إذا كنت من أصحاب المبادئ... فلماذا تتقاضى راتباً خيالياً؟

02 : 00

في السنوات الثلاثين الماضية، زادت أجور كبار المسؤولين التنفيذيين بشكل كبير في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وغيرهما من البلدان المتقدمة، الأمر الذي أثار الكثير من الجدل، بل وفي بعض الأحيان، حالة من السخط العام. في كتاب «إذا كنت من أصحاب المبادئ حقًاً، فلماذا تتقاضى راتباً خيالياً؟»، يجادل ألكسندر بيبر بأن هذا التضخم المبالغ فيه في الأجور هو نتيجة لفشل اقتصاد السوق، مما يؤدي إلى ممارسات دفع غير فعّالة يتم تكرارها عبر الصناعات المختلفة.

وتواجه الشركات معضلة كبيرة، فهي تلجأ إلى دفع رواتب خيالية على أمل يائس في جذب المواهب الفذّة. ولكن هل حقاً المديرون التنفيذيون هم في واقع الأمر قطط سمان جشعة لا تهتم إلا بمصالحها الشخصية في الثقافة الشعبية؟

استنادًا إلى استقصاء شمل أكثر من ألف من كبار المديرين التنفيذيين من جميع أنحاء العالم، وجد بيبر وزملاؤه أن المديرين لا يميلون في واقع الأمر إلى تبرير ارتفاع رواتبهم كما لو كانوا أنانيين يحق لهم التصرف كيفما شاؤوا.

وبدلاً من ذلك، أعربوا عن دعمهم لمجموعة من المعتقدات الأخلاقية حول عدم المساواة وعدالة التوزيع. ويمكن تصنيفهم إما على أنهم ليبراليون في مجال الرفاهية الاجتماعية، أو مناصرون للمساواة العلائقية، أو من أنصار السوق الحرة.

يعتقد الكثيرون أن كل فرد في المجتمع المتحضر له الحق في الحصول على دخل يكفي لحياة كريمة، وأن الشركات، وليس الحكومات فقط، هي التي تتحمل المسؤولية في هذا الصدد. لذا، يرى بيبر أن فشل السوق في دفع أجور المسؤولين التنفيذيين هو الذي أدى إلى مثل هذا التضخم في الأجور في أعلى المستويات، وهذا يتطلب في نهاية المطاف استجابة أخلاقية من المستثمرين والشركات والمديرين التنفيذيين.

هذا كتاب لكل من يرغب في فهم ومعالجة دور الشركة في تفاقم حالة عدم المساواة الاجتماعية في الاقتصادات المتقدمة بطريقة مستنيرة وعادلة. إن مستويات الأجور المرتفعة للغاية لما أسماه الاقتصادي توماس بيكيتي «المديرون الخارقون» – وهم المهنيون من أصحاب الرواتب الخيالية في صناعات مثل التمويل والقانون والاستشارات وإدارة الأعمال- تخلق تفاوتات كبيرة في المجتمع. وقد ارتبطت هذه بدورها بمجموعة كاملة من النتائج الأسوأ في مجالات مثل الحياة والصحة البدنية والعقلية والحراك الاجتماعي والاستقطاب السياسي.

وهنا يدرس بيبر، وهو واحد من أبرز الخبراء في المملكة المتحدة في مجال الأجور التنفيذية، القضية من منظور أخلاقي لمناقشة كيفية تحقيق العدالة التوزيعية. يسترشد منظور بيبر بمسيرته المهنية كمستشار تنفيذي للأجور في شبكة الخدمات المهنية برايس ووترهاوس كوبرز (PwC)، وقد أثرى اهتمامه الأكاديمي بالفلسفة الأخلاقية إلى حد كبير. يستهل الكتاب بالتفكير في التفسيرات المختلفة لمستويات الأجور التنفيذية السائدة، قبل توضيح ستة أطر نظرية للحكم على ما قد يشكل تسوية عادلة أو منصفة للأجور.

يوضح بيبر كيف قد يعتقد الناس، على سبيل المثال، أن التوزيع «العادل» حقًا للموارد يجب أن يعكس مدى صعوبة عمل الناس؛ أو أنه يجب أن يضمن أن كل شخص لديه مستوى كافٍ من الدخل ليعيش حياة كريمة. أو أنه يجب أن يكون مجرد توزيع ناتج عن احترام حقوق الملكية، حيث يتم أي نقل للموارد من طرف إلى آخر بإرادة حرة من كلا الطرفين دون تدخل أو إكراه من طرف آخر.

يؤمن أنصار السوق الحرة بكفاءة الأسواق وأنه من الصواب مكافأة الأداء التفاضلي بشكل مختلف – على الرغم من أنهم لن يقبلوا بالتراكم غير العادي للثروة نتيجة لخلل وظيفي أو عدم كفاءة السوق. تعكس الأنواع الأربعة من المديرين التنفيذيين نهجاً دقيقاً ومدروساً لكيفية توزيع الموارد في جميع أنحاء المجتمع. ومن المفارقات أن النظرة الحميدة للمديرين التنفيذيين التي تنبثق من الكتاب توفر الكثير من المساعدة لمنتقدي الأجور العالية.

إذا كان لدى المديرين التنفيذيين نهج معقول ومتوازن للأجور، فيجب أن يكونوا منفتحين نسبيًا بشأن الجهود المبذولة لتحقيق توزيع أكثر عدلاً للدخل.

يختتم بيبر كتابه بمناقشة تدابير السياسة المستخدمة عادة لاستهداف الأجور المرتفعة المفرطة، بما في ذلك معدلات الضرائب المرتفعة، وإخضاع حزم الأجور لموافقة المساهمين، قبل الانتقال إلى مفاهيم الاستثمار المسؤول والمعايير الأخلاقية للمديرين التنفيذيين أنفسهم. إلى جانب تغيير السياسات وممارسات صناعة الاستثمار، سيتطلب حل هذا الأمر من المديرين التنفيذيين أنفسهم قبول وجود قيود أخلاقية على حقهم في تلقي الرواتب المبالغ فيها والاحتفاظ بها.

هذا الاقتراح الذي كان الكثيرون سيعتبرونه مثالياً للغاية لو تم طرحه عليهم في المقدمة، يبدو منطقياً ومقنعاً بنهاية هذا الكتاب الرائع والثاقب.

(كلية لندن للإقتصاد وأرقام)


MISS 3