جينات تُعرّضنا لاضطرابات في العمود الفقري

02 : 00

يتصوّر البشر اليوم أنهم أفضل الناجين من عملية التطور القديمة. لكن تبرز مفارقة كبرى في هذه الحالة: لو كان الإنسان المعاصر مدهشاً لهذه الدرجة، ما الذي يفسّر إصابة الكثيرين باختلالات في النمو أو أمراض وراثية؟

تطرح دراسة جديدة في مجلة «ناتشر» تفسيراً لأولى مراحل النمو المليئة بالاختلالات عبر تحليل التغيرات الجينية التي سمحت لأسلاف البشر بخسارة ذيولهم.

مقارنةً بالأجناس الأخرى، يحمل البشر معدلاً مرتفعاً وغير مألوف من الطفرات، لذا يرتفع احتمال أن يحصل تغيّر غير وراثي في الحمض النووي. يولد البعض مثلاً وهو يحمل بين عشرة ومئة تغيّر جديد في حمضه النووي. يقتصر هذا العدد على تغيّر واحد كحد أقصى لدى معظم الأجناس.

حللت الدراسة الجديدة آلية وراثية مثيرة للاهتمام. تجتمع جينات عدة لتسهيل نمو الذيل لدى الثدييات. اكتشف الباحثون هذه المرة أن الرئيسيات التي تفتقر إلى الذيول تحمل «جينة قافزة» إضافية (سلاسل من الحمض النووي قد تنتقل إلى مناطق جديدة من الجينوم) في جينة TBXT المرتبطة بنشوء الذيل.

يتألف معظم حمضنا النووي من جينات قافزة تنجم عن تجزئة بروتينات محددة (إنها الوظيفة التقليدية للجينات)، ما يعني أن منافع الجينة القافزة لا تحمل طابعاً مميزاً. كان أثر تلك الإضافة الجديدة غير مألوف. تبيّن أن الرئيسيات نفسها تحمل جينة قافزة قديمة لكن مشابهة داخل الحمض النووي، وهي جزء من جينة TBXT أيضاً.

أدت هاتان الجينتان المتجاورتان إلى تغيير طريقة معالجة الحمض النووي الريبي المرسال المرتبط بجينة TBXT. تستطيع الجينتان القافزتان أن تلتصقا ببعضهما في الحمض النووي الريبي، ما يؤدي إلى إلغاء الحمض الواقع بينهما في الحمض النووي الريبي الذي يتحول إلى بروتين وينتج بروتينات أقصر من العادة.

كشفت التجارب اللاحقة أن زيادة الحمض النووي الريبي الذي يفتقر إلى ذلك الجزء من الجينة ترفع احتمال أن تولد الفئران من دون ذيل.

لكن لاحظ الباحثون أيضاً أن الفئران التي تحمل جينة TBXT مع الجزء المستبعد حصراً قد تصاب بمرض يشبه حالة السنسنة المشقوقة لدى البشر (اختلال في نمو العمود الفقري والحبل الشوكي أثناء وجود الجنين في الرحم، ما يؤدي إلى ظهور فجوة في العمود الفقري). سبق وبرز رابط بين الطفرات في جينة TBXT البشرية وهذا المرض. حملت فئران أخرى عيوباً مختلفة أيضاً في العمود الفقري والحبل الشوكي.

يفترض الباحثون إذاً أن السنسنة المشقوقة قد تكون جزءاً من البقايا النادرة لاضطراب الجينة الكامنة وراء غياب الذيول لدى البشر.

كان غياب الذيل ميزة أساسية، حتى لو عنى ذلك زيادة حالات السنسنة المشقوقة. ربما يتكرر الوضع نفسه مع عدد كبير من الأمراض الوراثية ومشاكل النمو الأخرى، فتكون نتيجة عرضية لبعض الطفرات التي ساعدتنا للحفاظ على توازننا.

يكشف هذا الاستنتاج إلى أي حد قد تكون مسيرة التقدم البشري مُضلّلة. يتعامل التطور مع التغيرات القائمة في زمن معيّن، وتكشف هذه الدراسة الأخيرة أن جزءاً كبيراً من التغيرات يترافق مع تكاليف معينة.

MISS 3