د. ميشال الشماعي

الرئيس حكيم أم الحكيم رئيس؟

11 حزيران 2020

02 : 00

عون يحصد نتيجة تحالفاته التي بدأها في 6 شباط 2006

يبدو المشهد السياسيّ في لبنان مفتوحاً على احتمالات عدّة، لكن من المؤكّد أنّ هويّة الرّئيس المُقبل للجمهوريّة لن تُشبه هويّة الرّئيس الحالي من حيث الأداء، بل أكثر من ذلك، ستكون نقيضتها. صحيح أنّ ما اتُّفق عليه هو أنّ يكون الرئيس رئيساً قويّاً، ويحظى بحيثيّة سياسيّة تمثيليّة؛ لكن ما لم يُتّفق عليه، هو طريقة الحكم التي من المُفترض أن تكون أبريوريّاً في نهج بناء الدولة وإصلاح ما فَسُدَ منها، أو قل تمّت مخالفتها. فهل تمتّع الرئيس الحالي بالقدر الكافي من الحكمة ليُحافظ على هذه الثوابت؟ أم أنّ خلَفه ستكون المهمّة المُلقاة على عاتقه مهمّة مزدوجة: المحافظة على الثوابت التي أوصلته إلى الحكم، والإدارة الرشيدة للدولة على القواعد التي باتت معروفة من الجميع؟

لا يختلف اثنان على أنّ الحكمة التي قاد بواسطتها الرّئيس الحالي البلاد لم تكن كافية، والدّليل على ذلك أنّ الأزمات تفاقمت في عهده، ولم يتمكّن من حلّ أيّ أزمة مُتراكمة. فاللوم هنا على الفريق السياسي الذي أحاط به نفسه؛ هذا الفريق الذي لم يعمل على تغيير نهج الحكم الذي ساد طوال ثلاثة عقود خلت، بل على العكس تماماً، تابع في السياسة نفسها من حيث المحاصصات، والتعيينات على قاعدة المحسوبيّة والإستزلام، وآخرها وِفق قاعدة غبّ الطلب. ولم يعمد هذا الفريق الى أيّ تبديل قد يترك انطباعاً جيّداً في طريقة حكمه.

هذا من الناحية الادارية للدّولة. أمّا سياسياً، فالأمر أسوأ بكثير. فهو أتى إلى السلطة على قاعدة: "لم آتِ لأنقض بل لأُكمّل". وهذا ما زاد في الطين بلّة. لبنان اليوم، بفضل سياساته، بات خارج المنظومتين العربيّة والدّوليّة. وعوض البحث عن كيفيّة إصلاح هذا التموضع الإستراتيجي في العلاقات السياسية، اجتهدت هذه السلطة في البحث عن بدائل للخطّ التاريخي اللبناني، مُغفلة التداعيات التي قد تنجم عن هذا التموضع الجديد. ونحن على أعتاب استصدار عقوبات جديدة سوف لن يسلم العهد برُمّته منها، وذلك نتيجة لتعنّته في خياره السياسي المُناهض للمجتمعين الدولي والعربي. وها هي هذه السلطة السياسيّة عينها، تُحاول إدارة البوصلة شرقاً باتّجاه الصين وإيران، حيث تتشابه طريقة عملها الديكتاتورية المحاصصاتية العائلاتية مع عمل هذين النّظامين اللذين أخذتهما أنموذجاً لها.

من هذا المنطلق، باتت هويّة الرئيس القادم واضحة، ولم يعد باكراً، الحديث عن معركة رئاسة الجمهوريّة. والسبب في ذلك، أنّ الرئاسة اللبنانيّة بعد اتّفاق معراب 2016 الذي أوصل الرئيس الحالي إلى سدّة الحكم، صارت خاضعة لثلاث قواعد كالآتي:

- أن يكون الرئيس قوياً بحيثيتين: سياسية وشعبية.

- أن يعتمد في إدارته للدولة اللبنانيّة على قواعد النزاهة والشفافية والكفاءة ومُكافحة الفساد طوال فترة حكمه.

- أن يُحافظ على الخطّ الكياني اللبناني من خلال المحافظة على تموضع لبنان السياسي في الناديين الدولي والعربي.

من هذا المنطلق، وبعدما خالف الرئيس عون القاعدتين الثانية والثالثة، حكماً تقلّصت القاعدة الأولى عنده. وها هو يحصد نتيجة تحالفاته التي بدأها في 6 شباط 2006، وتقلّباته التي تجلّت في الانقلاب على القرار 1559 الصادر في 2 أيلول 2004 والذي يقضي بنزع سلاح "حزب الله" حيث اعتبر نفسه عرّاباً له. من هذا المنطلق، تتّضح هويّة الرئيس القادم من خلال مراقبة طريقة الممارسات السياسية للأفرقاء الموجودين في الساحة السياسية اليوم.

يبقى أنّ الناخب الأوّل سيكون المكوّن الحضاري الشيعي الذي إن استطاع "حزب الله" الحفاظ على دوره في صلبه، هو الذي سيطرح الشخصية اللبنانية التي تتحلّى بهذه المواصفات. ومن الواضح أيضاً أنّ رئيس حزب "القوات اللبنانية" هو الوحيد الذي ما زال مُحافظاً على القواعد الثلاث التي أشرنا إليها آنفاً. فهل سيُرشّح "حزب الله" سمير جعجع لرئاسة الجمهوريّة، تماشياً مع قناعاته الإدارية المُعلنة في ملفّ الشأن العام، على خلاف قناعاته الإيديولوجيّة غير المعلنة والمعروفة؟


MISS 3