جيمي الزاخم

كَرَخانةُ Jeffrey Epstein... كوكبُ الشّهوة المُستَتِرة بأضواء الشهرة

1 شباط 2024

02 : 00

إبستين وماكسويل: هو الوَقود وهي أعواد الثقاب

استهلّ العامُ الجديد أيامَه مع كشف النّقاب عن وثائق تتعلّق بقضية المليارديرالأميركيّ جيفري إبستين. افتتاحية قضائية سياسية اجتماعية لقضية اكتسبت منذ بداياتها اهتماماً عالمياً، نظراً لرمزيّتها وعنكبوتيّتها وأسماء النافذين الذين يحومون حول شبهات الإعتداء الجنسي والإتجار بالقاصرات. تُفْشي آلاف المقالات، التحقيقات المكتوبة والمصوَّرة، والأعمال الوثائقية الكثيرَ من المعطيات. تناقَلتها أو أخرجتها من غرفها الصاخبة. لكن أحداثاً كثيرة ببواطنها وعوارضها لا تزال دفينة الغرف الصامتة السرّية.

مع عودة هذه القضية إلى صدارة اهتمام الكثير من وسائل الإعلام بتوقيت قضائيّ ربّما غير بريء. عاد إلى صدارة المشاهدة عملان وثائقيان بثّتْهُما منصة «نتفليكس» عن إبستين ومساعدته وحبيبته غيلين ماكسويل. الأوّل Jeffrey Epstein:Filthy Rich صدر سنة 2020 بعد وفاته في زنزانته. رسمت عنوانَ حلقاته العملةُ الأميركية الخضراء. لونها يطابق نفسيّتَه وأفعاله التي حاول إخفاءها بدولاراته السوداء بالشراكة مع غيلين ماكسويل الذي شرّح الوثائقي الثاني نتفاً من حياتها. كان قد صدر في أواخر 2022 بعد أشهر معدودة من الحكم عليها بالسجن لمدة 20 عاماً. العملان أخرجتْهما المخرجة Lisa Bryant التي لم تُرِدْ إغراقَ لغتها البصرية بالعواطف الفائضة والصور الجريئة أو إعادة تمثيل المشاهد. ابتغت توصيل المعنى والمغزى من خلال شهادة الضحايا وحركة الكاميرا التي تنقّلت بين ولايات أميركية ودول أوروبية. فتنقّل معها السرد بمؤثرات بشرية طبيعيّة معتدلة. فالقصة هي المؤثّر الأول والمحفّز الحارّ. هي تُشعل السيجارة وتبعث دخانها على الشاشة دون أن تُطفئ جمرَها.

الحقيقة الهامدة تحت هذا الجمر أكبرُ وأخطر مما أُحرق في العلن عن أشهر فضيحة جنسيّة أميركيّة. لم تشتعل بعد كلّ أعواد الثقاب السياسية، التجارية، الأخلاقية والنّفسية. وما فاحت رائحةُ كبريتها المنتشية بالنفوذ والسلطة. فلم تُخرج الثعالبَ المشاركين، المتواطئين الداعمين أو الصامتين من أَوْكار أسئلة ستبقى مغلقة. تنتظر معلومة جديدة أو تحقيقاً صحافيّاً مشابهاً لذاك الذي أطلق عام 2003 شرارةً أُخمِدَت (مرحليّاً) بعد التهديدات التي تلقّتْها الصحافية في مجلة Vanity Fair ووصلت إلى عتبة منزل رئيس التحرير مع رصاصة ورأس قطّ مقطوع. فإبستين يضرب دوماً بيد من نفوذ واستغلال. هو نموذج عن فئة تعطي الحق لنفسها باستعباد الآخرين انطلاقاً من سلطتها الطّبقية الاجتماعية، العمرية، السياسية، العائلية، الجسدية والمالية. يعتبرون أنفسهم فوق القانون والأخلاق وأعلى من الضحايا الذين وصفتْهم ماكسويل «أنهنّ لا شيء. حُثالة». فتُسهب وجيفري بملذّاتهما المرضيّة وتوسيع شبكتهما الأخطبوطية لفترة طويلة من الزمن مع مئات الفتيات. وتتعدّد التحليلات والتفسيرات للإحاطة بهذه القضية وألغازها. وربّما ليس مُستبعداً الاستفادة من الصور والمقاطع المصوّرة الحميمية لخدمة أجهزة استخبارات بغاية الابتزاز السياسي أو التجاريّ. إنّها كتيبة متراصّة مع علاقات سهّلت تسويةً بين إبستين والمدّعي العام أكوستا عام 2008. اتُّفق على أن يُعتقل لأشهر معدودة فقط. أمضاها يخرج من سجنه المُرَفّه صباحاً ويعود إلى أسواره للمبيت ليلاً. هذا المدّعي العام عاد وتبوّأ منصب وزير العمل في عهد ترامب. لكنّه وبعد توجيه تهم جديدة لإبستين في تموز 2019، أعلن استقالته من منصبه من حديقة البيت الابيض وإلى جانبه ترامب الذي جاور إبستين في المسكن. ووصف صحبتَه، عام 2002 بأنّها «ممتعة. هو يحبّ النساء الجميلات مثلي. ويميل لصغيرات السنّ». لكنّه جزم أنّه لم يلتقِه منذ سنوات بعد نشوب خلاف بينهما. هذا ما صرّح به الرئيس الأميركي بعد القبض على الملياردير وإثارة قضيته أمام الرأي العامّ.

ولأنّ خيوطَ القضية العنكبوتية غيرُ مكشوفة بالكامل، تبقى الخيوط النفسية الرفيعة والعميقة مبتورةً أمام هذا الاستغلال والتحرش الجنسيّ. الأخير يُرجعه فرويد إلى الاضطرابات ويربطه بالنزعة السادية لدى المعتدي. هذه النزعة لم تتوضّح معالمُها في شخصية إبستين الذي حافظ على أقنعته حتى في جلسات التحقيق: «يحاول دائما السيطرة على موقفه ويكون سيد عالمه». وإن كان فعلاً قد شنق نفسه في زنزانته، فحتّى بموته كان المسيطر. فالمنحرف الجنسي تدوم قناعاته بمشروعية إشباع حاجاته الانفعالية والجنسية مع الاعتداءات والارتكابات الانحرافية. وكل منحرف يدمّر ضحاياه بدلاً من تدمير الذات. ويحقّق ويضاعف جبروته النرجسيّ. وإبستين ضاعف هذا الجبروت بشهوته وأمراضه النفسية ومطامعه المادية ومكانته الاجتماعية. ينطبق على سلوكياته التحليلُ النفسي لشخصية المنحرف والمعتدي الجنسي الذي غاص الطبيب الفرنسي Claude Balier بدراستها في كتبه الصادرة مطلع الألفيّة. إنّ جزءاً من الأنا يعمل بشكل يظهر متوازناً والجزء الآخر يكون مقترناً باللذة المطلَقة. وكذلك غالين التي ظهرت أناها بشخصية اجتماعية، مرِحَة مفعَمة بالحيوية. تتستّر خلفها سمكة قرش تتفانى في إشباع رغبتها وعطش الوحش. كانت المفتاح واليد التي تمتدّ وتختار وتُلبّي وتعتدي أيضاً. وحاول الوثائقي إبراز تأثير والدها الإعلامي البريطاني روبرت ماكسويل وشوائب حياته ولغز موته. يجد معاصروها دوافعَ لعلاقتها مع إبستين كتعويض. هي التي وصفتْه لإحداهنّ «أنّه الوقود وأنا عود الثقاب».

هذا الوقود وهذه الأعواد أحرقت ضحاياها. تختلف ظروفهنّ، لون الشعر، مكان الإقامة. لكنّ طاولة تدليك تجمعهنّ. يأتين من خلفيات اجتماعية متواضعة وعائلية مفكّكة. الصيّادان التقطا التلميذات القاصرات الضعيفات. رميا الطّعم وعزفا السيمفونية على وتر حاجاتهنّ. فالشعور بالأمان وإن كان مزيّفاً يحفّز القبول والصمت الذي يتحكم به الشعور بالخزي أو اليأس والدّونية. تنفصل الضحية عن الواقع وتعيش مُخدَّرة. هي حيلة دفاع نفسي لمواجهة الصدمة. لا يمحوها مرور الزمن. ولا يتطهّرن من آثار إبستين على ذواتهنّ. فالآثار النفسيّة تتفاوت تبعاً للضحية ومتانتها ومساندتها اجتماعياً وعائلياً لئلّا تغرق. وتعود لتتنفّس من ملء جسدها وثقتها بنفسها بعدما كانت تشعر أنها «كالزهرة التي اقتُلعت من جذورها ودُهست وحُطّمت».



جزيرة إبستين المعزولة الصاخبة بالسلطة والشهوة



أفعاله الخضراء أخفاها بدولاراته السوداء

MISS 3