أن يدرك الجميع غياب أي أسلحة سحرية أو خيارات بديلة لإضعاف القوات الروسية في أوكرانيا بطرق تدريجية ومنهجية.

حان الوقت إذاً للتخلص من النظرية المرتبطة بالأسلحة القادرة على تغيير قواعد اللعبة وتفضيل مقاربة أكثر واقعية حول ما تستطيع أنظمة التسلح الفردية فعله أو تعجز عن تحقيقه، تزامناً مع منح أوكرانيا ما تحتاج إليه لمتابعة القتال.

تتعدد الأسباب التي تجعل مفهوم الأسلحة التي تغيّر قواعد اللعبة شائباً وخطيراً. في المقام الأول، تجازف هذه الفكرة بإضعاف الدعم العسكري المطوّل من الحكومات الغربية لأن النتائج التي تتوقعها من أسلحة معيّنة لن تتحقق.

يسهل أن تنتج خيبة الأمل الخلافات، فتتبادل مختلف الأطراف الاتهامات ويظن البعض أن الأسلحة لم تصل بسرعة كافية أو بالأعداد المناسبة. إذا عبّر الأوكرانيون عن هذا النوع من الانتقادات، سيشعر بعض صانعي السياسة الغربية بأن كييف «جاحدة». نتيجةً لذلك، يؤدي التركيز المفرط على الجدل المرتبط بأنواع فردية من الأسلحة إلى نشوء خلافات دبلوماسية وعسكرية بين أوكرانيا وشركائها الغربيين.

زاد التركيز على الصواريخ طويلة المدى في النقاشات الغربية بسبب الطابع غير الواقعي لعقيدة «معركة الجو والبر» في الجيش الأميركي. تطوّر هذا المفهوم للمرة الأولى خلال الثمانينات كأداة لهزم العدوان السوفياتي في أوروبا. دعت هذه العقيدة وسواها إلى استعمال الضربات الدقيقة وطويلة المدى لتدمير القوات السوفياتية، ووحدات القيادة والتحكم، ومستودعات الإمدادات التابعة للقوات المتقدمة.

تُعرَف عمليات تدمير أو تخريب وحدات القيادة والتحكم أو الخدمات اللوجستية الخاصة بالعدو وراء جبهة القتال بالمعركة العميقة أيضاً، فهي تُعتبر على نطاق واسع الخلطة السرية لتسريع النجاح العسكري الغربي في العقود الأخيرة. ليس مفاجئاً إذاً أن يبذل عدد كبير من المحللين، لا سيما من خدموا في الجيوش الغربية خلال الثمانينات والتسعينات، قصارى جهدهم لتسليط الضوء على حملة المعركة العميقة التي تخوضها أوكرانيا. نتيجةً لذلك، تُعتبر الذخائر دقيقة التوجيه التي توشك واشنطن على تسليمها أدوات أساسية لأوكرانيا.

هذه المعطيات لا تبرر عدم إرسال تلك الصواريخ إلى أوكرانيا، لكن لا بد من التحلي بجرعة صحية من الواقعية لتحديد الأهداف التي تستطيع تحقيقها. ثمة سببان أساسيان لتراجع الآثار المتوقعة في ساحة المعركة عند استعمال صواريخ «توروس» وأنظمة الصواريخ التكتيكية للجيش. أولاً، سبق وتلقّت القوات الأوكرانية هذا النوع من الأنظمة، ما يعني أن هذه الصواريخ الجوالة تسمح بإعادة ملء الترسانة الأوكرانية، لكنها لن تمنح البلد قدرات إضافية يُفترض أن تتكيف معها القوات الروسية. ثانياً، تشير الأبحاث الميدانية في أوكرانيا خلال الصيف إلى وجود سوء تفاهم كبير بين بعض المراقبين في ما يخص الأهداف التي يمكن تحقيقها عبر حملة المعركة العميقة. باختصار، سيكون تنفيذ هذه الحملة لتفكيك نظام الجيش الروسي بطريقة منهجية على الخط الأمامي، بما في ذلك خطوط الإمدادات المحظورة، أكثر صعوبة مما يتوقع المحللون.

لا شك في أن صواريخ «توروس» الجوالة ستوسّع القدرات الأوكرانية. يصل مدى هذا الصاروخ إلى 500 كيلومتر، وهو مُصمّم لاستهداف المواقع الصلبة أو المدفونة، بما في ذلك مخابئ القيادة، ومستودعات الذخائر، والجسور، ومعاقل أساسية أخرى للنقل. تفيد التقارير أيضاً بأن هذا الصاروخ مزوّد برأس حربي أقوى من الذخائر دقيقة التوجيه في الترسانة الأوكرانية بقليل، ما قد يجعله أكثر فاعلية في تخريب الجسور، كتلك التي تربط شبه جزيرة القرم بالبر الرئيسي الأوكراني. لكن عملياً، لا يطرح غياب قوة الاختراق مشكلة فعلية في الصواريخ الأوكرانية بقدر الاستهداف الدقيق وتجاوز الأنظمة الروسية للدفاع الجوي والصاروخي. ونظراً إلى حجم القيود الألمانية المحتملة في مجال استخدام الصواريخ، سيكون نطاق تأثير هذا الصاروخ مقارنةً بالأسلحة التي تُستعمل أصلاً في أوكرانيا محدوداً.

على صعيد آخر، لن تسمح صواريخ «توروس» بتغيير قواعد اللعبة في أوكرانيا لأن ألمانيا لن تسلّمها على الأرجح كمية كافية منها لإحداث فرق كبير. استناداً إلى التقارير المنشورة والتقييمات الشائعة، قدّمت بريطانيا وفرنسا معاً بين 250 و400 صاروخ جوال إلى أوكرانيا منذ شهر أيار الماضي، وأطلقت أوكرانيا بين 180 و200 صاروخ منها. قد تعيد ألمانيا ملء ترسانة أوكرانيا بحوالى 150 صاروخاً جوالاً من نوع «توروس»، ما قد يمنح كييف كمية كافية من الذخائر دقيقة التوجيه ويسمح لها بتوسيع حملتها ضد الأهداف الروسية في الجهة الخلفية من الخط الأمامي خلال شهرَين إضافيَين. يُعتبر هذا الوضع مفيداً لأوكرانيا، لكن لن يكون أثره الاستراتيجي كبيراً.

لن تتغير قواعد اللعبة بالضرورة حتى لو تلقى البلد كميات أكبر من الذخائر، بما في ذلك صواريخ «توروس» وحدها أو مع أنظمة الصواريخ التكتيكية للجيش. تعليقاً على الموضوع، يقول المحللان مايكل كوفمان وروب لي إن تنفيذ حملة ناجحة من المعارك العميقة سيكون أصعب مما يتوقعه الكثيرون. يصعب تعطيل خطوط الإمدادات، أو تنفيذ عمليات استهداف ديناميكية، أو تحديد خط أمامي في عمق الجهة الخلفية من جبهة القتال من دون التفوق جواً. لإطلاق حملة منهجية من المعارك العميقة، تحتاج أوكرانيا إلى معلومات استخبارية متواصلة، فضلاً عن تحسين قدرات المراقبة والاستطلاع (مثل الأقمار الاصطناعية والطائرات غير المأهولة) لتحديد الأهداف الروسية وتعقّبها.

ونظراً إلى فاعلية التدابير الروسية المضادة، منها التشويش الكهرومغناطيسي على الطائرات المسيّرة، وغياب أي منصات استطلاع أوكرانية متطورة، وعجز البلد عن السيطرة على مجاله الجوي، تبقى تغطية العمق الروسي بوتيرة متواصلة اقتراحاً صعب التنفيذ.

في الوقت نفسه، يبدو أن الآمال المتبقية بتغيير قواعد اللعبة عبر صواريخ «توروس» وأنظمة الصواريخ التكتيكية للجيش تتجاهل قدرة روسيا المنهجية على التكيّف مع المستجدات منذ ظهور قاذفات الصواريخ المتعددة «هيمارس» في صيف العام 2022. دعّمت القوات الروسية مراكز القيادة والتحكم، ونوّعت شبكات إمداداتها، ولم تعد تتكل على مستودعات الذخائر الكبرى والهشة بالقرب من الخط الأمامي. وحتى لو نجحت أوكرانيا في استعمال كميات متزايدة من الصواريخ طويلة الأمد بطريقة منهجية، لم تتضح فاعلية هذه الحملات الهجومية ضد أي عدو محصّن ومزوّد بدفاع جوي وصاروخي متطور وبقدرات حربية إلكترونية قوية.

أخيراً، بالغ بعض المحللين على ما يبدو في تقدير كمية الإمدادات التي يحتاج إليها الروس لإعاقة الاعتداءات الأوكرانية أو تأخيرها على الخط الأمامي للمواجهة. تتعرض الجوانب اللوجستية الروسية لضغوط متزايدة مع مرور الوقت، وقد اتضح ذلك في تراجع معدل إطلاق المدفعيات وصعوبة تبديل القوات العسكرية من المواقع الأمامية وإليها. مع ذلك، لا تزال القوات الروسية قادرة على تنفيذ الاعتداءات، وإطلاق نيران مضادة، واللجوء إلى قصف مدفعي ثابت نسبياً للتصدي للهجمات الأوكرانية.

باختصار، تتجاوز الأهداف المتوقعة من الصواريخ طويلة المدى التي تستهدف العمق الروسي السيناريوات الممكنة نظراً إلى حجم الصواريخ التي تملكها روسيا وقدراتها التكيفية. يُفترض ألا نتوقع أثراً مفاجئاً وتخريبياً على مستوى الجهود الحربية عند استعمال عدد متزايد من الصواريخ دقيقة التوجيه، حتى لو توسّع نطاقها بقدر أنظمة الصواريخ التكتيكية للجيش أو كانت تلك الأسلحة مزودة برؤوس حربية أكثر قوة. ستكون هذه الأنظمة ميزة إضافية لمساعدة أوكرانيا في إضعاف قدرة روسيا على خوض هذه الحرب مع مرور الوقت.

لكنّ العجز عن تغيير قواعد اللعبة في ساحة المعركة عبر استعمال صواريخ «توروس» الجوالة أو أنظمة الصواريخ التكتيكية للجيش لا يبرر عدم إرسال هذه الأسلحة، بل العكس صحيح: سيكون الدعم الغربي للاحتفاظ بقدرات أوكرانية دقيقة التوجيه عنصراً أساسياً من استراتيجية الاستنزاف العامة التي تطبقها القوات المسلحة الأوكرانية. لزيادة فاعلية الصواريخ، يمكن البدء برفع القيود المفروضة على استعمالها عبر السماح لأوكرانيا مثلاً باستهداف جسر «كيرتش».

لكن رغم حاجة أوكرانيا المُلحّة إلى الصواريخ الألمانية والأميركية، لا بد من خوض نقاش أكثر دقة حول ما تستطيع أنظمة التسلّح الفردية فعله وما تعجز عن تحقيقه في هذه الحرب. واقعياً، ما من طريق مختصر لتحقيق النصر عبر استعمال أسلحة معينة أو تبنّي عقيدة المعركة العميقة الغربية. كلما أدركنا هذه الحقيقة البسيطة في مرحلة مبكرة، ستتراجع خيبات الأمل والخلافات بين أوكرانيا وشركائها، ويزيد احتمال أن تحصل كييف على القدرات والموارد التي تحتاج إليها لمواجهة العدوان الروسي في هذه الحرب الطويلة.


MISS 3