محمد علي مقلد

فواز طرابلسي: في نقد الأمين العام

7 شباط 2024

02 : 00

ربما كان فواز طرابلسي من الأكثر انكباباً على الكتابة عن اليسار من موقعه كقيادي في الحركة الوطنية اللبنانية، والأهم كأكاديمي كتب عن اليسار وعن تاريخ لبنان. غير أنّ طغيان السياسي الذي فيه جعل منسوب موضوعيته الأكاديمية يتضاءل.

كتابه «صورة الفتى بالأحمر»، نوع من سيرة ذاتية، أمّا كتابه «زمن اليسار الجديد» الذي أراده مراجعة أو قراءة نقدية، فلم يكن سوى استعادة للمنطلقات الفكرية والسياسية التي تربينا عليها في اليسار الماركسي، والتي استخدمها كمعايير للحكم على ثلاث قضايا مترابطة، الربيع العربي والديموقراطية والدولة، وهذا واضح داخل كتابه «الديمقراطية ثورة».

الأساس الأوّل إلغاء دور العامل السياسي في تطور بلداننا والتمترس خلف دور الاقتصاد والصراع الطبقي والتفاوت الاجتماعي وهو دور ليس موضع شك من أحد. غير أنّ تفسير كل شيء بالاقتصاد وتغييب السياسة هو أفضل الوسائل لتمويه إستبداد الأنظمة.

الثاني إعطاء الأولوية للعامل الخارجي على العوامل الداخلية ما وفّر للأنظمة مبرّراً دائماً للتعبئة ضد العدوّ المتمثّل بالإستعمار والصهيونيّة ولممارسة الإستبداد ضدّ الشعوب. في موضوع الإستعمار بات معروفاً أنّ البلدان العربية الثلاثة الأفريقية التي كانت مستعمرة نالت استقلالها في القرن الماضي بعد الحرب العالمية الثانية، مصر في 1920، تونس في 1956، الجزائر في 1963، وأنّ أنظمة المشرق العربي ناضلت ضدّ استعمار غير موجود إلّا في فلسطين. أمّا المواجهة مع الصهيونية فقد انجلى غبارها في الحرب على غزة.

الثالث هو الموقف الطبقي من الدولة، ومفاده أنّ الدولة باطلة إن لم تكن الطبقة العاملة في قيادتها. الدولة البرجوازية ملعونة. حتى إنجازاتها، ومنها الديموقراطية «منتج محلّي ليس للتصدير». هذا فهم للرأسمالية مخالف لأفكار ماركس القائلة إنّ البرجوازية طبقة ثورية في التاريخ، إذ أزاحت الإقطاع والنبلاء والإكليروس من سدّة السياسة. بلادنا فشلت في تحقيق ذلك لا لأن المركز لم يصدّر منتوجه، بل لأن الأطراف استوردته ناقصاً. أخذت من الرأسمالية الصناعات والعلم وحافظت على الاستبداد السياسي.

الديموقراطية قبل أن تكون أكثرية وأقلية، هي اعتراف بالآخر، بالتنوّع والتعدّد. هي على علّاتها، وعلى كونها مساومة بين رأس المال والعمل، تبقى أفضل تسوية موقّتة توصّلت إليها البشرية بينهما لمنع تحويل الصراع الطبقي إلى حرب، وخصوصاً إلى حروب أهلية. وهي على علّاتها صناعة برجوازية، مثلها مثل الدولة الحديثة.

إذا كان «برنارد لويس وبشار الأسد وحركات الإسلام السياسي» يلتقون، بحسب فواز، على أن شعوبنا غير جاهزة للديموقراطية، ويمكن أن نضيف على اللائحة كلّ الحكام ولا سيّما في الجمهوريات الوراثية، فلماذا تحميل لويس ومن يمثل وتبرئة أنفسنا من استبدال الديموقراطية بالشورى أو قوانين الطوارئ أو تعليق الدساتير؟

عدم اعتراف فواز بفضل البرجوازية في قيام الدولة جعله يرتكب الخطأ الشائع بين الجميع في قراءة تاريخ لبنان، والخطأ الشائع بين شرائح يسارية في قراءة الربيع العربي. بين حرب 1975 الأهلية وحروب القرن الماضي في عامي 1840 و1860فوارق لا تحصى. إذا لم تكن الدولة حدّاً فاصلاً بين حضارتين وبين تاريخين فماذا ستكون؟

من أعراض التفسير بالاقتصاد واستبعاد السياسة اعتبار الربيع العربي انتفاضة لا ثورة، حتى باتت الثورة السياسية تهمة و»تعدّدت المحاولات لتنزيه الربيع عن المصالح والعوامل الاقتصادية والإجتماعية والفوارق الطبقية»، فيما البرنامج الوحيد المشترك بين ثورات الربيع العربي هو إقامة أنظمة دستورية. وحدها الثورة في لبنان طالبت بإسقاط المنظومة لا بإسقاط النظام وبتطبيق الدستور الموجود.

مراجعة فواز اليسارية كاد جديدها ينحصر في دور الأمين العام، وهو نقد في غير محله.

MISS 3