جون أريما وفيجايا راماشاندران

إنهيار الهدف المناخي المرتبط بعتبة 1.5 درجة مئوية

19 كانون الثاني 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

حرائق الغابات في شمال غرب تونس بالقرب من الحدود مع الجزائر | 24 تموز 2023

إلى متى ستستمر مؤتمرات المناخ التي تنظمها الأمم المتحدة قبل أن يعترف العالم بأن مسار السياسة المناخية الراهنة وصل إلى طريق مسدود؟

لم تعد دعوات السياسيين والناشطين والصحافيين إلى تكثيف الجهود في هذا الملف تَلْقَ آذاناً صاغية في ظل زيادة الأدلة التي تثبت أن متوسط حرارة السطح العالمية سيتجاوز عتبة الدرجة المئوية والنصف للمرة الأولى في العام 2024، مقارنةً بالمعدل المسجّل في حقبة ما قبل الصناعة، قبل العام 1900. على المدى الطويل، من المتوقع أن تتجاوز تلك الزيادة عتبة الدرجة والنصف في العام 2030. وحتى البقاء تحت عتبة الدرجتَين المئويتَين يبدو الآن مستبعداً.

لا يعني تفويت هذه العتبة أننا سنصل إلى نقطة غليان ونموت بكل بساطة. تباطأ نمو الانبعاثات العالمية بما يكفي لدرجة أن تصبح السيناريوات المتطرفة التي انتشرت عشوائياً في النقاشات العامة حول الاحتباس الحراري شبه مستحيلة. في غضون ذلك، تراجعت حالات الوفاة المرتبطة بكوارث طبيعية مثل الفيضانات، وموجات الجفاف، والعواصف، وحرائق الغابات، بشكلٍ جذري تزامناً مع زيادة ثراء البلدان وقوة تحمّلها. كذلك، انخفضت الخسائر الاقتصادية التي تنجم عن الصدمات المناخية بخمسة أضعاف بين الثمانينات ومنتصف العقد الأول من الألفية الثالثة.



يترافق التمسك بأهداف مناخية غير واقعية مع آثار اقتصادية وجيوسياسية خطرة. أنتج الذعر المرتبط بعدم الالتزام بالهدف المناخي المتفق عليه نزعة جذرية للتخلي فوراً عن الوقود الأحفوري، مع أنه لا يزال يشكّل 80 في المئة من إمدادات الطاقة الأولية في العالم. تقود البلدان الغنية هذه الحملة، علماً أنها جمعت ثرواتها عبر استعمال الوقود الأحفوري، وهي تتابع استهلاك كميات كبيرة من النفط والغاز لكنها تريد أن تمنع الدول الأقل تقدماً الآن من استخدام ذلك الوقود للتخلص من شحّ الطاقة الذي يُعتبر سبباً رئيسياً لحرمانها.

كان مؤيدو التنمية محقين حين انتقدوا تلك السياسات المجحفة التي تفرضها مؤسسات مثل البنك الدولي، فاعتبروها شكلاً من الاستعمار الاقتصادي.

يعني تحديد أهداف مناخية غير واقعية، تزامناً مع استمرار استهلاك كميات كبيرة من الوقود الأحفوري، عدم تخصيص أي ميزانية لصالح أفقر البلدان كي تتمكن من زيادة استعمالها للطاقة. قد يُمهّد التمسك بهدف تجميد الانبعاثات لتحويل نشاط الاقتصاد العالمي إلى لعبة «لا غالب ولا مغلوب».

ويعني السماح لبلد واحد بالتطور (قد تتطلب هذه العملية زيادة استعمال الوقود الأحفوري في المستقبل المنظور) اضطرار بلد آخر لتقليص اقتصاده. سيكون هذا الصراع لتوزيع حقوق الانبعاثات مريراً ومعقداً، لا بين البلدان الفقيرة والغنية فحسب، بل بين الدول الفقيرة بحد ذاتها، ما يزيد صعوبة إبرام أي اتفاقات جديدة لتخفيض الانبعاثات.

عادت روسيا والصين إلى الواجهة في هذه الظروف، فأوضح البلدان أنهما لن يلتزما بالقواعد الغربية، بما في ذلك بنود السياسة المناخية. منذ بدء الحرب في أوكرانيا، سعى الكرملين إلى تقوية علاقاته مع منظمة «أوبك» وترسيخ دوره في أسواق النفط والغاز. تقوم الصين من جهتها بالاستثمار في كلّ عمليات استخراج الموارد، بما في ذلك الوقود الأحفوري في أفريقيا والشرق الأوسط.

لكن رغم هذه المخاوف كلها، ترفض الحكومات الغربية دعم الاستثمارات في قطاعات الطاقة داخل البلدان الفقيرة على أمل أن يؤدي حرمان عالم الطاقة النامي إلى تحقيق الهدف المناخي المرتبط بالالتزام بعتبة 1.5 درجة مئوية. هذا الموقف فتح المجال أمام تحرّك روسيا والصين، ومن المتوقع أن يسعى البلدان إلى ترسيخ استبدادهما في تلك المناطق.

لا تزال الفجوة بين الأغنياء والفقراء هائلة: يستهلك الأميركي العادي حوالى 12 ألف كيلو واط في الساعة من الطاقة الكهربائية سنوياً، بينما يستهلك الشخص العادي في أفريقيا جنوب الصحراء 130 كيلو واط في الساعة فقط. بعبارة أخرى، يستهلك الأفريقي في السنة الواحدة الكهرباء التي يصرفها الأميركي خلال أربعة أيام.

لن تكون أنواع الوقود الانتقالية ضرورية لتطوير البلدان الفقيرة فحسب، بل إنها أساسية أيضاً كي تتكيف مع التغير المناخي. يُعتبر الغاز الطبيعي أفضل وأرخص مادة خام لإنتاج الأسمدة المصنوعة من الأمونيا، ما يسمح بتحسين المحاصيل الزراعية. كذلك، تؤمّن محطات توليد الطاقة العاملة بالغاز الكهرباء للمنازل، والمدارس، والمستشفيات، وأنظمة الإنذار الخاصة بحالات الطوارئ، ومكيفات الهواء، وأنظمة التخزين البارد التي تمنع تضرر الأغذية. يمكن تسخير احتياطيات الغاز الطبيعي الضخمة في أفريقيا للإنتاج الصناعي أيضاً. يحسّن وقود الطبخ النظيف، مثل غاز البترول السائل، حياة ملايين الناس إذا كانوا يتعاملون مع تلوث الهواء الداخلي نتيجة الطبخ بروث الحيوانات أو الكتلة الحيوية. ويسمح الغاز، عند استعماله كمصدر احتياطي للوقود، بإضافة طاقة شمسية ورياح غير مستقرة إلى أنظمة البلدان.

ستكون شيطنة الغاز مرادفة لشيطنة التطور، وسيبقى الوضع كذلك لفترة طويلة جداً. في ما يخص الاستعمالات الصناعية، لا تلوح أي تقنيات بديلة عن الغاز في الأفق حتى الآن.

يعترف بيان مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2023 بأن البلدان تواجه «ظروفاً وطنية، ومسارات، ومقاربات مختلفة»، وهو يرتكز في استنتاجاته على نقاشات شهدتها قمة «مجموعة السبع» في السنة الماضية في هيروشيما، وقمة «مجموعة العشرين» في نيودلهي. بعبارة أخرى، تستطيع البلدان المحظوظة بما يكفي كي تملك مصادر وافرة ورخيصة ودائمة من الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الحرارية الأرضية والطاقة الكهرومائية، أن تُخفّض انبعاثات الكربون بوتيرة سريعة وغير مكلفة. لكن تبقى عملية إزالة الكربون أكثر صعوبة بالنسبة إلى الدول التي تتكل على الفحم، أو النفط، أو الغاز. تكشف المقاربة التي يدعمها مؤتمر الأطراف أن تقنيات مثل احتجاز الكربون وتخزينه تؤثر على تخفيض الانبعاثات.

تتكل بلدان مثل الهند، والصين، وجنوب أفريقيا، ودول جنوب شرق آسيا، على الفحم لتوليد الكهرباء، وستحصل الآن على خيارات لمعالجة مشكلة الانبعاثات على المدى القريب تزامناً مع الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة على المدى الطويل. قد تسمح تقنية احتجاز الكربون في الصناعات الثقيلة مثلاً بكبح الانبعاثات المتواصلة من قطاعات ضرورية للتنمية، بما في ذلك الفولاذ، والإسمنت، والكمياويات.

اتخذ مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2023 خطوة تاريخية حين تعامل مع الطاقة النووية وكأنها مساوية للأنواع الأخرى من مصادر الطاقة المتجددة. يدعو أحد بياناته إلى زيادة الطاقة النووية بثلاثة أضعاف بحلول العام 2050 (وقّع عليه أكثر من عشرين بلداً)، وهو يشدد على أهمية الطاقة النووية لتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة. تظهر دول غنية تكثر فيها القطاعات النووية المدنية، مثل فرنسا، واليابان، والولايات المتحدة، على لائحة الموقّعين، لكن تشمل هذه اللائحة أيضاً غانا، وجامايكا، ومنغوليا، والمغرب، وتتوق هذه البلدان كلها إلى إيجاد مصادر موثوق بها للطاقة النظيفة لتحريك اقتصاداتها النامية.

وافق الموقّعون على احتمال أن تقع المفاعلات الجديدة والأصغر حجماً «في مساحات صغيرة، وإمكانية إنشائها في الأماكن اللازمة، ودمجها مع مصادر الطاقة المتجددة، وزيادة التسهيلات التي تدعم إزالة الكربون خارج قطاع الطاقة، بما في ذلك القطاعات الصناعية التي يصعب تقليص نطاقها».

هذه الكلمات وحدها لا تعني شيئاً. لكن يدعو البيان المساهمين في البنك الدولي أيضاً إلى ضمّ الطاقة النووية إلى ملف المشاريع المُمَوّلة. إذا تمكّن البنك من تجاوز اعتراضات مجموعة صغيرة من البلدان الغنية التي تعارض الطاقة النووية لأسباب إيديولوجية (أبرزها ألمانيا)، قد يضطلع بدور أساسي عبر تخفيض التكاليف المترتبة على البلدان الفقيرة.

يُعتبر معيار السلامة بالغ الأهمية في المفاعلات النووية، وقد يقدّم أغنى المساهمين في البنك المساعدة عبر طرح تقنيات أكثر حداثة وأماناً وفاعلية. تبقى الولايات المتحدة في طليعة الدول التي تبني مفاعلات متقدمة تستعمل أفضل أنواع الوقود، وتتطلب درجة أقل من الاحتواء، ولا تحتاج إلى القدر نفسه من أنظمة السلامة المضافة. يبدو أداء هذه المفاعلات الصغيرة والرخيصة أفضل من المفاعلات الكبيرة والمعقدة، ولا يتأخر تصنيعها بقدر التقنيات السابقة.

تشارك اليابان أيضاً في هذا النوع من الابتكارات. تدعو استراتيجية «التحول الأخضر» التي أطلقتها طوكيو إلى تطوير مفاعلات مبتكرة من الجيل القادم، بما في ذلك مفاعلات الماء الخفيف، ومفاعلات معيارية صغيرة، ومفاعلات سريعة، ومفاعلات الغاز على درجات حرارة مرتفعة، والاندماج النووي. قد تصبح هذه الابتكارات كلها في صلب سياسة مناخية عالمية جديدة وأكثر فاعلية، فلا تقتصر على طاقة الرياح والطاقة الشمسية لإزالة الكربون.

كانت الكوارث المحيطة بالفشل المتوقع في الالتزام بعتبة الدرجة والنصف كفيلة بنشر الهلع وانعدام الثقة بعِلْم المناخ. يُفترض أن تتخلى الحكومات والمجتمعات المدنية إذاً عن خطاباتها الاستعراضية والمسيّسة اليوم وتُركّز في المقابل على كامل نطاق التقنيات المتاحة لتخفيض انبعاثات الكربون، تزامناً مع مساعدة البلدان الفقيرة على التطور وزيادة قوة تحمّلها للتغير المناخي.

قد تكون الاستثمارات التي تُسهّل الوصول إلى مصادر الطاقة، وتوسيع قائمة التقنيات منخفضة الكربون، وتوليد طاقة وافرة ونظيفة وجديرة بالثقة، نقطة بداية إيجابية.