حسان الزين

دور الاحتجاج والاعتراض

2 آذار 2024

02 : 03

يا للحقيقة المرّة: لبنان معلّق في الفراغ والمجهول. نظامه الدولي - الإقليمي، المذهبي محليّاً، يترنّح. وقد بقيت منه صورته أو قواعد من لعبته، فيما قوى السلطة المتفاوتة القوة تنتظر استقرار التغيرات الدولية - الإقليمية ووضوح اتجاه رياحها كي تَشرع بترتيب بيتها الداخلي، بحسب موازين القوى الجديدة دولياً وإقليمياً. فقوى السلطة، وفي مقدّمها «حزب الله» الذي أخذ على عاتقه «حفظ» النظام واستمرار قواه في ما هي عليه، لا تملك مشروعاً للبنان ودولته واقتصاده ومجتمعه، على الرغم من كل ما جرى ويجري في الداخل والمحيط والعالم. وجل ما تفكّر فيه تلك القوى هو موقع لبنان في خريطة الانقسام السياسي العالمي- الإقليمي، وفي أي محور سيكون. وفيما تشتهي كلٌّ منها أن تجري الرياحُ وفق سفنها، تُرَاهِن بلبنان ودولته واقتصاده ومجتمعه، وحتّى بموقعه في الجغرافيا السياسية. ويكون يوم سعد لبنان إذا ما توافرت ظروف دولية - إقليمية لتسوية تُترجَم محلياً بين القوى المذهبيّة توزيعاً لحصص النفوذ والانتفاع. والمعادلة نفسها تقول إن يوم نحس لبنان يكون إذا ما اتجهت الظروف الدولية - الإقليمية نحو الصراع والحرب. والاحتمالان واردان.

إزاء هذا الارتهان الخطر، ووسط عدم اهتمام قوى السلطة بإنتاج مشروع سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي للبنان (وهي عاجزة بنيويّاً عن ذلك لكونها فئويّة وتابعة للخارج)، يُمتحن تيار الاحتجاج والاعتراض وجدارته في النهوض بالمهمّات المطلوبة.

والحقيقة هي أن الواقع ما يرشّح تيار الاحتجاج والاعتراض لهذا الدور، أكثر مما هو جاهز له. فهذا التيار امتلك الصفة ورُشّح للدور قبل أن يستعد له. وهكذا، بات عليه أن يبني نفسه وأن يقوم بالمهمات الوطنية، في الوقت ذاته. وبقدر ما يبدو ذلك صعباً ومعقّداً وربما مستحيلاً، نظراً إلى تعدد التحدّيات، بقدر ما هو بديهي.

فالأمر بديهي إذا ما نُظر إلى الواقع وجرى الانطلاق منه لتحديد المهمات والأولويات، أي لصوغ مشروع فكري وإعداد برنامج سياسي وبناء إطار تنظيمي (أو أكثر). بينما يكون الأمر صعباً ومعقّداً وربما مستحيلاً إذا ما جرى الانطلاق من الأيديولوجيات والخطابات وأثقال الانقسامات وحسابات التشكيلات. وهذا ما عليه الوضع حتّى الساعة. فتيار الاحتجاج والاعتراض ما زال يقدّم الأيديولوجيات والخطابات والانقسامات والتشكيلات على الواقع ورسم خريطة طريق انطلاقاً منه. وكلّما استمرّ في ذلك تأخّرت ولادته الطبيعية، وبقي خارج مسار الارتقاء إلى معارضة سياسية.

وفيما تتحمّل حالات الاحتجاج وقوى الاعتراض جزءاً من المسؤولية عن الوضع الحالي وعن المستقبل، تفيد التجارب التي يجب تقويمها والإفادة منها بأن هناك «فئات» أخرى مسؤولة ومعنية. ولن تولد معارضة وطنية ديمقراطية تسهم في حماية لبنان ومجتمعه وإعادة بناء دولته واقتصاده وثقافته وقيمه إذا ما بقيت تلك الفئات مستقيلة وخارج اللعبة. فإذا كانت حالات الاحتجاج وقوى الاعتراض مثّلت حتى اللحظة جنين المعارضة، فإنها غير قادرة وحدها على القيام بالمهمة. وإذا كان من الخطأ والتقصير تركها وحيدةً، فمن الخطأ أن تتوهّم هي أن تلك المهمة تخصّها حصراً. فاللبنانيون واللبنانيّات عموماً، ومنهم المثقفون والمثقفات والنقابات والمؤسّسات الاجتماعية والثقافية...، معنيّون بالأمر. ولكي نكون عمليين وواقعيين، يمكن القول إن على حالات الاحتجاج وقوى الاعتراض المبادرة لتوفير المساحات المنظّمة والهادفة التي يتشارك فيها المواطنون والمثقفون والناشطون والنقابات والجمعيات، في العمل والحوار لصوغ المشروع الفكري وإعداد البرنامج السياسي وبناء الإطار التنظيمي (أو أكثر). فمن دون هذه المساحات ومهماتها الوطنية ستبقى كل فئة في عالمها الخاص: حالات الاحتجاج وقوى الاعتراض في أطرها، المثقفون والمثقفات في استقالتهم، النقابات في اختصاصاتها، الجمعيات في هوامشها، واللبنانيون واللبنانيات في المجهول. والأهم من ذلك، بل الأكثر مأسوية، أن لبنان سيبقى معطّلاً ورهينة الخارج ومتغيراته وقواه المحليّة، أي من دون مشروع وأفق واضح، وبلا دولة تحميه وترعى مصالح شعبه وتنظم علاقاته مع الخارج.

دور تيار الاحتجاج والاعتراض في ما لا تقوم به قوى السلطة وليس في نقيض ما تقوم به فحسب، أي في إنتاج مشروع للبنان دولة واقتصاداً ومجتمعاً.

المهم هو قراءة الواقع والمتغيرات واعتماد بوصلة.

MISS 3