سيلفانا أبي رميا

"الماريونيت"... فنٌّ صامد

وليد دكروب: أُسحَر برؤية ما صنعته حيّاً

25 تشرين الأول 2023

02 : 05

تربّعت دمى «الماريونيت» منذ اختراعها على عرش الترفيه، واحتلّت مكانة كبيرة ودافئة في قلوب الأطفال من خلال القصص الممتعة والمفيدة التي تقدمها. ويعود تاريخها إلى زمن الفراعنة عندما كانت تصنع كهدايا لأبناء الملوك لتسليتهم، وظهرت بقوة في العصر الفاطمي كنوع من الإستهزاء من الحاكم. وفي لبنان، لا تزال الدمى المتحرّكة بخيوطها الخفية سيدة مسارح الأطفال، وما زال وليد دكروب (48 عاماً) إبن بيروت الذي عشق هذه الحرفة وامتهنها يحاول بكل ما أوتي من إمكانات وفرص جعلها تستمرّ وتزدهر بالرغم من كل الصعوبات. وفي حديث لـ»نداء الوطن» يخبرنا عن أسرار هذه الحرفة التي تبعث الروح بالدمى ساردةً قصصاً تلامس الواقع.

كيف دخلت عالم صناعة «الماريونيت»؟

درست السينوغرافيا في روسيا إنطلاقاً من عشقي لهذا العالم الغريب في تصنيع وتصميم الدمى المتحرّكة. ففي العام 1992، أي منذ 21 سنة تقريباً، وطأت قدماي المسرح وصنّعت يداي دُميتها الأولى تحضيراً لمسرحية «الطنبوري لابس حافي» لشقيقي كريم دكروب وفائق حمصي. وفي العام نفسه، التحقت بـ»أكاديمية سانت بطرسبورغ للفنون المسرحية» بتشجيع من شقيقي. وكرّت السُبحة، فتوغّلت في التصميم والصناعة ونفّذت سنة 1993 «ماريونيت» مسرحية «شو صار بكفرمنخار». كما شاركت بعدد كبير من الورش والمهرجانات داخل روسيا وبولندا.

كيف تصنع هذه الدمى؟

تختلف مراحل التصنيع من دمية لأخرى، ولكنها تبدأ إجمالاً بتحديد شخصية الدمية ومواصفاتها والوظائف المطلوبة منها، بالإضافة إلى حجمها ومقاساتها وطريقة تحريكها. وعلى أساس هذه التفاصيل نحدّد المواد المطلوبة. ثم ننتقل إلى مرحلة الرسم والتخطيط والنحت، تليها عملية التصنيع التي تأخذ الوقت الأكبر، إذ تتطلّب دقةً عالية من اللمسة الأولى حتى الشكل النهائي.

كذلك، تدخل في صناعة «الماريونيت» مواد كثيرة ومتنوّعة أبرزها الإسفنج والخشب والألمنيوم والقماش على أنواعه وغيرها.







هل تختلف أنواع «الماريونيت» عن بعضها البعض؟


لا يمكنني القول إنّ هناك أنواعاً محددة فهذا العالم مفتوح ولا حدود له وكل فترة تولد أنواع جديدة وأفكار تتناسب مع ما يتطلّبه المسرح. إلا أنه تقنياً يمكن حصر الدمى في 4 خانات. هناك دمى الكفّ التقليدية التي تربّينا عليها ولعبنا بها، والتي يتمّ تحريكها عبر ارتدائها باليد، وتكون كناية عن رداء ورأس. كما تندرج ضمن هذه الفئة أيضاً دمى البرامج التلفزيونية التي تتميّز بتحريك فمها وعينيها وتُصنع عادةً من الإسفنج والمواد الطريّة.



أما الفئة الثانية فتتضمّن دمى الخيوط Marionettes a fil التي يتمّ تحريكها من شخص واحد من الأعلى بواسطة خيوط مخفيّة. كذلك، هناك دمى الطاولة التي يتمّ تحريكها من الخلف بمشاركة عدّة ممثلين وهو النوع الأكثر استخداماً في مسارحنا. وأخيراً نجد الدمى المسطّحة ونسمّيها أيضاً «دمى الظلّ» التي عادةً ما تظهر على شكل ظلال من خلف شاشة عملاقة.



كم دمية صنعت حتى اليوم؟


من الصعب جداً تعدادها فقد صنعت المئات بمختلف الأحجام والأشكال والتفاصيل. مع الأخذ بالإعتبار أنّ تصنيع الدمية الواحدة يتطلّب ما لا يقلّ عن أسبوعين أو ثلاثة حسب درجة صعوبتها ومتطلّباتها.







مع من تعاملت لعرض الدمى؟


تعاملت بشكل رئيسي مع مسرح الدمى اللبناني «خيال» الذي أسّسه شقيقي كريم. إلا أنه كان لديّ تعاون مميّز مع عدة مسارح أخرى في روسيا والدانمارك وعدد من البلدان العربية، بالإضافة إلى مجموعة من المؤسسات التلفزيونية اللبنانية والعربية التي قمت بتصنيع الدمى لبرامجها.



ما أصعب ما في حرفتك؟


في حرفتي متعة كبيرة، إلا أنّ صعوبتها الأساسية تكمن في الإنطلاق بفكرة دمية جديدة وتحديد مواصفاتها وموادها وشكلها ووظائفها، كما تشكّل اللمسة الأخيرة تحدّياً كبيراً بالنسبة إلي.





ما سرّ نجاحك وما الذي يميّز الدمى التي تصنّعها؟

هو سرّ أحتفظ به وأكمل معه مسيرتي لأنجح في عالم تصنيع الدمى ولا أعتقد أنّه يجب الإفصاح عنه. وستتفاجأون حين أقول لكم إنّ مصنّعي هذه الدمى في لبنان كُثر على عكس ما نعتقد، منهم من كانوا طلابي في الجامعة، ومنهم من هم أقدم منّي في هذا المجال وأكبر سنّاً. ولا يمكنني الغوص في تفاصيل المواصفات كون كلّ شخص يعمل بطريقته الخاصة، لكنني أؤمن بأنّ ما يميّز الدمى المتحركة خاصّتي هي أنّها تُشبهني. ولكلّ دمية صنعتها مكانتها في قلبي وذاكرتي، فيما تبقى دمية الصبي في مسرحية «يا قمر ضوّي عالناس» الأحبّ والمفضّلة عندي.

ماذا يمثّل عالم «الماريونيت» بالنسبة لك؟

تصنيع الدمى فنّ، أمّا مسرحها فهو عالم سحريّ وشاعريّ لا حدود له، يمتلك لغته الفنية الخاصة. ولعلّ أجمل ما فيه هو تلك اللحظات التي أرى ما صنعته حيّاً يتكلّم ويضحك ويتفاعل على خشبة المسرح مثيراً إعجاب الناس ومحققاً النجاح الذي سعيت له. كما أشدّد على أنّ مسرح الدمى الناجح هو نتاج جهود جماعية متكاملة يجب أن يتحلّى أصحابها بالمهنيّة والإحتراف والأخلاقيات والصدق.

هل مسرح الدمى في خطر؟

أبداً، والعكس هو الصحيح، فالجهود كثيرة لإبقاء هذا الفن موجود. ولحمايته أكثر، أرى أنّه يجب تعليمه لطلاب الجامعات وتكثيف ورش العمل الخاصة به لتطال الكبار والصغار في مختلف المناطق، مما يساهم في توسيع رقعة التعرّف على عالم «الماريونيت» والانجذاب لسحره.


MISS 3