صوفي لاندران

توسّع حملة اضطهاد المسيحيين في الهند

6 كانون الثاني 2024

المصدر: Le Monde

02 : 00

مسيحيون يحتفلون بقدّاس عيد الميلاد في كنيسة في مدينة تشيناي | الهند، 25 كانون الأول 2021

يشعر فيجاي مسيح بالانزعاج لأنه مضطرّ لاستقبال ضيوفه في مكان غير مريح. استعار منزل شقيقته لأن بيته يقع في ورشة بناء. حضّرت زوجته بريتي الشاي بالحليب لتدفئة الأجواء الجليدية في نهاية كانون الأول. في الربيع الماضي، لجأ هذا القسّ الإنجيلي مع عائلته إلى بلدة غير رسمية تقع على مدخل «لكناو»، عاصمة «أوتار براديش»، في شمال الهند. يفتقر هذا المكان إلى الكهرباء، والصرف الصحّي، والأسفلت. هو ينام على فراش في الخارج، لكنه يشعر بالأمان على الأقلّ في ذلك المجتمع الذي يقتصر على المسيحيين (يتجاوز عددهم هناك 300 شخص). خَدَم فيجاي مسيح في الكنيسة الإنجيلية الهندية، على بُعد مئة كيلومتر من مكان إقامته الجديد، في منطقة «فاتح بور» الريفية الشاسعة، طوال 12 سنة. كان يجني راتباً، ويملك منزلاً، ويذهب ولداه إلى مدرسة خاصة. لكن سرعان ما زعزع حدث مفاجئ تلك الحياة الهادئة: في 14 نيسان 2022، عشية الجمعة العظيمة، عندما كان فيجاي يحضّر احتفالات عيد الفصح مع 70 مؤمناً آخر في كنيسة البلدة، عَلَت صيحات عدائية.

إستهداف مستشفى مسيحي

أحاط بالمبنى حوالى 150 مسلّحاً قومياً من المجلس الهندوسي العالمي وأعضاء من «باجرانغ دال» (منظمة متطرّفة تتألف من الشباب الهندوسي) وراحوا يهتفون: «المجد للإله راما». ثم أغلق المعتدون جميع المخارج فجأةً. وصلت الشرطة لاحقاً بعد تلقيها بلاغاً من أعضاء هذه الميليشيات التي زعمت أن المكان يشهد اعتناق الكثيرين الديانة المسيحية.

في مركز الشرطة، أدرك المعتقلون أنهم سيخضعون لتحقيق أولي بموجب قانون منع التحوّل الديني الذي أقرّته «أوتار براديش» في العام 2021. أُطلِق سراح نصفهم بعد يومين، وقبع النصف الآخر في السجن طوال ستة أشهر. في غضون ذلك، رفع مسؤول من المجلس الهندوسي العالمي شكاوى ضد المسيحيين واتّهمهم بنقل الناس إلى الديانة المسيحية جماعياً رغم تخصيص مزايا هائلة للهندوس: دخول المدارس، رعاية طبية، مساعدات مالية... أمضى فيجاي مسيح سبعة أشهر ونصفاً في زنزانة رديئة مع مجموعة من المنحرفين. اضطرّ لدفع ما يساوي 8 آلاف يورو لإطلاق سراحه بسند كفالة: جُمِع هذا المبلغ الكبير بمساعدة الكنيسة والرعية التابعة لها. ثم أصبح عاملاً مياوماً في البناء.

على بُعد أقل من كيلومتر واحد من الكنيسة في «فاتح بور»، يبدو مستشفى «برودويل» المسيحي أشبه بمدينة أشباح، فهو يتعرّض للحملة العدائية نفسها. أسّسه في الأصل مبشّرون كنديون قبل قرن من الزمن، وقد حاصره القوميون طوال أسابيع وضايقوا المرضى والأطباء. اتّهمتهم جماعة «باجرانغ دال» بتقديم الرشاوى إلى المرضى ووعدهم برعاية مجانية مقابل اعتناق المسيحية. نتيجةً لذلك، قرّر نصف أعضاء الفريق ممّن يقصدون الكنيسة (عددهم الإجمالي 145) الاستقالة ومغادرة المدينة. يوضح ممثّل عن المستشفى الذي يحاول استئناف نشاطاته رغم كل شيء: «أصبحت الجماعة الهندوسية المحلية عدائية جداً معنا. تعرّض أعضاء من طاقم الموظفين للضرب، وزرع القوميون في كل مكان أعلاماً بألوان «حزب بهاراتيا جاناتا» القومي الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي».

أصبحت هذه الممارسات شبه روتينية في مدينة «أوتار براديش»، بتشجيع من رئيس الحكومة يوغي أديتياناث، وهو راهب هندوسي متطرّف لا يتردّد في المجاهرة بكراهيته للجماعات الأخرى. على غرار القوميين الهندوس، هو يطلق الحملات ضد المسلمين والمسيحيين عند الاشتباه في أنهم يقنعون الهندوس بتغيير دينهم.

منذ وصول ناريندرا مودي إلى السلطة، نشأت دولة هندوسية مختلفة عن الهند العلمانية التي أراد الآباء المؤسسون تطويرها، وسرعان ما تدهور وضع 30 مليون مسيحي (كاثوليك، بروتستانت، إنجيليون، أعضاء الطائفة الخمسينية). راقب المنتدى المسيحي المتّحد لحقوق الإنسان في نيودلهي تصاعد أعمال العنف في السنوات الأخيرة، فقد زادت تلك الحوادث من 147 في العام 2014، إلى 328 في العام 2019، و599 في العام 2022، و687 بين كانون الثاني وتشرين الثاني 2023، أي ما يساوي حادثَين عدائيَين يومياً ضد المسيحيين، والكنائس، والراهبات، والمؤمنين، فضلاً عن تفاقم مظاهر النبذ الاجتماعي وجرائم القتل. تحصل معظم هذه الأعمال في شمال الهند، لا سيما في «أوتار براديش» التي تحتل المرتبة الأولى وتسجّل 287 حادثة من هذا النوع.

يذكر مصدر في المنتدى المسيحي المتّحد لحقوق الإنسان: «في جميع هذه الحوادث تقريباً، نجد جماعات الدفاع عن النفس، وهي تتألف من متطرّفين متديّنين يجتاحون تجمّعات الصلاة فجأةً عند الاشتباه بجلسات قسرية لتغيير الدين». لا شكّ في أن الأرقام المنشورة لا تعكس خطورة الوضع الحقيقي، إذ تتعدّد الحوادث التي يتجاهلها المسؤولون، ولا تشمل الأرقام الرسمية أحداث ولاية «مانيبور» التي تشهد صراعاً عرقياً ودينياً داخلياً بين الهندوس والمسيحيين، ويتّخذ القتال هناك منحىً عنيفاً بدرجة غير مسبوقة. وفق منظمة «أوبن دورز»، تحتل الهند المرتبة الحادية عشرة في قائمة البلدان الأكثر خطورة على المسيحيين. تعليقاً على الموضوع، يقول رئيس المنتدى المسيحي المتّحد لحقوق الإنسان، مايكل ويليامز: «نحن نشهد على اضطهاد حقيقي للطائفة المسيحية الهندية، بتشجيع ودعم من الدولة».

جون ديال (75 عاماً) ناشط ناضل طوال حياته للدفاع عن حقوق المسيحيين. يُعلّق على الوضع القائم قائلاً: «لم يسبق أن شاهدتُ هذا الكمّ من الطائفية طوال حياتي. تسمح مظاهر الكراهية التي تدعمها الدولة للأشخاص العاديين بأخذ حقهم بيدهم وحراسة دينهم». من وجهة نظر هذا الرجل المسنّ، يبدو الوضع غير منطقي بأي شكل لأن الهندوس هم الأغلبية في البلد: هم يشكّلون 79.8% من سكان الهند، بينما تقتصر نسبة المسيحيين على أكثر من 2% بقليل.

الهرب من جحيم الطبقات

يمكن تفسير فورة القوميين جزئياً بقدرة تغيير الدين على زعزعة النظام الطائفي الملازِم للهندوسية والقائم على الهيمنة البراهمية. ينتمي القس فيجاي مسيح إلى عائلة هندوسية من الطبقة الدنيا، وهو قرر اعتناق المسيحية في مرحلة معيّنة. في غضون ذلك، تخلى عدد كبير من أبناء طائفة الداليت عن الديانة الهندوسية مثله وقرروا اعتناق المسيحية، أو البوذية، أو الإسلام، أو السيخية، هرباً من جحيم الطبقات الاجتماعية المنغلقة وبحثاً عن الكرامة. تعتبر الهندوسية أبناء طائفة الداليت دَنِسين منذ ولادتهم وتُكلّفهم بأسوأ المهام.

لكن يترافق تغيير الدين في الهند مع عواقب وخيمة: حين يصبح الفرد مسيحياً، يخسر حق الانتساب إلى النظام الذي يمنح أبناء الطوائف العليا حصصاً من فرص العمل، ومقاعد في مؤسسات التعليم، والإدارات، والجمعيات. لا يستفيد من هذا التمييز الإيجابي إلا أبناء طائفة الداليت الهندوس، والبوذيون، والسيخ.

يفضّل عدد كبير من المسيحيين الجدد الاختباء لأن قانون منع التحول الديني يجبر الناس على طلب الإذن من السلطة القضائية قبل اعتناق أي ديانة مختلفة. يجب أن ينشر السلك القضائي اسم مُقدّم الطلب علناً ويتواصل معه. يتولى القوميون البت بطلبات تغيير الدين.

في مدينة «فاتح بور»، أقفلت الكنيسة الإنجيلية أبوابها نهائياً ورحل جميع المسيحيين من المنطقة. في الشارع المؤدي إلى ذلك المبنى الأحمر، تبث مكبرات الصوت من الآن فصاعداً عظات هندوسية متواصلة. يدرك القس فيجاي مسيح أنه لن يعود يوماً إلى تلك المنطقة.

MISS 3