جاد حداد

Alexander: The Making of a God... نظرة مفصّلة على الإسكندر الأكبر

5 شباط 2024

المصدر: جاد حداد

02 : 00

بدأت شبكة «نتفلكس» تعرض الوثائقي الجديد Alexander: The Making of a God (الإسكندر: إله قيد الصنع)، وهو يغطي بالتفصيل أولى فتوحات أمير مقدونيا الشهير الذي أصبح لاحقاً ملك بلاد فارس. يُعتبر هذا العمل المؤلف من ست حلقات أفضل بكثير من فيلم Alexander الذي كان من إخراج أوليفر ستون ومن بطولة كولين فاريل في العام 2004. يخصص هذا المسلسل الوقت الكافي لتقديم قصة متكاملة. يملك صانعو العمل والكتّاب المساحة اللازمة للغوص في ماضي الإسكندر قبل أن يصبح ملك مقدونيا. كان هذا الأخير يخطط للبدء بغزو الإمبراطورية الفارسية في مرحلة معينة، ولم يتوقع أحد أن يصبح هذا الملك الشاب الذي يرأس مملكة صغيرة مصدر قلق للإمبراطورية الفارسية العظيمة.

بالإضافة إلى تكلّم الخبراء بالتفصيل عن الإسكندر ومقارنته بعدوه اللدود داريوس الثالث، يقدّم الوثائقي هذين الرجلَين كملكَين حيث يحاول كل واحد منهما إثبات قوته بصفته ملكاً جديداً في مملكته. على غرار الإسكندر، أصبح داريوس الثالث ملك الإمبراطورية الفارسية للتو، وكانت أجندتهما تقضي بحماية إرثهما. يتعلق أفضل جانب من الوثائقي على الأرجح بعدم محاولة صانعي العمل تمجيد أيّ من الملكَين. قد يتمحور المسلسل حول الإسكندر بشكلٍ أساسي، لكن يتطرق صانعو العمل إلى مسيرة داريوس الثالث بالتفصيل أيضاً، فهو كان ملك إمبراطورية أكبر حجماً وقد استخف في البداية بقوة عدوه ومناوراته في الحرب.

على صعيد آخر، يُركّز سيناريو كريستوفر بيل وجين ماكلين غيرا على مساهمات الأمهات والزوجات والبنات لجعل هؤلاء الملوك رجالاً أقوياء. كان لافتاً ألا تذكر المراجع التاريخية معلومات وافرة عن أولئك النساء حتى الفترة الأخيرة، فقد اتضحت لاحقاً أهمية دورهنّ في حماية المملكة والحفاظ على سعادة الملك وحياته وسلامته. كانت المرأة في تلك الحقبة تتمتع بشخصية مبهمة، فهي تتخذ خطوات مستهدفة للبقاء على قيد الحياة والتمسك بالسلطة.

يسمح السيناريو المتماسك بالحفاظ على مستوى الوثائقي حتى النهاية. ربما يتخبط الإخراج في آخر حلقتَين بدرجة معيّنة، لكنه لا يتخلى عن الجانب العاطفي من القصة. يُعبّر المسلسل عن عنصر الألوهية بأسلوب جميل ويعكس القناعات التي جعلت الإسكندر يمنح نفسه صفة الإله، فهو كان يمشي بين البشر الفانين ويقوم بواجباته كمحارب قوي وملك عظيم.

لكن قد يتعلق أسوأ جانب من الوثائقي بتقديم الدكتورة كاليوب ليمنيوس باباكوستا، وهي عالِمة آثار يونانية لطالما كانت مهووسة بالإسكندر، وقد اكتشفت معلومات كثيرة عن مدينة الإسكندرية التي أسّسها قبل أن تصبح معقلاً للثقافة والتعليم. حصلت باباكوستا على الإذن لاستكشاف المدينة المعاصرة وإيجاد أكبر عدد ممكن من الآثار وبقايا المدينة القديمة هناك، فضلاً عن استكشاف قبر الإسكندر العظيم. كانت هذه الحبكة الفرعية مثيرة للاهتمام على الأرجح، لكن لا يتذكّر صانعو العمل أهمية التطرّق إلى أعمال باباكوستا المكثفة في الإسكندرية إلا مرة واحدة من كل ثلاث حلقات. ثمة نوع من التفكك بين أبرز حبكتَين فرعيتَين، إذ لم تحصل اكتشافات باباكوستا على مدة عرض كافية في الوثائقي.

تحمل موسيقى تاران ميتشل طابعاً مشوّقاً، لكن تبدو مقاطع الموسيقى التصويرية مشابهة بعض الشيء لألبوم سلسلة Game of Thrones (صراع العروش). أصبحت إضافة الموسيقى التي تشبه أعمال الملحّن رامين جوادي معياراً شائعاً في جميع الأعمال الوثائقية أو المسلسلات التلفزيونية التاريخية لأن هذا الأسلوب الموسيقي يتماشى على أكمل وجه مع طبيعة هذه الأعمال الكلاسيكية. كذلك، يضفي التصوير السينمائي تحت إشراف كريستوفر تايتوس كينغ بُعداً أكثر تعقيداً على أجواء العمل بشكل عام، وتتعدد اللقطات التي تساعد المشاهدين على فهم المعضلات التي مرّ بها الإسكندر العظيم حين أصبح ملكاً في زمن الحرب.

في ما يخص الأداء التمثيلي، كان اختيار الممثلين لتقديم الشخصيات الأربع الأساسية (الإسكندر، بطليموس، هيفايستيون، داريوس الثالث) ممتازاً. كذلك، يُعتبر انتقاء الممثلات لأداء الشخصيات النسائية الرئيسية (أولمبيا، ستاتيرا، بارسين) مثالياً بالقدر نفسه، إذ تُعبّر كل واحدة منهنّ عن أهمية دور المرأة في البلاط الملكي. يجسّد الممثل باك بريثويت دور الإسكندر ببراعة لافتة، فهو يجيد التعبير عن مختلف التقلبات التي عاشها هذا الملك حين استلم الحُكم وحاول ترسيخ مكانته. أما الممثل ميدو حمادة بدور داريوس الثالث، فهو يحاول للأسف تقليد أداء جايسون موموا، لكنه لا يصيب الهدف في معظم الأوقات ولا يجسّد دور ملك شعر بالتهديد واضطر لاتخاذ موقف دفاعي للتمسك بمنصبه منذ بداية الحرب بينه وبين الإسكندر. أخيراً، تُعتبر الممثلة أغني سكوت بدور ستاتيرا إضافة لامعة إلى طاقم الممثلين، فهي تقدّم شخصية امرأة بارزة في مجتمع يطغى عليه الرجال وتبذل قصارى جهدها لاستعمال مكانتها بطريقة تخدم مصالحها الخاصة.

بشكل عام، يُعتبر هذا الوثائقي ممتازاً في معظم جوانبه، وهو ينتهي بتلميحٍ يشير إلى احتمال أن تنتج شبكة «نتفلكس» موسماً ثانياً منه لأن قصة الإسكندر العظيم لم تنتهِ بعد. من الطبيعي أن يُشجّعنا هذا الموسم على انتظار الجزء الثاني بفارغ الصبر، إذ ينجح الوثائقي في جذب اهتمام المشاهدين حتى النهاية ويقدّم فكرة وافية عن حياة واحد من أعظم الملوك في تاريخ البشرية.

MISS 3