سألناه عن المراحل الأحبّ إليه فقال: إثنتين، التعليم الجامعي والمجلس الدستوري. سألناه عن التحوّلات في حياته فتكرّر اسمان: سليم الحص وميشال سليمان. سألناه عن شخصيّته فأجاب: إنها مزيج من شيئين «صرامة وليونة». رئيس المجلس الدستوري سابقاً عصام سليمان، الذي شارف على الثمانين، عاش كثيراً من الصُدف في حياته وكان شاهداً على مراحل فيها ربيع وفيها خريف. ومن المرحلتين خرج وقّاد الذاكرة وحادّ المراس (في الشكل) أما في الواقع فعبثاً حاول أن يخفي دمعتين سقطتا خلسة وحجبهما بطلبٍ سريع: لا تصوّروا. حوار معه وحقائق للتاريخ.
هو ابن بلدة جاج البترونية. وُلد في العام 1944 ودرس في معهد سيدة ميفوق ثم انتقل الى معهد الرسل- جونيه. وشكّل وشقيقه سليمان سليمان عائلة الوالدين منقذ ومريم ويقول «شقيقي سليمان محامٍ وزوجته هي القاضية هيلانة اسكندر (رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل)، أما زوجتي فهي أليس كيروز (محامية ومستشارة في البنك المركزي ورئيسة لجنة مكتومي القيد)». القانون ثم القانون ثم القانون... في كل جنبات العائلة الصغيرة والأوسع. لكنّ عصام سليمان أحبّ في بداياته العلوم أكثر، فدرس الكيمياء وعلّمها ستة أعوام. وعاد ودرس الحقوق. كان مجتهداً «كنت الأول وحصلت على منحة عرفتُ بها بالصدفة من أحد رفاقي، أخبرني أن اسمي معلّق على باب الكليّة (يضحك). هرولتُ في اتجاه الجامعة فأخبرني المدير أنهم ينتظرونني منذ أسبوعين. أخذت المنحة وسافرت الى فرنسا، الى جامعة «آكس أون بروفانس» حيث حصلت على شهادتي دكتوراه في آن: الأولى في العلوم السياسية بدرجة جيد جداً والثانية في القانون الدستوري بدرجة ممتاز. جامعتي الفرنسية من أرقى الجامعات وأوّل لبناني تخرّج منها كان الرئيس إميل إده في العام 1911».
نسأله عن الشاب عصام سليمان؟ يجيب «كنت رياضياً». يرنّ هاتفه ينظر إليه. تلمع عيناه. يقفل الخط ويتابع «هي ابنتي تتّصل من لندن. إنها مديرة عامة في شركة فايزر». هو أبٌ فخور.
نتابع معه «كنت «درّيس» واتجاهاتي علمية لكنني أيقنت سريعاً أن المواد العلمية ستحجّمني، ستحاصرني، وأنا ميولي أكثر نحو العمل العام والسياسة. والدي منقذ سليمان كان مختاراً طوال خمسين عاماً وبقي الى حين توفّاه الله. كنت متفوقاً».
يوم رجعت من فرنسا إلى لبنان عملتُ أستاذاً في كلية الحقوق الفرع الأول في الصنائع. علّمت مادة «المدخل الى العلم السياسي». ودرّست طلاب الدكتوراه مادة «الضمانات الدستورية والحقوقية للحقوق والحريات العامة» واستمررت بذلك طوال خمسة عشر عاماً الى حين تسلّمت رئاسة المجلس الدستوري. وقد علّمت في الجامعة 33 عاماً. أشرفت على أطروحات دكتوراه شارفت العشرين لطلاب لبنانيين وغير لبنانيين وبينهم: محمد عمر مولود الذي أصبح رئيس مجلس الشورى في كردستان العراق، وعلي ياسين وهو كردي أصبح وزيراً في حكومة كردستان، والأردني عمر حضرمي الذي تولّى نيابة رئاسة الجامعة الأردنية في عمان...».
مع سليم الحص
تعرفت الى الرئيس سليم الحص أثناء دراستي. واتجاهاتي كانت دائما وطنية عابرة للطوائف. أنا ماروني لكنني منفتح على الجميع. وأتذكر أنني حين ناقشت أطروحتي سألني أحد أعضاء اللجنة واسمه لإيف براتس: أنت مسيحي أو مسلم؟ أجبته: أنا لبناني. قال لي: قرأت أطروحتك «النزاعات داخل الطوائف» ثلاث مرات ولم أكتشف. حصل ذلك في العام 1980. يضيف: تعرفت على الرئيس الحص في العام 1987 من خلال عميد كلية الحقوق الدكتور محمد المجذوب. قال لي: سنذهب في زيارة. مكثنا معه نصف ساعة. وبعد يومين إتصل بي طارحاً فكرة قال: أفكر في إنشاء ندوة أسميها ندوة العمل الوطني تضم مثقفين مسيسين شرط ألّا يكونوا منضوين في اي حزب. كانت لدى سليم الحص حساسية من الأحزاب. ودعاني ان أكون الى جانبه. إنضويت الى الندوة التي ضمت آنذاك 125 عضواً من مستويات عالية. ولاحقاً إقترح ان أكون نائبه في الندوة. واستمريت في المركز من العام 1992 الى العام 2005. وشغلت منصب رئيس اللجنة التي تضع التقارير السياسية وكان الرئيس الحص حريصاً على مناقشة كل كلمة وفاصلة».
وثق سليم الحص به ويقول «كانت ثقته بي مطلقة. وكان يكلفني بكل المهمات الأساسية في الندوة. وهذا ما خلق حساسيات بيني وبين بعض الأعضاء لكنها بقيت، بوجود الرئيس الحص، مضبوطة» يضيف «حين شكّل سليم الحص آخر حكومة له في عهد الرئيس إميل لحود في كانون الأول عام 1998 طرح أن أكون وزير الثقافة والتعليم العالي فيها لكن التشكيلة «تخربطت» بسبب بعض المواقف التي لا أريد الدخول في تفاصيلها».
من خربط؟ إميل لحود؟ يجيب «أتت الخربطة من الحوصة (المجموعة) التي حول إميل لحود وتحديداً من ميشال المر. وهكذا تشكّلت الوزارة من دوني. ولا اريد الدخول في تفاصيل إضافية».
نذكره أننا نكتب للتاريخ. ونتابع الإصغاء الى حكايته معه: «بعدما «ركبت» الوزارة إتصل بي سليم الحص وقال لي: لم أنجح في جعلك وزيراً لكن هل تقبل أن تكون مستشاراً لي في الحكومة؟ أجبته فوراً: نعم. عملت مستشاراً بتعويض رمزي قيمته ليرة واحدة في الشهر. وأتذكر أن قيمة الدين العام كانت وقتها 18 ملياراً و500 مليون ليرة. كان الحص يعتبر ذلك مبلغاً مهولاً. وفكّر في إنشاء وزارة دولة تكلف بإدارة الدين العام. وحاول أن يقوم بتطهير إداري ووضع 12 مديراً عاماً في التصرف لكن حكومته لم تدم طويلاً (إنتهت خلال سنتين) وتعرقل مسار الإصلاح لأن الفساد يحتمي بالطوائف. سقط سليم الحص في الإنتخابات النيابية عام 2000 ونجحت غنوة جلول».
هل يتذكر لحظات الإنكسار التي تعرض لها سليم الحص؟ يجيب «كان لديه عدد من المستشارين لكنني كنت الأقرب إليه. وحين أصبح رئيساً للحكومة شغلت أنا موقع رئيس الندوة الوطنية». ويستطرد: «في الحقيقة، قبل الإنتخابات النيابية عام 2000 بنحو أسبوعين جلست معه وقلت له: دولة الرئيس اتمنى عليك أن تسحب ترشيحك لأن المعلومات التي لدينا إستناداً الى دراسة قامت بها الدولية للمعلومات في الدائرة الثالثة في بيروت بيّنت رسوبه على سبعة آلاف صوت. قلت له: لا تترشح. قدّم بيانا قلّ فيه: لأنني رئيس للحكومة لن أترشح. لكن، للاسف بعض الجهات كانت تشجعه على العكس. وحين صدرت النتائج كنت الى جانبه. وبعد ان غادر الجميع ليلاً بقيت أنا والدكتور أمير حموي الى جانبه. بدت ردة فعله باردة. وراح يتلو النكات. لكن، في اليوم التالي صدرت عنه ردة فعل قوية. اتيت الى رئاسة الحكومة وسمعت جدالاً. إقتربت فقالوا لي: يريد إعلان عزوفه عن العمل السياسي. كان غاضباً. قرأت بيان العزوف وقلت له: هل يمكن تعديل كم جملة فيه. وبالفعل خففتُ من لهجة البيان وعدلته».
ما هي العبارات التي تمّ تعديلها؟ يجيب «هو كان أعلن فيه بلهجة قاسية إعتزاله العمل السياسي فقلت له: عليك التمييز بين العمل المسيس والعمل الوطني. أنت اعتزلت الترشح الى الإنتخابات، بمعنى السياسة للوصول الى السلطة، لكن عليك ألّا تتخلى عن مسؤولياتك الوطنية. وهذا ما سجلناه في البيان المعدل».
جزءٌ كبير من تاريخ عصام سليمان إرتبط بتاريخ سليم الحص. وهو يتابع السرد عنه في معرض الكلام عن نفسه: «كانت لدى سليم الحص كتلة نيابية كبيرة في انتخابات 1992. حقق ومرشّحوه الثمانية فوزاً كبيراً في بيروت وشكّل كتلة قوية تحت شعار: ممارسة المعارضة البناءة. وهذا ما مارسه مع رفيق الحريري. كان يوجه إنتقادات للسياسات النقدية التي اعتمدت بعد العام 1992. واثبتت الوقائع أنه كان صائباً. لكن الحريري إعتمد مبدأ: قولوا ما تريدون ونحن نعمل ما نريد. لذا، لم يصغِ أحد الى سليم الحص الذي عاش شريفاً دائماً».
آخر مرة إلتقاه كانت قبل ثلاثة أعوام: «كان تعباً، هزيلاً. ولديه صعوبة في التعبير لكن عقله كان مركزاً. وبينما هممت بالمغادرة طلب من مرافق له أن يلتقط لنا صورة سوياً». يشيح سليمان بنظره جانباً وتلمع عيناه لكنه عاد وأخفى ملامح التأثر بسرعة. وقال: «منذ ذاك اليوم لم أره. هو قال لي: لبنان انتهى. وكل الأمور ذاهبة الى الإنهيار».
ولادة منبر الوحدة الوطنية
إستمرّ عصام سليمان في ندوة العمل الوطني ثلاثة عشر عاماً. اليوم تبدلت الندوة كثيرا «لأن الندوة سليم الحص، وهو قرّر عام 2005 إنشاء ما هو اوسع. سماه منبر الوحدة الوطنية. تشكّل المنبر مع الدكتور حيان حيدر وأمين حموي وعبد الحميد فاخوري وانضم ريمون روفايل (رئيس المركز الماروني العام) وميشال ساسين وإميل نجم وتمام سلام ومحمد المشنوق...» يتابع سليمان: «يومها كان السوريون غادروا لبنان فانضم الى المنبر من أرادوا إيجاد غطاء يتلطون وراءه. حدثت جدالات ونقاشات داخل المنبر، لذلك قررت المغادرة. أخبرت الرئيس الحص. وكان ذلك العام 2006. رفض. لكنني أصريت وقلت له: سأبقى شخصياً الى جانبك».
سليمان وسليمان
إنصرف سليمان الى التعليم الجامعي والبحث العلمي ويقول: «تعرفتُ على ميشال سليمان في مكتب الرئيس الحص. يومها كان قائداً للجيش. سألنا يومها الحص: ألا تعرفان بعضكما (وكلانا من آل سليمان) فأجبناه: لا. ولاحقاً توطدت علاقتنا. ويوم أصبح ميشال سليمان رئيساً للجمهورية أخبرني أنه يفكر بإنشاء طاولة حوار وطني. وقرر تشكيل لجنة تمهد لذلك ضمّت ناظم خوري وأنا والسفير ناجي أبي عاصي وغالب محمصاني وعدنان السيد حسين. كنا نجتمع معا تمهيداً لطاولة الحوار. الرئيس سليمان رجل حوار. صحيح هو كان قائداً للجيش لكنه تميّز عن كل من تولوا المنصب بانفتاحه ورفضه فرض آرائه بالقوة. بعد أشهر، إتصل بي وطلب مني الترشح الى عضوية المجلس الدستوري. أجبته بلا لسببين: أولهما ان من سيعينون أعضاء المجلس الدستوري هم النواب (خمسة أعضاء) والوزراء (خمسة أعضاء) وكلا المجلسين يتكوّن من أكثرية لا خبز لي معها. أما السبب الآخر، فإن المرشح عليه أن يقابل لجنة في المجلس النيابي تجري معه «إنترفيو». وأنا أرفض ذلك. أنا أشرفت على أطروحات دكتوراه ولن أسمح لنفسي بالجلوس أمام نواب ليتأكدوا ما إذا كنت أصلح للموقع ام لا. قلت للرئيس سليمان يومها: إذا ألغوا المقابلة أترشح. أجابني: هناك، في الكونغرس الأميركي، يجرون مقابلة مع المحكمة العليا. رفضت. وكان إبراهيم نجار وزيراً للعدل. فقام بتعديل القانون فألغيت المقابلة. عندها ترشحت».
هل نفهم من ذلك أنها عدّلت من اجلك؟ يجيب «لا، لا أعرف. الدكتور أنطوان خير (أصبح عضوا في المجلس الدستوري) كان يرفض أيضا ذلك. في كل حال، قدمت ترشيحي ولم أتكلم مع احد وقلت للرئيس سليمان: إذا ارادوني فليصوّتوا لي. ويومها حصلت تدخلات كثيرة، إنتخب على أثرها المجلس النيابي خمسة نواب أما الخمسة الآخرون الذي يفترض بمجلس الوزراء إختيارهم فتأخر الإعلان عن أسمائهم خمسة أشهر. وفي 25 أيار 2009 تمّ التعيين وأصبحت عضوا في المجلس الدستوري».
هل تريد أن تقنعنا أن لا أحد دعمك؟ يجيب «لا أعرف ماذا فعل الرئيس سليمان لكن ما أعرفه أنني لم أفعل شيئاً». يتابع: «أقسمنا اليمين أمام رئيس الجمهورية ونزلنا الى المجلس الدستوري الذي كان مشلولاً من آب 2005 الى حين استلمنا في 5 حزيران 2009. هناك في المجلس الدستوري إنتخبنا نائب الرئيس وأمين السرّ وحصلت انا على ستة أصوات وأنطوان خير، الماروني الآخر، على أربعة، فأصبحت رئيساً للمجلس الدستوري. وكنت الأصغر سناً بين الأعضاء».
مقاطعة وإدانة
وصل عصام سليمان الى رئاسة المجلس الدستوري وأوّل إستحقاق تصدى له كان انتخابات العام 2009 النيابية. «وصل إلينا 18 طعناً، حققنا فيها واصدرنا النتائج في غضون أربعة أشهر. لم أسمح لأحد بالتدخل، وحتى الرئيس سليمان لم يطلب مني شيئاً. لكن، في العام 2013 واجهنا أزمة نتيجة قيام المجلس النيابي بالتمديد لنفسه. وكانت يومها حكومة تصريف أعمال برئاسة نجيب ميقاتي الذي اجتمع مع وزير الداخلية مروان شربل واتخذوا الإجراءات التي يقتضيها إجراء الإنتخابات. لكن، بعد خمسة أيام قام مجلس النواب بتمديد ولايته وحيداً. قدّم الرئيس سليمان طعناً بذلك. وقدمت كتلة ميشال عون طعناً آخر. درسنا الطعنين وكنا في اتجاه إبطال القانون. لكن، جرت ضغوطات على ثلاثة من الأعضاء لمقاطعة الجلسات. وهذا ما فعلوه في حين ان النصاب في المجلس الدستوري يقتضي حضور ثمانية أعضاء من عشرة. والقرار يُتخذ بتصويت سبعة».
فلتُسمِ هولاء؟ يرفض متمنياً عدم ذكر أسمائهم لأنهم عادوا وعرفوا لاحقاً خطأهم». نعود لنسأله: هل يتبعون الى رئيس مجلس النواب نبيه بري؟ يجيب: «والى وليد جنبلاط أيضاً». يتابع: «كان يجب البت بالطعن خلال شهر واحد، بعده اصبح التمديد قانونياً، فعادوا الى المجلس الدستوري. رفضت استقبالهم إلا بعدما قدمت مداخلة في أول جلسة أدنتهم بها وتعهدوا بعدم مقاطعة اي جلسة لاحقة. قلت لهم: لا تسمعوا للسياسيين. وسجلت الإدانة في محضر الجلسة في 31 تموز 2013».
لكن، من يفعلها مرّة ماذا يمنع ان يفعلها كل مرّة؟ يجيب: «في الحقيقة أتت طعون لاحقاً من قانون زيادة الضرائب، وكان الرئيس نبيه بري معنياً بها، لكن الأعضاء أنفسهم مشوا بطريقة ممتازة وبقي المجلس متضامناً. لم يفعلوها ثانية. النكسة التي تعرض لها المجلس الدستوري في العام 2013 لم تتكرر. وأتذكر أن الرئيس سليمان يوم رآني في بيت الدين بعد النكسة تلك سألني: شو فرط المجلس الدستوري؟ أجبته: لا ولن يفرط. ضبطت الأعضاء».
لكن، لم يرض الجميع عنكم؟ يجيب «رح خبرك خبرية. في العام 2009 لم يربح إيلي سكاف، رحمه الله، وخسرت كل لائحته، فقدم طعوناً مع أعضاء اللائحة الى المجلس الدستوري. درسناها. فرأينا أن لا مخالفات وخسارته كانت على 7000 صوت. قاموا في زحلة بتظاهرات ضدنا وأخبرني ميشال سليمان أن إيلي سكاف غاضب و»آخد ع خاطرو». رأيته وتحدثنا وشرحت له ما حصل: أصوات المسيحيين الكاثوليك توزعت بين لائحتين، نص بنص، أما الشيعة وعددهم 16 ألفاً و500 صوت أعطوه 16 ألفاً من الأصوات لأن حزب الله مشى معه. في حين إنتخب السنّة وعددهم 29 الف صوت لمصلحة اللائحة الأخرى. الطائفة السنيّة هي الأكبر هناك لأن مرسوم التجنيس في العام 1994 جنّسهم في زحلة. هؤلاء قلبوا النتيجة بالكامل. فهم إيلي سكاف حينها ما حدث. ميريام سكاف شنت هي أيضا حملة على المجلس الدستوري يوم خسرت وتبيّن أنها لم تأت حتى بالحاصل الإنتخابي».
تنويب غسان مخيبر...سقطة
بصدقٍ، ما مدى التدخلات السياسية في أعمال المجلس الدستوري؟ يجيب: «أجزم أن ولا أي مسؤول أخذ مني شيئاً طوال عشرة اعوام وثلاثة أشهر. لو كنا نريد أن نرضخ للسياسيين لما كنا ابطلنا نيابة ديما جمالي». لكنك سبق وتكلمت عن «سقطات» وقع فيها المجلس الدستوري؟ يسأل: قبلنا أو معنا؟ نجيبه: قبلكم ومعكم واليوم؟ أجاب: «السقطة الكبيرة كانت في إنتخابات المتن الفرعية عام 2002 بعد وفاة ألبير مخيبر. حدثت إنتخابات فرعية تواجه فيها غبريال المر وميرنا المر. ونزل غسان مخيبر مرشحاً ثالثاً. وأعلن فوز غبريال فطعنت ميرنا وكانت النتيجة متقاربة لا تتعدى ثلاثين صوتاً. كان يفترض بالمجلس الدستوري حينها أن يلغي الإنتخابات لكن بذريعة أنها تؤدي الى مشاكل في المتن الشمالي أبطلت نيابة غبريال المرّ الذي فاز بأصوات 33 ألف ناخب وأتوا بغسان مخيبر الذي حصل على 1700 صوت فقط. كانت سقطة كبيرة جداً. وفقد المجلس الدستوري حينها مصداقيته».
السقطات عديدة والتجارب أيضا... لكن، يبقى أن الأحبّ الى عصام سليمان كانت تجربته مع الرئيس الحص وفي التعليم الجامعي. أما ما هو أحبّ الأحبّ فكانت تجربته في المجلس الدستوري.
نسأله: من خلال تجربتك: من كان الأقوى، السياسي أم الدستوري؟ يجيب بلا تردد: «السياسي أقوى لأن صلاحيات المجلس الدستوري محدودة، حتى لو توسعت، فإن حماية الدستور يفترض أن تأتي من السياسيين. هؤلاء يفترض بهم إحترام الدستور، لكنهم للأسف يضعون الدستور في مكان ويمشون في الإتجاه المعاكس».
يمضي رئيس المجلس الدستوري سابقاً وقته اليوم في الكتابة والبحث وإعداد الدراسات. أصدقاؤه كثر. وشخصيته صارمة ولينة في آن وعن ذلك يقول: «إنها مزيج فلا يجوز أن يكون الإنسان صارماً على الآخر كما لا يجوز أن يكون ليناً على الآخر». لديه ثلاثة أولاد وثلاثة أحفاد. إبنته الكبرى إسمها نولا «إنها تشغل منصب مدير عام فايزر وزوجها طبيب لبناني ولديها صبيان. أما إبنتي الثانية فاسمها يونا وتعمل في الأمم المتحدة في جنيف ولديها طفلة رائعة جميلة جداً، عمرها عام واحد، إسمها إليسيا تيمنا باسم جدتيها لأمها وأبيها: أليس وأليس. أما إبني فاسمه راني وهو موظف في الإدارة المركزية في بنك الإعتماد اللبناني. هو سيتزوج قريبا».
هوايات سليمان «المشي ساعة ثم الرياضة ساعة والصيد عشقه، خصوصاً صيد طيور السمّن». يقرأ كثيرا «كل حياتي قراءة» ويسمع صباحا فيروز وتتملّك مشاعره أغنية «يبكي ويضحك لا حزناً ولا فرحاً».
عصام سليمان قال ما قال واحتفظ لنفسه بما لا يريد أن يقول. لكن، تبقى تجربته تستحقّ أن تصمد في الذاكرة.