نجم الهاشم

الياس عطالله يروي محطات من تاريخ الحرب والحزب الشيوعي (10 من 10)

أنا وجورج حاوي وسمير جعجع

24 كانون الثاني 2024

02 : 00

عطالله وجعجع

لا يزال الياس عطالله، المسؤول العسكري في الحزب الشيوعي سابقاً، يتلافى الكشف عن معطيات كثيرة أمنية وعسكرية لأنّه يعتبر أنّها لا تزال من الأسرار. كيف كانت تُستقدم المتفجرات؟ وأين كانت تُخزَّن وكيف كانت توزع وتنقل إلى داخل الشريط الحدودي؟ في هذه الحلقة الأخيرة من روايته للأحداث يتحدّث عن العلاقة مع «القوات اللبنانية» والدكتور سمير جعجع، وعن تجربة 14 آذار.



+ كيف تمّ تحضير زيارة جورج حاوي إلى غدراس للقاء الدكتور سمير جعجع؟

- كنا في جدرا عام 1990. طرح جورج حاوي موضوع فتح حوار مع القوات والدكتور جعجع. قلت له «لا أوافق». قال «لماذا؟». قلت «بعد كل هذه الأعوام علينا أن نستعيد رفاقنا ونحكي معهم وبعدها يمكن أن نلتقي جعجع ولا نطلب إذناً لندخل في مثل هذا الحوار». كنّا في أجواء انتهاء الحرب بعد اتفاق الطائف وضرورة الإنفتاح على الآخرين ممن كنا نتواجه معهم. تمّ تأجيل الموضوع لنحو خمسة أشهر. طرحوه على التصويت في المكتب السياسي. صوّتوا. كانت النتيجة 20 ضدّ واحد. 20 مع الزيارة.

+ من عارض؟

- أنا. كانت وصلت الخبرية إلى وليد جنبلاط وكانت علاقتنا معه ثابتة ومستمرة. حكي معنا ولم يكن محبّذاً، بل كان سلبياً.




الياس عطالله



+ لماذا؟

- ربما كان يريد أن يكون هو الأول في فتح هذه العلاقة. لم يكتفوا بالتصويت الأول. طرح جورج التصويت مرة ثانية حول من يذهب للقاء جعجع واقترح اسمي لأنّني كنت رفضت. صوّتوا 20 مع وواحد ضدّ.

+ من؟


- أيضاً أنا. يمكن أن ترفض ولكن عليك أن تنفّذ قرار الأكثرية. ذهبت لعنده في المرة الأولى إلى الكرنتينا. ثم انتقلَت الإجتماعات إلى الكسليك ووصلت إلى غدراس. طلعت مع جورج إلى غدراس وكان جعجع قد تزوّج.

+ في الكرنتينا كنت لوحدك؟

- لا ولكن كنا متفقين أن أتكلّم وحدي. بعدها عملت محضراً وسلّمته إلى جورج.

+ ماذا كتبت له؟


- شرحت له ما حصل.

+ ماذا حصل؟

- علقت أنا وجعجع. في آخر الإجتماع قلت له إننا اتفقنا على ألا نتفق على شيء وإننا نستطيع أن نتحاور. قال لي: «لا ما اتفقنا». قلت له «هذا رأيي». قال «بلا ما نطلع بيان عن اللقاء، ولكن يستمرّ الحوار». عدنا والتقينا وتحسّن الجو. عندما طلعنا على غدراس أنا وجورج حاوي قال جعجع لجورج: «مودّيلي الياس عطالله اللي آخذ قرار ما نتفق على شي؟».




الياس عطالله في الأمانة العامة لقوى 14 آذار



+ كان أسهل أن يتفاهم جعجع مع حاوي؟

- نعم.

+ لماذا؟

- جورج مَرِن أكثر في الحوار. قلت لجعجع: «بالعكس. كنت أريد أن يكون تفاهمنا حول قضايا تستمرّ». كانا يريدان مصالحة ومصارحة. قلت لهما: «نحن تصالحنا. ولكن لا يمكن أن نتصالح فقط. لنحاول بناء شيء مشترك. لا يجوز أن نبقى بعيدين».

+ ما كان الهدف من الإنفتاح على جعجع في تلك المرحلة؟

- بروباغندا سياسية والخروج من منطق العدائيات التي كانت أيام الحرب. كان جورج مدركاً أنه سيتم تعيين نواب وكان لا يريد أي فيتو مسيحي عليه. ولكن صار عليه فيتو سوري. قلت له «الفيتو عليك مش مسيحي. ميشال المر عند السوريين علناً وهو أهمّ واحد عندهم وهو اللي حاطط فيتو عليك معهم. ما فيك تحطها عند جعجع. جعجع كان يهمه أن يحصل الإنفتاح.


خيار استراتيجي

+ كان خياراً استراتيجياً؟

- طبعاً. وما زلنا ماشيين فيه.

+ كان نقداً للتجربة الماضية؟

- ليس عند كل الحزب. جورج كان فهمان عليي ولكنه لم يكن يريد أن يكون هو المبادر. أساس الفكرة التي طرحناها قبل اتخاذ القرار بالإنفتاح على جعجع كان أننا ما فينا نكفّي مع السوريين. عم نندبح نهائياً. خسرنا أول مرة مع الفلسطينيين. والآن نخسر مع السوريين. علينا أن نحصن جبهتنا الداخلية. جورج لم يوافق في البداية. اعتبر أنه بعد بكير على هذا الخيار. قلت له «ليش بكير؟ ألم تسمع كلام البطريرك صفير في نداء بكركي»؟ كنا بدأنا نطرح الموضوع قبل نداء بكركي. بعد صدوره صار بإمكاننا البناء عليه للمطالبة بانسحاب الجيش السوري من لبنان. أعتقد أنّ حاوي تردّد في البداية لأنّه كان لا يزال خائفاً من المخابرات السورية.

+ بعد انقطاع العلاقة مع الحزب أكملتم العلاقة مع جعجع؟

- انقطعت العلاقة مع الحزب منذ عام 1995 واستمرت العلاقة مع جعجع.



ثورة 14 آذار والأمل المفقود بالتغيير



+ إلى ماذا توصلتم؟

- لم يكن من الممكن التوصل إلى أكثر من الأجواء المريحة. جعجع اكتشف من خلال بيانات الحزب أنّ لا علاقة له بالكلام الذي نحكيه معه. كنّا موافقين نشتغل مع بعضنا ضد السوريين. قلت له رأيي وهو أنني غير موافق على الوجود السوري هنا. كنا لا نزال نلتقي في الكرنتينا. عندما دخل صدّام حسين إلى الكويت ربما اعتقد جعجع أنّ صدّام سيهاجم الأسد. ولكن الأسد انضم إلى التحالف الدولي ضد صدام وسلّمه الأميركيون تطبيق الطائف في لبنان. قلت لجعجع عندها «سيزيد الضغط علينا». سنة 1994 أدخلوه إلى السجن. بقي حاوي على تواصل مع ستريدا وزارها أكثر من مرة. وكان الأمر يحتاج إلى جرأة في تلك المرحلة.

+ اغتيال الرئيس رفيق الحريري كنتم تتوقّعونه؟

- كل يوم. كان اغتيالاً علنياً.

+ كيف كان رد فعل الحزب الشيوعي على اغتياله ثم اغتيال جورج حاوي؟

- الحزب الشيوعي ميت. ما عاد لهم علاقة بالوضع. ينظرون إلى حسن نصرالله وكأنّه لينين.

+ التقيت جعجع بعد خروجه من السجن؟

- التقيته في فرنسا. كنت هناك وكنت التقي مسؤولين في «القوات» خلال مرحلة اعتقاله. كانت علاقتي جيدة معهم. ما كان عندي خلاف مع «القوات» ولكن كان عندي انتقادات. عرفت أنّه هناك وطلبت الإجتماع به. أخذوني لعنده. اجتمعنا نحو أربع ساعات. كنت التقيت عون قبله في باريس وكان اسوأ لقاء في حياتي. أحد أقاربه كان في الحزب الشيوعي ولكنه من الأساس كانت علاقته مع «حزب الله» وكانت تحصل لقاءات بينهم في الرويس. كنت مسؤولاً عن منطقة الضاحية في الحزب وكنت أعرف ذلك.

+ سألك جعجع عن اغتيال جورج حاوي؟

- طبعاً. خرجنا من الإجتماع متفقين وتذكرنا لقاءنا الأول في الكرنتينا. قلت له «هلق اتفقنا». وكلانا يأمل أن يبقى لدينا لبنان واحد ندافع عنه.

خيبة 14 آذار


+ هل شكلت لك تجربة 14 آذار خيبة؟


- حصلت أخطاء منا كلنا. دعوت إلى الإنفصال عن قيادة 14 آذار وتشكيل المجموعة الإصلاحية خارج زعماء الطوائف. ما مشيوا معي. «انتفاضة الإستقلال» هي الإسم الرسمي لـ14 آذار 2005 وهو تاريخ التظاهرة المليونية وكنت المسؤول عن تنظيمها من الألف إلى الياء. اغتالوا الرئيس رفيق الحريري لأنه شكّل عمود الطائف وقيام الدولة وما كانوا يستطيعون إيقافه إلا بهذه الطريقة. تحددت منذ اليوم الأول لـ14 آذار الأولويات: العدالة والمحكمة الدولية وإسقاط حكومة عمر كرامي وخروج الإحتلال السوري وإسقاط صنيعة السلطة الأمنية وهي الصيغة التي جاءت بديلا عن إسقاط إميل لحود.

الحكومة سقطت بسهولة. الإحتلال السوري بدأ يتخلخل ويفقد سيطرته وبات انسحابه مسألة وقت. حاولوا إرهابنا بالإغتيالات ولكننا هزمناهم معنوياً. في تأبين الشهيد سمير قصير طالبت الإنتفاضة بالذهاب إلى بيت الحامي الشرعي للقتلة في بعبدا وهنا انبرت أطراف مؤثرة وعارضت وعاندت ولم أجد بين الناس التأييد من دون غطاء سياسي. ذكرتهم إنّها بند أساسي في أولويات نعي الرئيس رفيق الحريري. لم ينفع ذلك. كان من المفترض تكوين نواة صلبة ترتكز على المواطنين في الشارع لجعل الإنتفاضة تقتدي بنصوص الدستور... لم يكن جائزاً التضحية بهذه الإنتفاضة الإستقلالية الدستورية الواضحة على مذبح القوى القديمة التي تعتبر وجودها ضرورياً ومفيدا شرط أن يقترن بقدرة تمثيلية مواطنية من دونها لما كانت الإنتفاضة أن تقوم.

وما أكد ظنوننا واعتقادنا كان تفضيل الذهاب إلى الإنتخابات قبل اسقاط الشرعية القائمة على حماية الإحتلال وتوابعه وبدء التواصل مع القوى الداعمة للإحتلال السوري التي بقيت تحتفظ بسلاحها رغم التحرير. ورغم الإعتراض على التحالف الرباعي الذي حرمنا خيرة النخب الشيعية وأحبط نخباً أخرى، فإنهم وبشراسة مضوا في مشروعهم ولم يتصدَّ لهم مشروع آخر، علماً أن ذلك كان ممكناً وكانت شعلة الإنتفاضة لم تنطفئ وهكذا عادوا إلى السلطة التشريعية والتنفيذية من دون اي إصلاحات أخّرها الإحتلال السوري... ومع الوقت نصف الهزيمة تحوّل إلى هزيمة ساحقة ولا يعزيني أنني كنت معارضاً لذلك النهج. كان يجب أن نغامر وأن نبتدع وسائل لوقف الإنحدار.

نحن اليوم أشبه ما نكون بمرحلة تأسيسية ولكن لدينا خارطة طريق مناسبة جداً وواضحة جداً. المهم أن نقبل العيش في ظل سلطة دستورية شرعيتها الوحيدة هي تمثيلها للناس وللعدالة دون صواريخ ودبابات وتمجيد للموت ومن لا يرتضي بذلك نقول له جماعياً إذهب وتحمّل مسؤولية نفسك كتشكيل دون مقارعته بالسلاح والتفجير. سمّه افتراقاً احترازياً موقتاً تلتزمه المكونات المتعددة التي لا ترى عن الدولة بديلاً ولن يكون سهلاً أي تهديد أو اعتداء على من سمّيناهم فيما لو تآزروا على الإنضواء في دولة الدستور.

سيقال هذا صعب ومعقد وخطير. فقط أقول إذا تركنا الأمور على حالها ولم نبادر سيكون الخطر أكبر بمرات ومرات. نحن لا نهدّد أحداً ولا نقدّم مشروعاً مغلقاً. نحن نسعى لإنقاذ الدولة. والبرنامج الأول والأخير، بناء الثقة وتحديد الشعار: الدستور والسيادة وإعادة الحياة للمؤسسات الدولتية.

MISS 3