نوال نصر

المطران الصياح: هكذا تعاملت الكنيسة ولحود مع مَن هرعوا خوفاً إلى إسرائيل

23 كانون الأول 2023

02 : 00

الميلاد رجاء (تصوير رمزي الحاج)

هو زمن الميلاد. وهو - سيّد حوار اليوم - عُيّن مطراناً ونائباً بطريركياً على أبرشية حيفا والأراضي المقدسة للموارنة وتضم الأردن وفلسطين والجليل بين العامين 1996 و2012. وهو الشاهد على لجوء كثير من الجنوبيين، ساكني الشريط الحدودي، الى إسرائيل في العام 2000. سميوا بالعملاء ويعرفهم واحداً واحداً «مساكين تخلت عنهم دولتهم». وهو اليوم نائب بطريركي عام في المقرّ البطريركي في بكركي. عرف البطريرك مار نصرالله بطرس صفير ويعرف البطريرك بشارة الراعي وبين البطريركين يعرف أن بكركي تعمل من بطريرك إلى بطريرك كما حبات المسبحة: البوصلة واحدة لكن الأسلوب قد يختلف. حوارٌ في زمن الميلاد مع المطران بولس صياح لا خبث فيه ولا لؤم ولا نكايات. حوارٌ مليء، كما الميلاد، بالحب والأمل وبجرأة كلام مطران.



إلتقيناه بعد انتهائه من رياضة المشي والتأمل التي يقوم بها كل صباح: «أستيقظ عند الساعة الرابعة والنصف فجراً. وأمشي، صيفا وشتاء، ساعة على الاقل. وأول قداس نتشارك فيه في بكركي عند السابعة والنصف صباحاً. نحن كإكليريكيين نصلي صلاة الساعات، عند الصباح وعند الظهر وفي المساء. ونصلي المسبحة من السادسة حتى السابعة عصراً».

يقدم لنا الجوز والزبيب مع قليل من العسل ويتابع «أنا من عين الخروبة. ويسألني: هل تعرفين أين تقع؟ أجبته: قرب بكفيا. أجاب: لا، بكفيا قربنا». هو يمتلك روح النكتة ما يجعل الجلوس معه والإنصات الى تجربته ومحطاته متعة. يتابع: «نحن بيتُ مؤمن. جدي رحمه الله كان مدير وقف، يهتم بالكنيسة، كنيسة مارضومط عين الخروبة. كنا عشرة أولاد، ثمانية صبيان وفتاتين. والدي فارس ووالدتي ماري. لا أؤمن بالصدف في الحياة بل بالعناية الإلهية. أتذكر أن المطران فرنسيس أيوب أقام قداساً في ضيعتنا وزار بيت جدي. يبدو أنه رآني أخدم في القداس فقال لي: نبيل (إسمي كان نبيل قبل دخولي الى الكهنوت) بتعمل خوري؟ أتذكر أين كنت أقف. كان عمري 12 عاماً. أجبته: سأسأل أبي وأمي. وهكذا دخلت الكهنوت. كنت محظوظاً بكل من تابعوني: المطران فرنسيس والمطران الياس فرح. لم أنس يوم غادرت منزلنا عام 1953 في خطوة أولى نحو الكهنوت. ذهبت مرتاحاً لأن الدعوة باسم الربّ. إنتقلت الى غزير وأخذت فراشي معي. الإكليريكية يومها لم تكن «مأتتة» (فيها أثاث) بعد. بقيتُ مع اليسوعيين نحو ثمانية عشر عاماً بين مدرسة وجامعة إكليريكية في غزير ثم في بيروت ثم دكتوراه في علم النفس التربوي والتوجيهي في أميركا». ذات يوم أتى المطران الياس فرح (كان مسؤولا عن أبرشية قبرص يومها) طالباً منه أن يذهب الى إيرلندا: «كان يريدنا أن نتعلم اللغة الإنكليزية. كانت لديه رؤية بأن المستقبل سيكون لهذه اللغة. ذهبت الى هناك أربع سنوات متابعاً دراسة اللاهوت، وحين عدت الى لبنان طلب مني مجدداً ان ادرس اللاهوت في الجامعة اليسوعية (لأنه كان يهتم بالقضايا الرعوية) لأحصل على دكتوراه في التعليم المسيحي، ثم بعدما إنتهيت طلب مني أن أذهب الى الجامعة الأميركية وأتابع دراستي فاخترت علم النفس التربوي والإرشاد. وحين انتهيت قلت له أنا هذه المرة أريد أن أتابع دراستي في الولايات المتحدة الأميركية. إرتسمتُ كاهناً عام 1967 وكان عمري ثلاثين عاماً. عملت بعدها في مدرسة قرنة شهوان (سانت جوزيف). كان المطران رولان أبو جودة رئيس المدرسة. عملنا معاً. وحين أصبح مطراناً أصبحت أنا رئيس المدرسة».



في يده ملف الحياد (تصوير رمزي الحاج)



مدرسة قرنة شهوان

يقسم المطران بولس الصياح حياته الى مراحل. وأول محطة كانت بعد انتهائه من الدراسة الجامعية والكهنوتية طوال اربعة عشر عاماً واستلامه دفة مدرسة قرنة شهوان: «كانت مدرسة ناشئة وأنا شاب مليء بالحماسة. إشتغلنا كثيراً وأنجزنا اموراً عظيمة. إستلمتها أول الحرب عام 1975. وأيقنت منذ تلك اللحظة أن من يجعل المدرسة ناجحة ليست الإدارة وحدها بل تضافر الأهالي والأساتدة والطلاب أيضاً. عملنا كي لا تكون المدرسة اكاديمية فقط بل أن نعلّم طلابنا أيضا كيف يتعاطون مع الآخرين في المجتمع وأينما حلوا ويبقون احراراً. جهّزنا مشغل نجارة وعلمنا طلابنا قصّ الخشب ومهارات النجارة وكيفية إكتشاف اليدين يدوياً. علمناهم الكهرباء والميكانيك وأدخلنا الكومبيوتر العام 1976».

إستمرّ الكاهن الصياح رئيساً لمدرسة سانت جوزيف من 1975 حتى 1984. ثم طلب مني المطران فرح مجدداً أن أعلّم في الجامعة. بقي أبي الروحي دائماً. علمت في جامعة L A U وكنت مسؤولاً عن الطلاب. ثم استلمت الأكاديمية بعد المطران بشارة الراعي (هو كان قد بدأ معه في الإكليريكية في غزير سابقاً ويعرفه منذ الطفولة. هما جاران. هو من عين الخروبة والراعي من حملايا).

علّم المطران الصياح علم النفس في الجامعة «كنت لا أزال كاهناً. وبنيت علاقة جميلة مع الطلاب. كانوا يطرحون أسئلة كبيرة نناقشها معاً. كنا نقرأ بصوتٍ عالٍ كتب جان باول اليسوعي وعن قصة لقائه بالله في الصلاة وعن الذات الإنسانية. وترجمت له لاحقاً عشرة كتب بينها «رحلة في فصول الحياة» و»لماذا اخشى ان أحب» و»ها انا واقف على بابك أقرعه» و»حب بلا شروط» و»السعادة تنبع من الداخل»... هي كتب تعرّف القارئ الى ذاته أكثر وكيف ينفتح على الآخر وسرّ البقاء في الحبّ. علمت تلك الكتب أن السعادة تنبع من الداخل ولا تأتي من القشور الخارجية».

يقلّب المطران الصياح صفحات الكتب بفرحٍ كبير. هو تعلّم منها وعلّم عنها ويقول: «ساعدني ذلك على إدراك أن النضج لا يتوقف وأن لا نخاف من طرح الأسئلة الكبيرة ولا من المواجهة. إذا كان الإنسان يملك حرية القول والسؤال والتعبير يكون سعيداً. خلق الإنسان ليكون على صورة الله وقلبي لن يستقر إلا ليستقر في الله. إذا أهمل الإنسان البعد الماورائي يخسر. الإنسان وجد لهذه الدنيا ولشيء أبعد منها. المسيح أتى ليخلق العلاقة بيننا وبين الله حتى نتغير من خلاله ونصبح جزءاً من الله. نحن نتناول جسد الله ودمه يدخل فينا ويغيّرنا. في القداس الماروني نافور ليوحنا فم الذهب يقول: وحدت يا رب لاهوتك بناسوتنا وناسوتنا بلاهوتك. حياتك بموتنا وموتنا بحياتك. أخذت ما لنا ووهبتنا ما لك لتحيينا وتخلصنا. هو أمر لا يتصوره العقل بسهولة. الإنسان مهم جداً بشكل لا يتصوره عقل. المهم ان يعرف قيمة نفسه. حياتنا ليست بشرية فقط بل بشرية إلهية هكذا خلقنا الله على صورته. هذه هي السعادة. وهذه هي أهمية عيد الميلاد. وهذه هي الحقبة الثانية في حياتي».

حياتي مليئة بالنِّعم (تصوير رمزي الحاج)



إلى الأرض المقدّسة

أصبح الكاهن بولس الصياح مطران الأراضي المقدسة وهذه هي الحقبة الثالثة في حياته ويقول: «إنتخبت مطراناً عام 1996. وهذه نعمة. حياتي مليئة بالنعم. وأعتبر نفسي محظوظاً كثيراً. بقيت في الأراضي المقدسة ستة عشر عاماً. والخبرة التي يعيشها الإنسان هناك لا توصف. أسست الأبرشية هناك واشتغلت مع الناس والله دبّر. صعبٌ جداً عليّ أن أنقل مشاعري وأنا اجول في شوارع القدس. تشعرين هناك أنك تمشين على ارض المسيح. هنا مشى وحمل الصليب وهنا قام من الموت. هنا سلك الطريق نحو طبريا. هنا البحيرة والمركب الذي استقله. هنا بيت لحم المكان الذي ولد فيه. مؤسف أن الإنسان يعتاد مع الوقت هذه الأمور العظيمة. الإحساس الأول صدقيني لا يمكن وصفه. تشعرين انك جزء من يسوع المسيح. لا يعود الإنجيل هناك مجرد كلام تقرئينه بل مسيرة حياة تعيشينها. هنا قام إليعازر وشفي الأعمى. هي خبرة فظيعة يعيشها الإنسان هناك. أدركت بعدها لماذا يتقاتلون على القدس لان فيها سرٌّ عظيم».

إستمرّ مطراناً على الاراضي المقدسة طوال ستة عشر عاماً (من 1996 حتى 2012). في العام 2011 إنتخب بشارة الراعي بطريركا فطلب منه أن يعود ليعملا معاً ويقول: «كنت هناك في أصعب الأوقات التي عاشها لبنانيون عام 2000. كان حضور الكنيسة قوياً. وهؤلاء اللبنانيون الذين هرعوا الى إسرائيل يومها شغلوا قسماً اساسياً من حياتي وما زالوا. كثير من هؤلاء ظُلموا. كنا نعرف قبل أن يغادروا أن إسرائيل ستنسحب وقد يأتي بعض اللبنانيين وكنا نستعد لاستقبالهم. تكلمنا مع الحكومة الإسرائيلية وزارة الإستيعاب هناك عن مصير من سيأتون. وماذا سيفعلون بهم. لكننا فؤجئنا بوصولهم قبل أسابيع من الموعد المحدد. إنسحبت إسرائيل فجأة. أذكر اننا إجتمعنا مع هؤلاء يوم الخميس واتفقنا أن نعود ونلتقي يوم الإثنين. لكنني تلقيتُ فجر يوم الإثنين إتصالاً يقولون لي فيه: الناس أصبحوا على الحدود ففكّر ماذا ستفعل؟ كنت في القدس وكي أصل الى منطقة الجش والمنطقة العليا مكان دخول الناس أحتاج الى أربع ساعات على الأقل ولن انفعهم بوجودي. أرسلت الكهنة في الجليل ليستقبلوهم. ويوم الاربعاء ذهبت الى الجليل. تكلمت مع الناس واتصلب بالرئيس إميل لحود (كان رئيس الجمهورية آنذاك) وعدت وانتقلت الى الأردن واستقليت الطائرة الى بيروت. إشتغلنا في حينها كثيراً مع إميل لحود الذي قال لي: يجب أن يعودوا. وبالفعل عاد عدد منهم وكان شقيق لحود نصري قاضياً في المحكمة العسكرية. تمّ الإستماع الى من عادوا وخرجوا لأن اكثريتهم كانوا عسكراً أرسلهم الجيش الى الحدود ولم يعودوا قادرين على الإنتقال الى أي مكان. كانوا إذا أرادوا الطحين عليهم ان يعبروا حواجز فلسطينية وصولا الى صيدا فانفتحوا غصباً عنهم على إسرائيل. كانت الدولة اللبنانية ترسل رواتبهم من بيروت الى قبرص وصولا الى تل ابيب. اقول ذلك لتعرفي مدى الخبث الذي كانت تتعاطى به الدولة اللبنانية مع هؤلاء. ترسل لهم رواتبهم وتقول: هؤلاء متعاملون. هؤلاء أنتم «طيحتوهم الحيط» فماذا يمكنهم فعله. ما هو الخيار أمام الإنسان الذي أرسلتموه الى الجنوب وانقطعتم عنه؟ الدولة هي التي طلبت منهم أن يدبروا أنفسهم فماذا يفعلون؟ ينتحرون؟» ويتابع: كملت عملي وأعدت من استطعت الى لبنان. وكان أكثرية جيش لبنان الجنوبي من اهلنا الشيعة أما الضباط فكانوا مسيحيين. ومن نزحوا الى إسرائيل ليس قط هؤلاء بل كثير من الجنوبيين الذين خافوا من تصريحات صدرت يومها. صحيح أن حزب الله دعا الى عدم القيام بأعمال عدائية لكن هناك عناصر قاموا بتجاوزات».



الإخوة العشرة عائلة الصياح



هرب كثيرون من الخوف يقول المطران الصياح: «ساعدنا يومها الرئيس لحود كثيراً لأنه هو من أرسلهم يوم كان قائداً للجيش. ويوم التقيتُه لأول مرة في القصر الجمهوري بعد حصول ما حدث أخذت له معي اوامر المهمة التي أعطاهم إياها. اخذت معي النسخة الأصلية. كان قائداً للجيش وامرهم أن يذهبوا الى هناك. ثمة إجحاف كبير مستمر في حق هؤلاء ويسمونهم عملاء. يمكن أن يكون بين هؤلاء عملاء لكن الاكثرية لا. فليتحاكم العميل لكن من المجحف وضع الجميع في نفس الكيس».

كيف تعاملت الكنيسة مع الواقع الجديد؟ وهل تابعت قصص المواطنين الشيعة منهم كما قصص المسيحيين والدروز؟ يجيب: «تعاملنا مع الشيعي والدرزي والمسيحي على قدم المساواة. عدد السنة كان قليلاً. لم نفرق بداً. لم نكن نسأل عن الطائفة التي ينتمون إليها. تمّ إستئجار البيوت للضباط أما الجنود فوضعوهم هناك في مجمّعات. أنشأنا رعايا للمسيحيين. وكنا نهتم في دفن من يتوفى من الشيعة والدروز أيضا. كنا نصلي عليهم. هذا إيماننا وفسلفتنا وقيمنا. أنشانا كابرشية مدارس لهم لثلاث سنوات. كنا مقتنعين أن قضيتهم ستُحلّ سريعاً. وأملنا بإعادتهم جميعاً كان كبيراً على ان يتابع الطلبة حين يعودون المنهاج العادي. طالت القصة والأهالي كانوا أمام القرار الصعب. هناك التربية صعبة والجوّ اليهودي صعب. فأخذ كثير من الآباء قرار الإنسلاخ عن عائلتهم. بقوا هناك وعادت عائلاتهم. وكنت أنقل المال الى تلك العائلات شهرياً».



مع البطريرك الراعي



مضايقات هنا عنصرية هناك

هل تعرض المطران الصياح الى مضايقات كما حصل لاحقاً مع المطران موسى الحاج؟ يجيب: «في البداية لا. لم اتعامل مع جميل السيد والسوريين. الرئيس لحود قال لي: تعامل مع مخابرات الجيش. ووقتها لم تكن هناك أي مشكلة. واقتصرت المضايقات من جميل السيد من خلال إطالة مدة إنتظاري على الحدود. تصرفات صغيرة. تحملتها من اجل الناس. وهذا ما تكرر يوم طلب مني البطريرك صفير الذهاب الى الولايات المتحدة الأميركية والكلام امام الكونغرس عن القرار 1559. أخذ على خاطر جميل السيد يومها».

إنتهت مهمة الصياح في الأراضي المقدسة لكنه استمرّ في تسيير الأعمال حتى العام 2012. ويوم غادر، كيف ترك اللبنانيين الذين بقوا «جوا»؟ كم عددهم؟ يجيب: «99 في المئة من الناس اضطروا الى حمل الجنسية الإسرائيلية. اللبنانيون في البداية رفضوا ذلك خصوصاً انهم هناك طلبوا منهم التخلي عن جنسيتهم الأم لكن لاحقاً أعطوهم الجنسية الإسرائيلية وبقيت من دون إسقاط الجنسية اللبنانية. ويستطرد: نحن أبرشيتنا في إسرائيل وفلسطين والأردن. أسسنا كنيسة مارشربل في الأردن وأنجزنا عملاً جميلاً هناك. في كل حال، عدد الموارنة في إسرائيل هو 12 ألفاً. ولدينا 13 رعية. وهناك كنيستان واحدة في منطقة كفربرعم في شمال إسرائيل في الجليل الأعلى».

مع البابا فرنسيس



بكركي

إنتهت تلك المحطة عام 2012 وانطلقت محطة جديدة في حياة المطران الصياح مستمرة حتى اليوم ويقول: «عملت في العمل المسكوني في كنائس الشرق الأوسط. نتحاور مع الطوائف الأخرى وأنجزنا برنامج الحوار المسيحي الإسلامي واليهودي للشباب. إستطاع هذا البرنامج إحداث تغيير في كثير من الشباب. جزء من هذا البرنامج في القدس وجزء آخر في لندن. ونحن إخترنا لندن عن قصد لأن اليهود هناك أقلية ومحترمون جداً. كان يهمنا أن يرى اليهودي الذي يحتقر سواه كيف يتعامل العالم مع الإنسان بغض النظر عن دينه وانتمائه. هناك عنصرية رهيبة في إسرائيل حتى على بعضهم البعض».

تعرّف الصياح على الراعي أكثر: «صحيح كنا نعرف بعضنا من قبل لكننا لم يسبق ان عملنا معا. إستقلتُ كرئيس أساقفة في فلسطين وإسرائيل وأتيت الى بكركي. ويستطرد: جئت مكان المطران رولان أبو جوده الذي كان النائب العام للبطريرك صفير منذ العام 1975. وكنت قبلها قد حللتُ مكانه كرئيس لمدرسة قرنة شهوان. لن أقول صدفة بل تدبيراً إلهياً».

كانت تربطه صداقة مع البطريرك صفير أيضا ويقول: «البطريرك الراعي كما البطريرك صفير يتابعان نفس الطريق لكن في حقبتين مختلفتين. لكل واحد شخصيته ويعبّر عن الأمور بطريقته. كانوا يسألون صفير فيجيب بكلمتين و»قلنا ما قلناه». في حين أن الراعي يُسهب في الكلام. لكل واحدٍ أسلوبه لكنهما تابعا المبادئ الأساسية للبطريركية المارونية التي لا تتغيّر. أذكر ما حصل يوم أعلنا البيان الشهير في أيلول عام 2000. تحمسنا جميعاً له. بيانات المطارنة التي نصدرها شهرياً تأخذ «أخذا وردا» كبيريّن منا لنصل الى النص والرسالة الى الشعب». ويستطرد: «البطريرك صفير طالما ردد: لستُ أنا الحلقة التي ستنكسر». وكان يقول: «إذا خيرتمونا بين الحرية والطلاق سننتقي الحرية».

ها نحن عشية الميلاد، فماذا يقول المطران الصياح للناس المتألمين والعيل المتشرذمة والمنهوبة والمعوزة؟ يجيب: «أقول لهم إن الرجاء ينبع من الداخل. نحن قوتنا في تضافرنا. والكنيسة (على عكس ما يتردد) تساعد على التعليم والإستشفاء. لكن نحن جميعاً بحاجة أيضا الى وجود دولة».



"يسوع أعطى معنى لحياتي يتجاوز المستوى البشري" (تصوير رمزي الحاج)



هو يُمسك كنسياً أيضا بملف الحياد ويقول: «نشتغل على الحياد». نقاطعه بسؤال: لكن هل يمكن الحياد وغضّ النظر عن الظلم والقتل الذي يمارس مثلا في غزة؟ يجيب: «لا، لسنا محايدين إنسانياً لكننا نقصد بالحياد عدم إقحام أنفسنا في القتال على أي جبهة؟ نحن مع الإنسان في كل مكان لكن مصلحة بلدنا تبقى في المقدمة. نساعد إنسانياً لا عسكرياً. هذا مفهومنا للحياد».

الكتب «مستوفة» في ارجاء المكتب. نقرأ في العناوين: «ويكفي كل يوم... تأمله» و «جرأة الإيمان» و ‘happiness”... ونرى وجه يسوع لأول مرة ضاحكاً في رسمٍ. يسوع فرح. هو يقرأ كثيراً على صدى الموسيقى الكلاسيكية. وفي السيارة يسمع فيروز ومسرحيات الرحابنة. هنا يقول: هناك «جوا» (في الإذاعة إسرائيلية) كانوا يضعون أغنيات فيروز والرحابنة ويدفعون حقوق نشرها واستخدامها ( للساسيم)». إنهم يلتزمون بالحقوق الفنية.

نغادر بكركي تاركين المطران بولس الصياح يتابع صلاة ساعة الظهر والملفات المكدسة في بكركي. فثمة عمل كثير. ساعات ويولد يسوع.