نجم الهاشم

لا علاقة لـ"القومي" بعملية "الويمبي"... و"الأرنب" السوفياتي طلب منّا انتخاب بشير

الياس عطالله يروي محطات من تاريخ الحرب والحزب الشيوعي (2 من 8)

23 كانون الأول 2023

02 : 00

الياس عطالله (من الارشيف - تصوير رمزي الحاج)

في هذه الحلقة يروي الياس عطالله قصة بدء العمليات ضدّ القوات الإسرائيلية في بيروت، وكيف اختبأ وأين نام وكيف كان يتواصل مع جورج حاوي. ويقول إن عرفات لم يكن متحمّساً لهذه المسألة، والسوفيات لم يكن لهم علاقة بها والسفير سولداتوف رفض عرض حمايته خلال الإجتياح.



* لماذا اخترتم بيت كمال جنبلاط للإعلان عن إطلاق جبهة المقاومة؟

- لرمزيته. بعد دخول الجيش الإسرائيلي إلى بيروت افترقنا واختفينا. وبدأ جورج حاوي يرسل إليّ رسائل ويسأل «أي متى ستنفذ؟». تجوّلت في الشوارع، لم تكن صورتي معروفة. كانوا منتشرين بكثافة. شارع مار الياس كان كله جيش إسرائيلي. جالسين وواقفين ويتفرّجون على المحلات. لا تستطيع أن تتحرّك ولكن لم تكن هناك تلفزيونات ووسائل تواصل اجتماعي وما كانوا يعرفوننا وكنت أطلقت لحيتي قبل دخولهم وبعدما دخلوا حلقتها. قلت لجورج إن المسألة تحتاج إلى تحضير وعندما نصير جاهزين للتنفيذ أبلغك. ما أخّرَنا أكثر أنّ مجموعة من المجموعات المختارة هربت مع سلاحها وأربكتنا. بدل الـ21 عنصراً صرنا 17. مرّت ليلتا 16 و17 أيلول وكنّا نستطلع الأرض. في 18 أيلول بدأنا التحرّك. العملية الأولى كانت قرب صيدلية بسترس في 19 أيلول، ليل 20 أيلول وكل كلام آخر ادعاء لا صحة له.

* من نفّذها؟

- مازن عبود وفهد مدلج. وأنا كنت عن بعد أنتظر النتيجة. كان معهما قنابل يدوية. وقفا وراء جدار ثانوية رمل الظريف. كانت المسافة بينهما وبين الصيدلية نحو 30 متراً. كان هناك عدد من الجنود الإسرائيليين عاملين سهرة نار. من يرمي القنبلة أولاً؟ أحدهما رماها ثم تبعه الثاني بقنبلة ثانية. كنّا نضع القنابل في أكياس من الورق وكنّا مضطرّين إلى التخفّي. في ذلك الوقت أي واحد يرانا نحمل سلاحاً يمكن أن يبلِّغ عنّا. لم يكن هناك جوّ مقاومة بل انكسار وهزيمة. الناس مرعوبين. وإذا طلع ضرب رصاص كانوا يهدمون البناية وما كان أحد مستعدّاً للتضحية ببيته أو بعائلته. بعد رمي القنابل اختفينا. كانت الساعة نحو الثامنة ليلاً وصدرت الصحف في اليوم التالي تحمل الخبر بحجم صغير. أرسلت رسالة إلى جورج حاوي على ورقة من الكيس وأبلغته بما فعلناه.



جورج حاوي مع مجموعات عسكرية في الحزب الشيوعي



* كيف نقلت الرسالة؟


- كان هناك شخص يؤمن التواصل بيني وبينه. محترف وكفوء ومدرّب وصموت. كتبنا البيان ووزّعناه. لم يأخذ الإسرائيليون العملية بجدية. اعتبروها ردّة فعل فردية وغير منظّمة. في اليوم التالي المجموعة نفسها نفّذت عملية ثانية. طلبت منهم تأمين سيارة. أمّنوها. والعملية ستكون إطلاق قذيفة B7. كانت سيارة حمراء على ما أعتقد. أحضروها من أحد المخابئ وأعادوها إليه وغيّروا لونها. العملية حصلت في وضح النهارعلى محطة أيوب آخر نزلة مار الياس باتجاه برج المر والبطريركية. كانت توجد ناقلتا جند إسرائيليتان على المحطة. أطلقوا قذيفة على إحداهما فاشتعلت وامتدّت النار إلى الثانية وهربوا. اختفوا. العملية الثالثة حصلت في المزرعة حيث كان يوجد مقر لمنظمة التحرير وحيث كان مركز الحزب الشيوعي القديم قبل مفرق الكولا. كان هناك تجمع قرب وطى المصيطبة.



جورج حاوي وكمال جنبلاط ومحسن ابراهيم



* كيف كنت تؤمن حمايتك؟


- مرت علي أوقات خطرة في الإختباء. كنت طلبت مرّة من سيدة أن تلاقيني أمام مركز الزيدانية لتقلّني من هناك إلى بيتها وهو مكان سرّي كنّا نعتمده وهي لم تكن معروفة. انتظرت، ولم تأتِ. كنت في المركز وصرت أسمع أصوات جنازير الدبابات في شارع الجزائر المؤدي إلى بيت سليم الحص. كانوا صاروا قريبين من المركز نحو 50 متراً. رتّبت الوضع في المركز وفكّكت الجهاز المركزي وطلبت من رفيقة تعمل عليه أن تنقله معها إلى منزلها. ودّعتها وأقفلت الباب وخرجت. انتظرت ولم تصل السيارة. ماذا أفعل؟ هناك منزل بعيد عن المركز نحو 30 متراً لشقيق نديم عبد الصمد. ذهبت إليه. بقيت نحو ساعة تقريباً.

كنا نشاهد المركز من هناك وكانت الدبابات وصلت إليه. الساعة 4 تقريباً نزلت. قابلت سيدة على معرفة بالسيدة التي كانت ستقلّني وسألتها عنها وأنا غاضب. قالت لي «منيح ما إجت. ما كان باستطاعتها أن تأتي. أصيب منزلها بقذيفة وتهدّم». إلى أين سأذهب؟ فكّرت وقررت أن أذهب وأقعد في بيت مارسيل خليفة. كانت مفاتيحه معي. وكانت معي أيضاً مفاتيح بيت رفيق لنا من آل بيهم فوق بيت مارسيل في وطى المصيطبة في منطقة كانت تعرف بحيّ السريان. ذهبت إلى بيت مارسيل. كنت أتضوّر جوعاً. فتّشت عن طعام فلم أجد شيئاً. طلعت إلى البيت الثاني. أيضاً لم أجد شيئاً. كانا تركا المنزلين قبل نحو ستة أشهر وذهبا إلى فرنسا.

بعد ساعة تقريباً وصلت دبابة ميركافا وشاهدت مدفعها مقابل البلكون. كان البيت في الطابق الأول وقد وقف فوقها ضابط وأخذ ينادي أهالي الحي، حي السريان، «معكم من الآن حتى صباح الغد الساعة 7 لتسلموا أسلحتكم في كنيسة السريان». كنت أعرف أنّ رفيقاً لنا في الحزب يسكن أيضاً في البناية نفسها ولكن لم أكن أعرف مدى التزامه ومصداقيته وشجاعته. ولكن لم يكن لديّ خيار. قلت ماذا إذا دخلوا إلى الشقق وفتّشوها؟ طلعت. كان اسم الرفيق بيار. كانت سيارته في الشارع. سألته «هل يمكنك أن توصلني إلى شارع الوتوات؟». قال «طبعا».

طلعت معه في السيارة ومشينا في الزواريب حتى وصلنا إلى شارع الجزائر. كنت أعرف شخصاً هناك على علاقة بما كنّا نفعله. طلبت من بيار التوقّف. كانت بوابة البناية مقفلة. صرت أرمي حجارة صغيرة على بلكون الطابق الثالث حيث يسكن الشخص الذي قصدته. كانت الساعة العاشرة ليلاً تقريباً. طلّ. عرفني. قلت له «إفتح». فتح البوابة وطلعت لعنده. في اليوم التالي أرسلت وراء «أمين» الذي كان يساعدني في تنظيم الخلايا المقاومة في منطقة بيروت، وقلت له لم يعد بإمكاننا أن ننتظر. يجب أن نبدأ. وبدأنا. العملية الأولى في بسترس. العملية الثانية عند محطة أيوب أخذت ضجة أكبر. بعدها حصلت عملية ثالثة قبل أن تحصل عملية الويمبي.



إجتياح 1982



عملية الويمبي

+ ما قصة عملية الويمبي؟ من كان وراءها؟


- لا علاقة للقوميين (الحزب السوري القومي الإجتماعي) بعملية الويمبي. نحنا عملناها. خالد علوان (أحد منفّذي العملية) كان مع الحزب القومي صحيح، ولكنّه كان قد التحق بحركة «فتح» وصار اسمه «المطران». سهيل عبود معنا في الحزب من جاج في جبيل، (في جريدة «النداء») وكان شقيقه شربل معنا أيضاً في التنظيم السري. شربل اقنع خالد علوان بأن ينفذا العملية معاً في النهار. أحدهما يقفل الطريق والثاني يطلق النار. شربل كان نفّذ عمليات عسكرية أكثر من خالد. وكنت على علم بهذه العملية. أتى شربل لعندي وكنت في منزل إحدى رفيقاتنا في الحزب من بلدة برجا. تناولنا الطعام واتفقنا على الخطة. شربل يحمل رشاشاً وخالد يحمل مسدّساً. شربل يقطع الطريق وخالد يطلق النار.

وهذا ما حصل بالفعل. أطلق خالد النار على الجنود الإسرائيليين وأمّن له شربل الحماية وغادرا المكان معاً. الحزب القومي لا علاقة له أبداً بهذه العملية. ما كان معو خبر. ولكن لم نكن بوارد الدخول في أي سجال معه حول تبنّي العملية في ظلّ الضغط الذي كنّا نعيشه. أصلاً كل الذين اشتركوا معنا في تنفيذ هذه العمليات لم يكونوا يحملون بطاقات حزبية. كانوا أعضاء سريين. الإنسحاب الإسرائيلي من بيروت ثمّ من الجبل وصيدا والجنوب حصل قبل أيار 1985. «حزب الله» احتل المناطق التي حرّرناها. احتلّ مناطق كانت تسيطر عليها حركة «أمل» في إقليم التفاح وعَبَرَ المناطق التي كان يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي، أتى من البقاع إلى إقليم التفاح. كيف ينزل من البقاع إلى الريحان؟ كانت هناك طريق إسرائيلية مؤمّنة وقد قتل منّا «حزب الله» 22 حزبياً.



عملية «الويمبي» في بيروت



+ هل كانت هناك علاقة لحركة «فتح» أو للسوفيات أو للسفارة الروسية في بيروت بتلك العمليات وبالمقاومة السرية؟


- أعوذ بالله. كان عندي خلاف كبير مع الفلسطينيين. سألت أبو عمار قبل خروجهم من بيروت عن موضوع بدء عمليات مقاومة. قال لي: «معي خبر إنكم عم تحضّروا للمقاومة. ما بعرف». لم يشجِّع. لم يكن متحمّساً. لم يكن هذا الموضوع مهمّاً بالنسبة إليه وهو يطوي هذه الصفحة. مسؤول الأمن في السفارة السوفياتية اختلفت معه. علقت أنا وياه. كنا نسمّيه «الأرنب».

* فكرتم باللجوء إلى السفارة السوفياتية؟


- بالعكس. ارتكبت وقتها غلطة كبيرة. كان السفير السوفياتي في لبنان (ألكسندر) سولداتوف. أهمّ سفير سوفياتي في العالم. خدم عشرة أعوام في بريطانيا ويعتبر عميد الدبلوماسيين السوفيات في الخارج. كان عمره نحو 70 عاماً. قليل الكلام. ذو هيبة ومتواضع. كثير الثقافة خصوصاً في ما يتعلّق بقضايا المنطقة والثقافة الغربية. عندما اشتدّ القصف الإسرائيلي على محيط السفارة التي توجد ضمن حديقة واسعة وأصيبت بأضرار، توجّهت إلى السفارة وقابلته. سألني عن سبب الزيارة. قلت له: «جئت أطمئن عليكم. وإذا كنت ترغب يمكن أن أؤمن لكم أمكنة مناسبة تنتقلون إليها». تطلّع إليّ كمن يتطلّع إلى ابنه وقال لي: «رفيق. إذا السفارة السوفياتية ما بتحميني أنت بدّك تحميني؟ أنا لست خائفاً من إسرائيل. يقصفون ولكنّهم يتجنّبون إصابة مبنى السفارة مباشرة». وبالفعل لم تصب السفارة وبقي فيها.

تأييد بشير

في أحد الأيام زارني مسؤول الأمن في السفارة. كنّا لوحدنا. كان يعمل بشكل مستقلّ عن السفير، وكان اللقاء قبيل خروج الفلسطينيين. قال لي: «أنصحكم بتأييد بشير الجميل». قلت له: «شو عم تحكي؟ ما فهمت عليك». أعاد الكلام بنبرة جدّية وحكى كلاماً عالي السقف وخرج غاضباً.

* أخبرت جورج حاوي؟


- طبعاً.

* ماذا قال لك؟


- قال إنّ عليه أن يعتذر.




يتبع الأربعاء 27 كانون الأول

الـ»كي جي بي» وخطف الدبلوماسيين الروس... كنت مسؤولاً عن الضاحية وعرفت عماد مغنية


MISS 3