فيكي ديردن

هاريسون فورد: ذكريات التمثيل تلازمني مدى الحياة

5 شباط 2024

المصدر: Reades Digest

02 : 00

في عالم هوليوود المليء بالتحوّلات والفرص غير المتوقّعة، يَقِلّ عدد الممثلين الذين اختبروا مسيرة مهنية متنوّعة ومثمرة بقدر هاريسون فورد. بدءاً بـ»إنديانا جونز» الشجاع، مروراً بـ»هان سولو» الساخر، وصولاً إلى «ريك ديكارد» البائس في فيلم Blade Runner (عدّاء الشفرة)، ترك أداء فورد لهذه الشخصيات الأسطورية أثراً لا يُمحى في عالم السينما.



وُلِد فورد في شيكاغو من أمّه دوروثي التي كانت ممثلة إذاعية ووالده كريستوفر فورد الذي كان ممثلاً قبل أن يصبح مدير إعلانات. أصيب هاريسون بخيبة أمل حين كان يحلم بإطلاق مسيرة مهنية على الشاشة الفضية في شبابه، فهو فشل في تقديم أي أدوار بارزة بعد محاولات متكرّرة، فاحترف النجارة كوسيلة لإعالة زوجته حينها وابنَيه الصغيرَين.

لكن كانت الحياة تحمل له خططاً أخرى. حين كان فورد يعمل كنجار في هوليوود، التقى عدداً من العملاء المشاهير من أمثال جوان ديديون وجون غريغوري دون. كان المنتج الأسطوري فريد روس واحداً منهم، فاستعان به لبناء باب في مكاتب شركة American Zoeotrope، حيث كان المخرج جورج لوكاس مسؤولاً عن اختيار الممثلين في سلسلة Star Wars (حرب النجوم). لم يكن فورد يعرف حينها أن ذلك اللقاء سيمنحه فرصة تقديم شخصية «هان سولو» الجذّابة. انبهر لوكاس بأداء فورد الآسر حين كان يقرأ الدور وعرض عليه تقديم تلك الشخصية الأسطورية التي أوصلته إلى عالم النجومية.

يقول فورد بأسلوبه الساحر المتحفّظ: «اضطررتُ لانتظار تغيّر حظّي. لكني حصلتُ خلال تلك الفترة على فرصة قيّمة لتعلّم بعض الحِرَف لأن الحظ وحده لا يحلّ المشاكل. كل ما نفعله يتطلب مهارة معينة، ويحمل الفن الذي يظهر في أعمالنا روحاً نسعى جميعاً إلى اكتسابها. كنتُ محظوظاً لأني وجدتُ مكاني وسط هذا الحشد من العباقرة ولم أُطرَد حين لم أقدّم أداءً بالمستوى الذي أردتُه!».

حصل فورد على فرصة واعدة أخرى حين شارك في تجارب أداء لتقديم دور «إنديانا جونز» في مشروع ضخم من إعداد لوكاس وستيفن سبيلبيرغ، بعنوان Raiders of the Lost Ark (سارقو التابوت الضائع). يتمحور هذا الفيلم حول عالِم آثار متجوّل يبدأ رحلات جريئة للكشف عن آثار قديمة. في البداية، أراد سبيلبيرغ أن يختار فورد لتقديم هذا الدور، لكن تردّد لوكاس لأنه تعاون سابقاً مع فورد في سلسلة Star Wars. اضطر فريق الإنتاج لتقييم خيارات أخرى قبل اتخاذ قراره النهائي، ففكر المسؤولون بأسماء معروفة في أفلام الحركة والكوميديا خلال السبعينات، منهم توم سيليك وبيتر كويوت. لكن فاز فورد بهذا الدور في نهاية المطاف، فرسّخ بذلك مكانته كواحد من أساطير هوليوود.

على مرّ أربعين سنة وبعد المشاركة في أربعة أجزاء ناجحة، أنهى فورد هذه السلسلة بجزء خامس وأخير حمل عنوان Indiana Jones and the Dial of Destiny (إنديانا جونز ونداء القدر)، فمثّل إلى جانب فيبي والر بريدج بدور ابنته بالمعمودية، وقدّم مادز ميكلسن دور نازي سابق يعمل لصالح وكالة «ناسا». حصد فورد البالغ من العمر 81 عاماً تحية مميزة لتكريمه، فراح الحاضرون يصفّقون له بحرارة طوال خمس دقائق بعد عرض الفيلم في مهرجان «كان» السينمائي في السنة الماضية. كما أنه فاز بجائزة «السعفة الذهبية» قبل العرض الأول تكريماً لإنجازاته في عالم السينما.

لكن بعد سنوات من تقديم شخصية «إنديانا جونز»، هل أراد فورد أن يشاهد أحداثاً معينة في الجزء الأخير من مغامرته الشهيرة؟

يجيب الممثل المخضرم: «أردتُ أن أشاهد فيلماً ممتعاً. أردتُ أن أشاهد نهاية قوية للأجزاء الخمسة. أردتُ أن تنتهي القصة بالشكل المناسب. أردتُ أن أشاهد ذلك الرجل الذي كان يتّكل بشكلٍ أساسي على شبابه وقوته. أردتُ أن أشاهده بعدما ألقت الحياة بأعبائها عليه. أردتُ أن أشاهده وهو يحتاج إلى دعم متجدّد».

مع تقدّم شخصية «إنديانا جونز» في السن على مرّ الأفلام الأربعة، لم يفكّر هاريسون فورد حتى الفترة الأخيرة بأن عمره سيصبح عاملاً محورياً في القصة.

في مقابلة مع مجلة «بيبول»، اعترف فورد بأن تطوّر الشخصية التي يقدّمها كان أساسياً لإضافة بعض العمق والصدق إلى القصة: «لطالما أردتُ أن أشاهد ذلك الرجل بعد تجاوزه مرحلة الشباب، أو حين يصاب بخيبة أمل أو يسيطر عليه التعب. أردتُ أن أراه وهو يستعدّ لمغامرته الأخيرة».

أصبحت رؤية «إنديانا جونز» كرجل متقدّم في السن في فيلم Dial of Destiny تجربة أكثر تأثيراً بفضل استعمال الذكاء الاصطناعي بأسلوب مثير للاهتمام: يظهر فورد في مشهد مدّته 25 دقيقة وهو يبدو أصغر من عمره بعشرات السنوات بفضل التقنيات الرقمية. ما كانت ردة فعله حين شاهد نفسه على الشاشة الكبيرة وهو يبدو في عمر الشباب؟

يجيب فورد: «تطوّرت التكنولوجيا لدرجة أن تصبح واقعية جداً. أعرف أنني أشاهد وجهي، فهو ليس نتاج حيلة سحرية عبر تقنية الفوتوشوب. كان شكلي مشابهاً منذ 35 سنة لأن شركة الإنتاج Lucas Film تحتفظ بجميع المشاهد التي قدّمناها معاً على مرّ السنين. استُعمِلت هذه المراجعة العلمية للأرشيف بأفضل الطرق. لكن تبقى هذه الحيلة عابرة إذا لم تدعمها قصة ممتعة. قد يصبح العمل شائباً أيضاً إذا لم يحمل طابعاً واقعياً. أنا لا أتكلم هنا على المؤثرات البصرية بل على العواطف الحقيقية. أظن أن صانعي العمل قدّموا هذا الجانب ببراعة. أنا مسرور جداً بالنتيجة النهائية. لكني لا أنظر إلى الماضي وأتمنى أن أبدو مثل ذلك الرجل الشاب مجدداً». هو يعني هذا الكلام فعلاً، إذ لا تظهر في صوته أي مؤشرات تأثُّر أو ندم حين يتذكّر ماضيه.

يعيش فورد اليوم حياة هادئة وبعيدة عن صخب هوليوود في مزرعته الشاسعة في ولاية «وايومنغ» مع زوجته كاليستا فلوكهارت، وهو يبدو راضياً على تقدّمه في السنّ، فيقول بصوته الأجشّ: «أنا سعيد جداً بالتقدّم في السنّ. أحبّ أن أكون أكبر سناً. كان الشباب تجربة رائعة، لكنّه حمل مخاطر كبرى. ما زلتُ أعمل اليوم، لذا أعتبر وضعي ممتازاً».

من الواضح أن فورد لا ينوي إبطاء مساره في حياته المهنية أو الشخصية. هو كان طيّاراً شغوفاً طوال ثلاثة عقود تقريباً، وقاد بنفسه المروحيات في عدد من الحالات الطارئة، فحضر لإنقاذ المتجوّلين حين يحتاجون إلى المساعدة. نجا فورد من حادثة تحطّم طائرة في العام 2015 ومن إصابات متنوّعة في مواقع تصوير الأفلام، لكنه يحافظ على رشاقته الجسدية وقام بنفسه بعدد من المشاهد الخطيرة في فيلم Dial of Destiny.

تعليقاً على موضوع الرشاقة، يقول فورد مبتسماً: «ما زلتُ أستطيع ركوب الأحصنة... إذا سمحوا لي طبعاً. كنتُ محظوظاً بهذا الجسم».

على صعيد آخر، يؤكد فورد حبّه المستمر لتقديم قصص ممتعة. هو لا يزال ناشطاً في هذا القطاع ويتابع التمثيل في المسلسل الكوميدي الجديد Shrinking (الانكماش) على منصة Apple TV+، ويشارك أيضاً في مسلسل درامي من نوع الوسترن بعنوان 1923. بعد مسيرة حافلة امتدّت على عقود عدة، أصبح تفاني فورد في عمله واضحاً للجميع، وهو يؤكد هذه الصفة قائلاً: «أنا أحبّ هذا العمل! أريد أن أعمل وأروي قصصاً جميلة بكل بساطة. كنتُ محظوظاً جداً لأني حصلتُ على هذه الفرصة في حياتي».

لكن يحافظ هذا الممثل الكبير على تواضعه رغم مكانته الأسطورية في هوليوود، وهو يشعر بالامتنان لأنه ما زال يتلقّى سيلاً من عروض العمل، لا سيّما بعد احتجاجات نقابة الممثلين ضد منصات البث وشركات الإنتاج.

يشدّد فورد على المصاعب التي يواجهها عدد كبير من الأشخاص الذين يتمتّعون بمواهب مميزة ومع ذلك يغفل الجميع عن موهبتهم: «يرتفع عدد الموهوبين الذين لا يحصلون على فرصة تقديم ما لديهم، وهو أمر مؤسف جداً. يشعر الممثل على وجه التحديد بالتعاسة إذا عجز عن العمل، ولا يسهل أن يحصل الممثلون على فرص عمل جيدة إلا إذا سعوا وراءها».

لا يزال فورد بعيداً عن فكرة التقاعد، لكنه مستعدّ لتوديع شخصية «إنديانا جونز» على الأقل. هو يقول ضاحكاً: «إنه أمر بديهي. يجب أن أجلس في مكاني وآخذ قسطاً من الراحة».

أخيراً، لا بدّ من التساؤل عن نزعة فورد إلى الاحتفاظ بأي تذكارات قيّمة من مواقع تصوير أفلامه، على غرار قبعة «إنديانا جونز» الشهيرة. يبتسم فورد بطريقة ماكرة ويقول مازحاً: «أظن أن تلك القبعة تُعرَض على موقع Sotheby’s، على أمل أن تحصد هناك مبلغاً كبيراً يمكن استعماله للأعمال الخيرية. قد تكون ممتلكاتي المادية وافرة، لكنّ التجارب التي ترافق صناعة تلك الأفلام هي أكثر ما يهمّني في هذا العمل، وأنا أقدّر قيمتها لأقصى حدّ. الذكريات وتفاصيل الرحلة التي أخوضها هي التي تلازمني مدى الحياة».

MISS 3