جوزيف باسيل

لا قيمة قانونية لمقرّرات مجلس الوزراء إن لم تجسَّد بمراسيم

27 شباط 2024

02 : 00

من مجلس الوزراء (فضل عيتاني)

أثيرت في الآونة الأخيرة مسألة قرار مجلس الوزراء تعيين العميد حسان عودة رئيساً للأركان في الجيش، لكن قرار التعيين لم يصدر حتى الآن بمرسوم، وهذا لا يجعله قابلاً للتنفيذ، استناداً إلى أنّ قرارات مجلس الوزراء لا تُعتبر نافذة إلا إذا تجسّدت بمراسيم ووقّعها الوزير المعني، ووزير المال إذا تضمّنت مصاريف مالية، ورئيس الحكومة، وأخيراً رئيس الجمهورية الذي يُصدرها وتحال إلى النشر في الجريدة الرسمية، فتصبح نافذة.

بُتّ هذا الأمر منذ عام 2000 حين أثار آنذاك النائب نقولا فتوش موضوع إقرار مجلس الوزراء المخطط التوجيهي العام لمواقع المقالع والكسارات في تاريخ 12/ 2/ 1997، لكنّ القرار لم يصدر بمرسوم وبالتالي لم ينفَّذ.

وكتب الرئيس سليم الحص في كتابه «للحقيقة والتاريخ - تجارب الحكم ما بين 1998 و2000»، «ولعل أهم المواضيع التي شغلت مجلس النواب في مناقشاته، هو موضوع استجواب النائب نقولا فتوش عما إذا كانت قرارات مجلس الوزراء نافذة حكماً، وفقاً لأحكام المواد 17 و56 و65 من الدستور، وردّ الحكومة عليه في 14/ 3/ 2000». وفي تلك الجلسة أعدّ وزير العدل آنذاك جوزيف شاوول مطالعة قانونية، تلاها وزير العدل بالوكالة سليمان طرابلسي بسبب غياب الوزير الأصيل، ضمّنها رأيه في أنّ قرارات مجلس الوزراء لا تصبح نافذة إلا إذا أصدرها رئيس الجمهورية بمرسوم ونُشرت في الجريدة الرسمية.

ويلتقي رأي شاوول بصفته رئيساً سابقاً لمجلس شورى الدولة وخبيراً دستورياً وليس بصفته وزيراً فقط، رأيَ النائب السابق الخبير الدستوري حسن الرفاعي الذي نشرت جريدة «نداء الوطن» رأيه في تاريخ 3/ 2/ 2000، وقال فيه «إنّ جميع قرارات مجلس الوزراء تبقى قرارات تحضيرية ليس لها صفة تنفيذية، إن لم تقترن بمرسوم موقَّع من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء أو بقرار من وزير مختص».

وكتب الرفاعي في كتابه «حسن الرفاعي حارس الجمهورية» حكاية ما جرى آنذاك داخل القضاء: «صدف أيام تولّي الدكتور جوزيف شاوول وزارة العدل أن صدر قرار قضائي عن مجلس شورى الدولة برئاسة اسكندر فياض بموضوع الكسارات للأستاذ نقولا فتوش وهو نائب، وسبق له أن كان وزيراً. وقد اعتبر هذا القرار القضائي أنّ فتوش صاحب حقٍّ في استثمار مقالع وكسارات استناداً إلى مخطط توجيهي أُقرّ في مجلس الوزراء... وفور اطّلاعي على هذا القرار «الغريب العجيب»، اتصلت بالرئيس جوزيف شاوول، وقلت له: «ما هذه المصيبة؟ لقد صدر القرار ومضى الوقت ولم يعد هناك مجال لإعادة المحاكمة فيه، ولا يجوز أن تمر عليه مرور الكرام، على الأقل ضعوا مراجعة «نفعاً للقانون». فقال لي: سأرسل إليك القاضي بشارة متى رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل، ضع له مشروع مراجعة «نفعاً للقانون». وقد زارني القاضي بشارة متى يومها وزودته مشروع مراجعة «نفعاً للقانون» وأقرنتها باجتهادات فرنسية للعلامة شابو (René Chapus) وفقهاء آخرين في تعليقهم على الجمهورية الخامسة (الفرنسية) تثبت «أنّ مقررات مجلس الوزراء، لا تشكّل قراراً نافذاً، ولا يمكن أن تعطي أحداً حقاً إن لم تجسَّد بمرسوم أو بقرار إداري».

واستكمالاً، نوردُ رأي هيئة التشريع والاستشارات في الموضوع، إذ جاء في قرارها «إنّ قرارات مجلس الوزراء المتعلقة باعتماد المخطط التوجيهي العام لمواقع المقالع والكسارات، هي من قبيل قرارات التوصية التي لا تكتسب صفة النفاذ وقوّتها، إلا باقترانها بمراسيم تصدر وتُنشر وفقاً للأصول».

التذكير بالحكاية والتعليقات السابقة، هو لإظهار مدى الجهد الذي تطلّبه تثبيت التطبيق الإداري للنص الدستوري، لذلك لا يجوز لأي كان أن يتجاوز ما خلص إليه رأي العلّامتين الدستوريين حسن الرفاعي وجوزيف شاوول وهيئة التشريع والاستشارات، وأن يعود إلى البناء على ما اعتُبر خطأً، وما بُني على باطل فهو باطل. ولا يجوز أن يكون تطبيق الدستور مطيّة لأغراض صاحب السلطة والأهواء الشخصية.

ختاماً ننقل بوضوح رأي الرفاعي «لا يمكن أن يقال بأي شكل من الأشكال إنّ رئيس الجمهورية ملزم إصدار أي قرار لمجلس الوزراء لم يُصَغ بشكل مرسوم، لأنّ تجسيد أي قرار يكون بمرسوم يصدره رئيس الجمهورية ويطلب نشره».

ولمن يقول إنّ ما قبل الطائف غير ما بعده، علماً أنّ كل ما أوردته هو بعد الطائف، كتب الرفاعي: «إنّ الفقه والاجتهاد ثابتان على أنه لا قيمة لمقررات مجلس الوزراء أو الأفكار التي تتم مناقشتها والاتفاق عليها إنّ لم تجسد بمراسيم أو أي نوع من القرارات الإدارية، وإلا بقيت في مرتبة التوصيات. وهذا المبدأ صحيح وثابت قبل الطائف وبعده». لمن يهمهم الأمر كل قرار اتخذه مجلس الوزراء ولم يتشكل بمرسوم ولم يتبع الأصول الإدارية المطلوبة حتى نشره في الجريدة الرسمية، هو غير قابل للتطبيق، بل غير موجود.

MISS 3