تشارلز ليستر

إدارة بايدن تستخف بمخاطر الإرهاب العالمي

4 تشرين الأول 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

عنصر من قوات سوريا الديمقراطية حول سجن غويران في مدينة الحسكة | سوريا، 25 كانون الثاني 2022

في سلسلة مقابلات تزامنت في وقتٍ سابق من هذا الشهر مع الذكرى الثانية والعشرين لهجوم 11 أيلول، نعى كبار المسؤولين الأميركيين في مجال مكافحة الإرهاب تنظيم «القاعدة» في أرضهم الأصلية في قلب أفغانستان، فقالت مديرة المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، كريستي أبي زيد، إن «القاعدة بلغت أدنى مستوياتها تاريخياً وأصبحت عودتها مستبعدة بعدما خسرت قدرتها على بلوغ أهدافها، وفقدت مهاراتها القيادية، وتماسكها الجماعي، والتزام عناصرها، وبيئتها المحلية المريحة». كانت تغطية وسائل الإعلام لهذه المواقف أشبه بإعلان انتصار، حتى أن حركة «طالبان» اعتُبِرت في أحد التصريحات «شريكة» محورية في هذا الإنجاز.

لكن يبقى الواقع أكثر تعقيداً وأقل إيجابية. قد يكون الاستخفاف بالتحديات الإرهابية الراهنة في ظل التركيز المتزايد على المنافسة القائمة بين القوى العظمى موقفاً منطقياً من الناحية السياسية على الأرجح، لكن يبدو المشهد العام في سنة 2023 مضطرباً: اليوم، زادت أعداد الجماعات الإرهابية الناشطة في بلدان إضافية حول العالم، وهي تسيطر على الأراضي أكثر من أي وقت مضى.


فيما يبتعد الأميركيون وحلفاؤهم عن محاربة المخاطر الإرهابية في الخارج، لا تسعى الصين وروسيا وحدهما إلى سد هذا الفراغ، بل تسارع جماعات مثل «القاعدة» و»الدولة الإسلامية» لاستغلال الوضع أيضاً.

في أفغانستان، لم تعد «القاعدة» تتمتع بقوتها السابقة، لكنها وصلت إلى هذا الوضع منذ سنوات. يزعم المسؤولون الأميركيون أن هذا التنظيم يملك «أقل من 12» ناشطاً في أفغانستان اليوم، لكن يصل هذا العدد إلى 400 وفق تقديرات الأمم المتحدة، علماً أن أعضاءً من هذه الجماعة أصبحوا جزءاً من حكومة «طالبان» أو معسكرات التدريب الجديدة والمنشآت اللوجستية التي نشأت في تسع محافظات. لا يمكن اعتبار «طالبان» شريكة للولايات المتحدة، إذ تعتبر الأمم المتحدة علاقتها مع «القاعدة» وثيقة وتكافلية وتمنحها «طالبان» الغطاء الذي تحتاج إليه لإعادة بناء نفسها.

يقال إن ذلك الغطاء يسهل توفيره عبر علاقة ضمنية يعتبرها الكثيرون مجرد حكاية خيالية من اختراع دعاة الحرب، لكنها علاقة واقعية أثّرت على روابط مختلف الجماعات طوال عقدَين من الزمن، وهي التي جعلت زعيم «القاعدة» السابق، أيمن الظواهري، يلجأ إلى منزل آمن تابع لحركة «طالبان» في كابول عند مقتله في تموز 2022.

اليوم، تبقى التهديدات الإرهابية التي تتجاوز تنظيم «القاعدة» وتشتق من أفغانستان وافرة. تنشط 20 جماعة إرهابية على الأقل في الأراضي الأفغانية، وهي تتمتع بهامش واسع للمناورة مقارنةً بتحركاتها قبل الانسحاب الأميركي، ويحافظ معظمها على حضور ثانوي دائم في الصين، وباكستان، والهند، وأوزبكستان، وقيرغيزستان، وكازاخستان، وسوريا.

في العراق، من المنتظر أن يخرج عشرات القادة المخضرمين من تنظيم «الدولة الإسلامية» من السجن خلال الأشهر المقبلة، بعد احتجازهم هناك في آخر 15 أو 20 سنة. تنتظر الاستخبارات الغربية إطلاق سراحهم بقلق شديد. وطالما تستمر الأزمة السورية العامة، لا مفر من أن تتابع «الدولة الإسلامية» وبعض الجماعات الإرهابية الأخرى حصد المنافع. منذ شهر واحد فقط، اعتُقِل إرهابي مُشتبه به في فيلادلفيا بعد اتهامه بالاستعداد لتصنيع قنابل بمساعدة أعضاء من «كتيبة التوحيد والجهاد» في سوريا (إنها جماعة أوزبكية الأصل وهي على صلة بتنظيم «القاعدة»).

لكن تبقى القارة الأفريقية المنطقة التي يُفترض أن تثير قلق خبراء مكافحة الإرهاب أكثر من أي مكان آخر في العالم. تكشف التقديرات أن جماعات تابعة للقاعدة والدولة الإسلامية تنشط في 28 بلداً أفريقياً على الأقل. بعد الانقلابات المتلاحقة في مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، يستعد الجهاديون لشن هجوم مثير للقلق في الساحل الأفريقي.

وفي مالي، حيث تنشغل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بالانسحاب في أسرع وقت بضغطٍ من المجلس العسكري، يبدو أن خليطاً من عناصر «القاعدة»، و»الدولة الإسلامية»، ومتمرّدي الطوارق العرقيين، يقودون البلد إلى الانفجار الداخلي.

في غضون ذلك، أقدمت «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» التابعة لتنظيم «القاعدة» (تسيطر على 40% من بوركينا فاسو) على تكثيف اعتداءاتها بأكثر من 400% هذا الصيف، فوضعت تمبكتو وسبع بلدات أخرى تحت الحصار، وطوّقت العاصمة باماكو، واجتاحت القواعد العسكرية بشكلٍ شبه طوعي، وقتلت مئات الناس. خلال الأسابيع الثلاثة الماضية فقط، تم إسقاط عدد من الطائرات والمروحيات المالية، واضطرت مطارات تجارية لإغلاق أبوابها، وتكبدت مجموعة «فاغنر» الروسية خسائر غير مسبوقة، فيما تعرضت قوافل عدة للقتل واختفى عشرات الموظفين، منهم 140 شخصاً قُتِلوا خلال تحطّم طائرة في جاو.

في الوقت نفسه، يتابع تنظيم «الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى» توسيع نطاق نشاطاته، وقد ضاعف الأراضي التي يسيطر عليها في السنة الماضية وحدها. وفي مناطق واسعة من مالي، بدأ التنظيم يطبّق منذ الآن شكلاً وحشياً من الحوكمة وينشر «شرطة الحِسبة» التي تهدف إلى فرض معايير التنظيم الأخلاقية الصارمة. تكشف تقديرات الأمم المتحدة أن تنظيم «الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى» يُشغّل عدداً من المقاتلين الأجانب الناشطين ويستعمل ممرات لوجستية لنقل الإمدادات بين مالي وجنوب أوروبا، بالإضافة إلى تواصله المستمر مع الجماعات التابعة له في غرب أفريقيا.

إذا استمرت التحركات بهذا الإيقاع، قد نكون على بُعد أشهر من إعلان قيام دول إقليمية في منطقة الساحل الأفريقي بقيادة «القاعدة» و»الدولة الإسلامية». هذا التطور لا يقلل من أهمية العمليات المستمرة والمتوسعة في ساحات أخرى مثل نيجيريا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والموزمبيق.

على صعيد آخر، تبقى الصومال معقلاً مضطرباً جداً للنشاطات الإرهابية، فهي تشكّل قاعدة لمكتب «كرار» الإقليمي التابع لتنظيم «الدولة الإسلامية»، علماً أن هذا المكتب يتابع درّ ملايين الدولارات سنوياً لتوزيعها على فروع التنظيم في أنحاء العالم. في الجوار، تبقى حركة «الشباب» التابعة لتنظيم «القاعدة» قوة صلبة ومحصّنة ضد الاعتداءات الحكومية المتواصلة. تحظى حملة عسكرية مشتركة بين إثيوبيا وكينيا والصومال بدعمٍ معيّن من الولايات المتحدة لمحاربة تلك الحركة، لكنها تجد صعوبة في اختراق خطوطها الأمامية. منذ أسبوع، تورطت القوات الإثيوبية في سلسلة من الكمائن الضخمة والمنسّقة التي صمّمتها حركة «الشباب»، ويقال إن تلك المواجهة أسفرت عن ساعات من القتال وسببت خسائر كبرى.

بعيداً عن أفغانستان، وسوريا، والعراق، وأفريقيا، لا تزال التهديدات والتحديات التي تطرحها «القاعدة» و»الدولة الإسلامية» وفروعها خطيرة جداً، من اليمن والهند إلى الفلبين. لم تختفِ هذه الشبكة من الجماعات الجهادية المنتشرة حول العالم ولم تضعف لدرجة أن تخسر أهميتها كما يظن البعض، بل إنها ترسّخ مكانتها أكثر من أي وقت مضى وتستغل تعب المجتمع الدولي وعدم اهتمامه بمواجهة التطرف العنيف في الخارج.

تتابع معظم الجماعات التركيز على التوسع محلياً، لكن تمثّل الولايات المتحدة والغرب العدو المطلق حتى الآن. لم تخسر «القاعدة» و»الدولة الإسلامية» رغبتهما في مهاجمة الولايات المتحدة ومصالحها حول العالم، لكنهما تتكلان على لامبالاة واشنطن تجاه إنجازاتهما المحلية راهناً لتقوية مكانتهما مقارنةً بالولايات المتحدة مستقبلاً. في هذا السياق، سيكون التركيز على الشؤون المحلية مؤشر قوة، لا ضعف.

تبدو التهديدات التي تتعرض لها أوروبا اليوم أقوى من المخاطر التي تواجهها الولايات المتحدة، وهي تنبثق من ساحات متنوعة مثل أفغانستان وأفريقيا، أو من مؤامرات محلية ومستوحاة من الخارج. برأي مسؤولَين اسكندنافيَين تكلما شرط عدم الإفصاح عن هويتهما لأنهما يناقشان معلومات حساسة، كانت اعتداءات إرهابية متعددة لتقع في العام 2023 لولا تقاسم المعلومات الاستخبارية الأميركية، وكان معظمها على صلة بحوادث حرق القرآن.

إلى جانب هذه التطورات وانهيار المناطق الفرنكوفونية في أفريقيا سريعاً وغرقها في الفوضى الجهادية، تجد فرنسا أيضاً صعوبة في التعامل مع إطلاق سراح 350 شخصاً مُداناً بتُهَم إرهابية في آخر خمس سنوات واقتراب تحرير 80 سجيناً إضافياً خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.

قد تكون الأراضي الأميركية بعيدة جغرافياً عن هذه الأزمات، لكن تبقى التهديدات الإرهابية عالمية ومترابطة بطبيعتها.

تتطلب الظروف الراهنة إعطاء الأولوية للمنافسة بين القوى العظمى. لكن في ظل تصاعد التحديات والتهديدات التي يطرحها الإرهاب، يُفترض ألا يصبح تحديد توقيت التحركات وطبيعتها حول العالم اختيارياً. أثبتت التحركات الروسية الأخيرة في أفريقيا بكل وضوح أن قرار واشنطن بتجاهل حاجات مكافحة الإرهاب أو الاستخفاف بها يعطي فرصاً إيجابية للقوى العظمى المنافِسة للولايات المتحدة كي تُرسّخ نفسها في أماكن مختلفة، وتقوم باستثمارات جديدة، وتكتسب نفوذاً جيوسياسياً غير مسبوق.

الإرهاب نوع من التكتيك ولا يمكن هزمه. لكن سبق وأثبت الأميركيون وحلفاؤهم في سوريا والعراق أن تحقيق الإنجازات ضد الإرهابيين ممكن بكلفة متدنية نسبياً. اقتصر عدد الجنود الأميركيين هناك على ألفَي عنصر كحد أقصى (حوالى 2% من العدد المنتشر في اليابان وكوريا الجنوبية)، ومع ذلك هزمت الولايات المتحدة أكبر «دولة» إرهابية ممتدة بين سوريا والعراق. من خلال تبنّي مقاربة مشابهة ومبنية على حصر الوجود العسكري والتعاون مع الشركاء المحليين، تستطيع واشنطن أن تقلّص التكاليف والمخاطر التي تتكبدها القوات الأميركية، تزامناً مع زيادة قدرة اللاعبين المحليين على أداء مهامهم على المدى الطويل. هذا الجانب الأخير من تلك المقاربة يفتح المجال أمام مجموعة واسعة من الفرص الثنائية أو حتى الإقليمية، ما قد يسمح بتقوية المهام الأساسية في خضم المنافسة القائمة بين القوى العظمى.

فيما يسارع الإرهابيون إلى سد الفراغ المتزايد وترسيخ مكانتهم في الخارج، يُفترض أن يصبح نموذج مكافحة الإرهاب الذي حقق النجاح في سوريا والعراق الخيار المعتمد في المراحل المقبلة، لأن تجاهل التهديدات الإرهابية أو الاستخفاف بها يؤجج تلك المخاطر ويُضعِف مكانة الولايات المتحدة عالمياً.


MISS 3