ميشيل باربيرو

جورجيا ميلوني تصطدم بواقع الهجرة

8 تشرين الثاني 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

خفر السواحل الإيطالي خلال نقل مهاجرين غير نظاميين وصلوا إلى لامبيدوسا (الفرنسية) | أيلول 2023

إتخذت جورجيا ميلوني مواقف صارمة من موضوع الهجرة طوال عقود. وبعد سنة على تحوّلها إلى رئيسة وزراء إيطاليا اليمينية الأكثر تطرفاً منذ الحرب العالمية الثانية، ها قد أصبحت مضطرة اليوم للتعامل مع توافد أعداد كبيرة من المهاجرين من أفريقيا، ما يُضعِف وعدها الانتخابي بإبعاد المهاجرين غير الشرعيين عن الشواطئ الإيطالية.

في ظل توسّع الفوضى السياسية، ومظاهر الحرب، والفقر، والاحتباس الحراري، في معظم مناطق أفريقيا والشرق الأوسط، سبق ووصل أكثر من 140 ألف مهاجر إلى إيطاليا بالقوارب هذه السنة، ما يساوي ضعف العدد المسجّل في العام 2022 كله. خسر آلاف آخرون حياتهم خلال هذه الرحلات. في الشهر الماضي، وصل 5 آلاف شخص خلال يومَين إلى جزيرة «لامبيدوسا» الإيطالية الصغيرة التي تقع بين مالطا وتونس وسبق وتحوّلت إلى بؤرة لأزمة الهجرة في أوروبا، ما أدى إلى ازدحام منشآت الاستقبال هناك.



فيما يتعامل الاتحاد الأوروبي مع عواقب الاعتداءات الإسلامية في مدينة «أراس» الفرنسية وفي بروكسل، ما يؤكد على شوائب نظام الهجرة المعتمد، وفي ظل تصاعد المخاوف الأمنية المرتبطة بالحرب بين إسرائيل وحركة «حماس»، تثبت مشاكل ميلوني في ملف الهجرة تخبّط القادة الشعبويين حين يفضّلون الحلول السهلة قبل أن يصطدموا بالواقع الحكومي. يظن أكثر من 70% من الإيطاليين أن ميلوني لم تلتزم بالوعود التي أطلقتها حول المهاجرين، ويقول 66% منهم إن الحكومة تعجز عن التعامل مع هذا الملف.

تعليقاً على الموضوع، يقول ماتيو فيلا، باحث مرموق في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية: «إنها مشكلة كبيرة بالنسبة إلى ميلوني. تتعرض الحكومة لضغوط قوية».



غالباً ما يواجه الشعبويون اليمينيون حول العالم تُهَماً بترويج حلول مبسّطة وغير واقعية للمشاكل المعقدة، لا سيما الهجرة. لم ينفذ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وعده ببناء جدار، مع أن خَلَفه ما زال متمسكاً بهذا الهدف. كذلك، تتابع بريطانيا استقبال عشرات آلاف المهاجرين غير الشرعيين سنوياً، بعدما أقنعها اليمينيون من مؤيدي خطة «بريكست» بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي «لاسترجاع سيطرتها» على حدودها. وفي فرنسا، تفوّق الرئيس الوسطي إيمانويل ماكرون مراراً على الزعيمة اليمينية المتطرفة مارين لوبان خلال المناظرات الرئاسية عبر إثبات عدم تماسك برنامجها.



في غضون ذلك، أصبحت إيطاليا محطة أساسية لوصول المهاجرين القادمين من بلدان مثل ليبيا وتونس، في محاولة منهم لبلوغ أوروبا بحراً. خلال الحملة الانتخابية في السنة الماضية، زعمت ميلوني أن «الهجرة غير الشرعية تُهدد أمن المواطنين ونوعية حياتهم»، وتعهدت بكبح تدفقهم. شملت اقتراحاتها في هذا الملف فرض «حصار بحري» بقيادة الاتحاد الأوروبي قبالة سواحل شمال أفريقيا، فضلاً عن إنشاء مراكز هجرة تابعة للاتحاد الأوروبي في أفريقيا لمراجعة طلبات اللجوء التي يقدمها الناس هناك. بعد مرور سنة على تلك الأحداث والمواقف، بدأ أعضاء حكومة ميلوني وناخبوها يصطدمون بالواقع الصعب.



كان الاتحاد الأوروبي قد أبرم اتفاقاً مع تونس خلال الصيف، برعاية إيطاليا، وهو يشمل دفع مئات ملايين اليورو إلى تونس مقابل مساهمتها في منع تدفق المهاجرين. لكن بدأ هذا الاتفاق يتعثر الآن على ما يبدو، فقد أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد هذا الشهر أنه لن يقبل بأي «صدقة».



ورغم بعض الوعود المبهمة التي أطلقتها المفوضية الأوروبية لتوسيع تدابير المراقبة على الحدود، تبدو العمليات العسكرية المكثفة التي يستلزمها الوضع «لمحاصرة» مساحات شاسعة من سواحل البحر الأبيض المتوسط في أفريقيا بعيدة عن الواقع حتى الآن. أخيراً، زادت عمليات ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين بدرجة بسيطة في عهد ميلوني مقارنةً بالسنة الماضية، علماً أن نسبتها اقتصرت في العقد الماضي على 18% من العدد الإجمالي الذي تلقى أمراً بمغادرة إيطاليا.



في محاولة للحفاظ على دعم الناخبين المتطرفين، لجأت الحكومة الإيطالية إلى خليط من لعبة اللوم وتصريحات صاخبة يسهل أن تتصدر عناوين الأخبار. تشمل هذه الحكومة حزب «إخوة إيطاليا» الذي تقوده ميلوني وكان قد تخلى عن ميوله الفاشية ليتخذ مواقف أكثر اعتدالاً، بالإضافة إلى حزب «الرابطة» اليميني المتطرف وحزب «فورزا إيطاليا» المحافِظ.



هاجمت كبار الشخصيات اليمينية ألمانيا حديثاً بسبب تمويلها العلني لمنظمة غير حكومية تُعنى بإنقاذ المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط، إذ تقول الحكومة الإيطالية إن هذه الخطوة تشجّع ممارسات الاتجار بالبشر. أنقذت السفينة التابعة لتلك المنظمة 735 شخصاً في إيطاليا هذه السنة وأنزلتهم من القوارب، ما يساوي 0.6% فقط من مجموع الوافدين عن طريق البحر، ومع ذلك اشتكت ميلوني رسمياً من الوضع القائم أمام نظيرها الألماني أولاف شولتس عبر رسالة مسرّبة إلى الصحافة. في غضون ذلك، زعم عضو بارز في حزب «الرابطة» أن الحكومة الألمانية اليسارية كانت تحاول إحراج حكومة ميلوني عبر «ملء البلد بالمهاجرين غير الشرعيين».



لكن لم تكتفِ حكومة ميلوني بالتذمّر شفهياً، بل إنها صادقت في السنة الماضية على مجموعة تدابير، منها تكثيف العقوبات ضد المهربين، وتشديد الإجراءات التي تمنح امتيازات الحماية الإنسانية، وزيادة مراكز الاحتجاز، وإطالة فترات الاحتجاز لطالبي اللجوء المرفوضين بانتظار ترحيلهم.



تقول النائبة سارة كيلاني من حزب «إخوة إيطاليا»: «طوال سنوات، بقيت الحكومات اليسارية الوسطية جامدة في تعاملها مع ظاهرة نعمل نحن على التحكم بها».

يظن النقاد أن معظم هذه الخطوات لن تُحقق أهدافاً كبرى، بل إنها ستزيد مأساة طالبي اللجوء بكل بساطة. يقول فابريسيو كوريزي، خبير في ملف الهجرة من المنظمة غير الحكومية Action Aid التي تُعنى بحقوق الإنسان: «بدأ البعض يخلط بين استقبال المهاجرين الأولي ونظام الاحتجاز». ونظراً إلى غياب أي اتفاقيات بين إيطاليا وعدد كبير من بلدان المهاجرين الأصلية، لا يمكن ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين في معظم الحالات. وبعد احتجازهم لفترة معينة، يتم إطلاق سراحهم بكل بساطة. كذلك، واجهت الحكومة مشاكل قانونية، فقد تعاملت في الأسابيع الأخيرة مع أحكام سلبية على صلة بسياسة اللجوء التي تطبّقها.



تقول لورينا ستيلا مارتيني، محللة لشؤون الهجرة في ميلانو: «يتم إقرار هذه التدابير تزامناً مع مراقبة قاعدة الحكومة بدل إيجاد حلول عملية».

قد تُحقق ميلوني نتائج أفضل على المستوى الأوروبي، فتكسب الإشادة على الأرجح وسط ناخبيها لأنها أعادت ملف الهجرة إلى رأس الأولويات. رافقت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، ميلوني إلى تونس خلال الصيف وزارت جزيرة «لامبيدوسا» في الشهر الماضي، فأيدت طرح رئيسة الوزراء الإيطالية حول ضرورة إقرار تدابير عاجلة لتخفيض أعداد الوافدين وتعهدت بإطلاق «ردّ منسّق».



في الوقت نفسه، بدأ الاتحاد الأوروبي يحرز التقدم لإقرار ميثاق جديد حول الهجرة، وهو يشمل إجراءات أكثر صرامة لطالبي اللجوء القادمين من بلدان تُعتبر آمنة، مقابل تسهيل القوانين المرتبطة بترحيل مقدّمي الطلبات المرفوضين، ونقل آلاف المهاجرين من دول خط المواجهة مثل إيطاليا، واليونان، وإسبانيا، إلى دول أعضاء أخرى ستضطر لدفع آلاف اليورو مقابل كل طالب لجوء ترفض استقباله.

توضح النائبة الإيطالية كيلاني: «للمرة الأولى منذ سنوات، بدأت معظم البلدان الأوروبية تميل إلى دعم الموقف الإيطالي».



لكن قد لا يحمل هذا الميثاق منافع بقدر ما يتوقع البعض. يظن الخبراء أن الاتفاق، الذي يؤكد على ضرورة أن يتولى بلد الوصول الأول إجراءات معظم المهاجرين، ليس انتصاراً لإيطاليا بل هدف في مرماها. يقول فيلا: «يعني انتصار ميلوني دبلوماسياً أن تثبت اعتراف جميع الأطراف في الاتحاد الأوروبي بأن الهدف الأساسي يتعلق الآن بكبح الهجرة غير الشرعية. لكن عند النظر إلى السياسات التي تخضع للنقاش راهناً [من وجهة نظر إيطاليا]، يتّضح للجميع أنها ستكون كارثية في حال تنفيذها».



رغم تذمّر الكثيرين من تعامل رئيسة الوزراء مع ملف الهجرة، يتابع حزب ميلوني تصدّر النتائج في استطلاعات الرأي بفارق 10 نقاط تقريباً، لأن أزمة الهجرة المزعومة قد لا تكون سيئة بقدر ما توحي به. بما أن جزءاً كبيراً من المهاجرين ينتقل في نهاية المطاف إلى بلدان أخرى، بقي عدد الأجانب الإجمالي في إيطاليا مستقراً بشكل عام خلال العقد الماضي. تشمل إيطاليا نصف عدد المقيمين المولودين خارج الاتحاد الأوروبي مقارنةً بألمانيا، وعدداً أقل بمليونَي نسمة من فرنسا التي تضمّ عدداً سكانياً أكبر منها بقليل.

حتى أن إيطاليا قد تستفيد من الهجرة أكثر من غيرها: على مر الصيف الماضي، وافقت حكومة ميلوني بكل هدوء على دخول حوالى نصف مليون عامل من خارج الاتحاد الأوروبي حتى نهاية العام 2025 لسدّ الثغرات القائمة في سوق العمل الإيطالي.



لكن إلى متى سيتحلى ناخبوها بالصبر؟ تقول مارتيني من ميلانو: «رغم الكلام عن وقف تدفق المهاجرين وإطلاق حملات ترحيل جماعية للمهاجرين غير الشرعيين، لن يتحقق هذان الهدفَان أو لا يمكن اعتبار أي منهما ممكناً أصلاً».

MISS 3