بشارة شربل

"المنظومة" و"المنظمات": النازحون أولاً... وليَغرق لبنان

5 تشرين الأول 2023

02 : 00

طفح الكيل من زمان. ووقاحة منظمات الأمم المتحدة المعنية باللاجئين السوريين لم يعد يضاهيها إلّا صفاقة «المنظومة» الحاكمة. وهما يلتقيان موضوعياً على التنكيل بمصالح لبنان دولة وشعباً وكياناً.

أول من أمس وصلت وقاحة الناطق باسم الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط لويس ميغيل بوينو حدَّ الجزم: «لا عودة للنازحين الى سوريا اليوم. ويجب مساعدتهم في لبنان». ولا عجب أن يمارس الاستفزاز بعدما شهد فشل لبنان الرسمي في التعامل مع قضية وجودية بهذا الحجم. فلا الحكومات تصرفت بمسؤولية، ولا «محور الممانعة» أتاح المجال لقرار حاسم بإقفال الحدود وإطلاق يد القوى العسكرية في منع الطوفان السوري.

حين نشرت «نداء الوطن» أمس أنّ هناك 900 ألف نازح غير مسجل يتلقون 270 مليون دولار شهرياً، وأنّ مفوضية اللاجئين تعاملت مع موجة النزوح الأخيرة بمنح عشرة دولارات يومياً لكل قادم جديد، «أخد ع خاطر» المفوضية، وبدل إعطائنا أرقاماً تصرّح بالحقائق التي تبقيها طي الكتمان، أطلقت مجدداً مجموعة أضاليل. ولذا، نوضح للمفوضية أنّ أرقامنا مبنية على تقارير ديبلوماسية «غربية» موثوق بها لدول محترمة، وليست مموَّهة لخدمة توطين النازحين في بلد يضيق ببنيه.

لم تنفع كل المناشدات للأوروبيين والأميركيين بأن ينظروا الى وضع لبنان الذي لا يستطيع احتمال سيل النازحين، فهم يصرون على إبقائهم وتمويلهم. وتحت لافتة مطالبة الأسد بالتزام «الحل السياسي» وعدم توافر شروط «العودة الآمنة»، يجري تشجيعهم على القدوم الى لبنان في وقت يتم التنازع بين الدول الغربية وروسيا وايران وتركيا واسرائيل على مناطق النفوذ في الملعب السوري، في ما يبدو وكأنه نزاع طويل يضمر مشاريع للخريطة السورية وللمجموعات الطائفية والإتنية التي كانت تشكل نسيج سكانها.

نعلم أنّ مسألة النزوج معقّدة، لكننا متأكدون أنّ النازحين في غالبيتهم الساحقة قدموا لأسباب اقتصادية، وهؤلاء يضغطون على لبنان واللبنانيين مستفيدين من بيئة طائفية حاضنة أو بيئة سياسية تدرجهم ورقة في أحد ملفاتها، أو من سلطة خبيثة لم تهتم يوماً إلا بالنهب والهيمنة.

لا نطلب من «المنظومة» شيئاً لعلمنا أنها تكذب وتشكّل لجاناً ووفوداً لتبرئة الذمة وتضليل الرأي العام. لكننا نستطيع أن نقول لـ»المجتمع الدولي»: لا، وألف لا. فإذا كان فريق من اللبنانيين يرضى بأن تستباح البلاد، فإنّ فريقاً آخر يرفض الأمر الواقع، وهو لا يريد إرسال النازحين بقوارب الموت، بل يطالب بإيجاد حلول عملية تزيح الخطر عن كاهل لبنان، وتدعم حقهم في متابعة حياتهم في بلدهم أو خارجه. وفي هذا الإطار، يجب التنبّه إلى سوء نيّة «المنظمات» التي لا همَّ لها سوى الانخراط في «لعبة الأمم» وإبعاد كأس النزوح عن شواطئ الدول التي تمثّلها.


حان الوقت لإرغام «المفوضية العليا لشؤون اللاجئين» على التعامل مع لبنان كدولة مستقلة ذات سيادة قبل أن يكون دولة منكوبة. وإذ كنا أثنينا دائماً على عملها الانساني في كل مكان طالته الكوارث الطبيعية أو جرائم الاستبداد، فإننا اليوم وبالحرص نفسه نصارحها: هذا وطن تساهمون في تفكيكه وتدميره وتهجير شبابه بصرف النظر عن وجهة نظركم والنيّات. فإما أن تتصرفوا بما يرفع عنه هذا الضرر الفادح والاستراتيجي، وإما علينا دعوتكم الى الرحيل. وبصراحة كلية، فإنّ سلوككم بات مثيراً للقرف والاشمئزاز، ومنظماتكم تكاد تتحول رديفاً للمنظومة التي أغرقت لبنان.


MISS 3