بيروت مدينتي: التفاف المنظومة على خطة حكومتها وانقضاضها على حقوق المواطنين

21 : 29

أعلنت بيروت مدينتي انه وبعد إقرار المنظومة الحاكمة لخطة الانقاذ المالي في الحكومة، وتحديدها للخسائر والمسؤوليات، عادت وأدركت متأخرة حجم العبء المالي الذي رتّبته على نفسها جراء هذه الخطة، وتحديدًا على تحالف الطبقة السياسية مع المصرف المركزي والمصارف وكبار المودعين، فقامت بالالتفاف على خطة حكومتها عبر ابتكار اللجنة النيابية لتقصي الحقائق برئاسة النائب ابراهيم كنعان، مدعومةً من كافة القوى السياسية، لتشكل مخرجًا لنفسها.

أخذت اللجنة المذكورة على عاتقها نسف الخطة الأولى، وذلك عبر تزوير واضح للحسابات المتعلقة بالمصرف المركزي والمصارف، من خلال ألاعيب محاسبية، وذلك من أجل تخفيض قيمة الخسائر المترتبة على مصرف لبنان والمصارف وكبار المودعين. ففي الوقت الذي كانت تقرّ فيه الخطة الأولى أن مجمل الخسائر يصل الى ٢٤١ الف مليار ليرة، وهو رقم وافق عليه صندوق النقد وحذّر من مخاطر وتبعات التلاعب به، تصرّ اللجنة النيابية على اعتماد أرقام المصارف التي تدّعي أن الخسائر لا تتخطى ١١٢ الف مليار ليرة موهمة اللبنانيين أن تخفيض الخسائر لصالحم .

فعلياً، إن تهرّب تحالف الطبقة السياسية مع المصرف المركزي والمصارف وكبار المودعين من تكبدّ الخسائر الحقيقية المترتبة عليهم، سيعني حتمًا إلقاء هذه الخسائر على المواطنين جميعاً من مودعين وغير مودعين:

١. ففيما يخص المودعين: بالإضافة إلى عدم تمكنهم من التصرف بودائعهم، فإن اجبارهم على سحب دولاراتهم بالليرة اللبنانية على سعر صرف أدنى بكثير من ذلك المتداول في السوق، يعني تلقائياً خسارتهم ما بين ٥٠ إلى ٧٠ بالمئة من ودائعهم، مما يشكل من جهة قصة شعر Haircut مقنّعة لجميع المودعين، بدل حصرها بالكبار منهم كما كان مطروحًا في السابق، ويسمح من جهة أخرى للمصارف بتخفيض الأعباء المترتبة عليها. يفضّل هذا التحالف الإبقاء على هذا الإجراء الظالم بحق كل المودعين لأطول فترة ممكنة، دون تفريق بين كبارهم وصغارهم، بدلا عن أن يتحمّل هو الحجم الأكبر من الخسائر، أو تحميلها خصوصًا الى كبار المودعين الذين استفادوا لسنوات من فوائد خيالية.

٢ . ان تخاذل المنظومة عن اتخاذ إجراءات جديّة وعادلة يؤدي الى مزيد من التردّي لسعر الصرف وارتفاع نسب التضخم، مما يقضي تماماً على القدرة الشرائية للبنانيين وتبخر مدخراتهم.

٣ . تستغل المصارف هذا الوقت الضائع الذي تؤمنه اللجنة النيابية من أجل إعادة تركيب ميزانياتها معتمدةً على احتيالات تتعارض تماماً مع المعايير الدولية، وتسمح لها بالتهرب من دفع القيمة الحقيقية المتوجبة عليها.

٤ . إضافةً الى ذلك، تقترح هذه المنظومة بيع أصول الدولة لإطفاء جزء من الخسائر. تجدر الإشارة هنا أن هذه الممتلكات العامة، التي هي ملك للشعب اللبناني، تؤمن مداخيل للدولة تسمح لها بتقديم ما تبقى من خدمات اجتماعية لجميع اللبنانيين، وخصوصًا للأكثر فقرًا منهم.

إن هذه الوقاحة المنقطعة النظير، التي وصلت الى حد بيع ممتلكات الدولة بعد أن تمّ تفليسها، للتعويض عن خسائرهم وفسادهم وفشل سياساتهم الاقتصادية والمالية، لن تمرّ.

من مهزلة القدر أن نجد أنفسنا، نحن المواطنون الذين سُلبت أموالنا، في موقف ينحاز إلى الخطّة الحكومية بالرغم من ثغراتها العديدة. ومن مهزلة القدر أيضا أن نشاهد صندوق النقد الدولي يدافع عن هذه الخطة الحكومية أكثر من الحكومة نفسها، بالرغم من كل مخاطرِه التي ندركها. وكأن طامة الفساد لا تكفي، فيضيف ممثّلو الأمّة إليها محاولة استغبائنا عندما يدّعون حماية اللبنانيين وأموالهم بكل وقاحة.

نقول لكل من لجنة تقصّي الحقائق النيابية ومصرف لبنان وجمعية المصارف، الذين عملوا جادّين لإحباط كلّ الخطط الإنقاذية الجدّية، والسعداء حاليًا في قضم ودائعنا عبر ابتكار أسعار صرف متعددة للعملة الواحدة، وعبر الافراط في طبع العملة الوطنية بشكل يفقد الليرة اللبنانية قيمتها، نقول لهم:

- لن نقبل بعملية "قص الشعر" المقنّعة التي ترتكب بحق ودائعنا وأجورنا. فهذه العملية تستهدف وتؤذي صغار المودعين وتستولي على مالهم، بينما تعمل في المقابل على الحفاظ على رساميل أصحاب المصارف وثرواتهم الهائلة.

- لن نقبل بأن يتحمّل المواطن ثمن الخسائر الناجمة عن الهندسات المالية الفاشلة وعن دفع الفوائد الاستنسابية المضخّمة. وحدهم المستفيدون من تلك الأرباح الفاجرة من عليهم تحمّل هذه الخسائر.

- لن نقبل بإرغامنا على تحويل ودائعنا إلى أسهم في المصارف المتعثرة من دون إعادة هيكلتها.

- لن نقبل بأن يتم المس بأصول الدولة وبيعها، فهي ملك جميع الناس، مودعين كانوا أم لا.

- لن نسمح لكم بأن تفلتوا بسرقة خيرات الوطن تورثونها إلى ولد ولدكم، ونترك أولادنا وأحفادنا وأولاد أحفادنا يرزحون تحت ثقل الديون، أو يهجرون الوطن بحثًا عن لقمة عيشهم.

من هنا تطالب بيروت مدينتي بعدم التلهّي والاستمرار بإضاعة الوقت وتدعو لضرورة العودة بأسرع وقت ممكن إلى الخطوات التالية:

• إقرار قانون ينظّم السحوبات المصرفية والتحويلات الخارجية بما يتناسب مع المعايير الدولية، خصوصًا وأن المحظيّين من كبار المودعين ما زالوا يهرّبون أموالهم إلى الخارج.

• إجراء التدقيق على حسابات مصرف لبنان وباقي المؤسسات التي تفوح رائحتها بالفساد بأسرع وقت ممكن بما يسمح بتحديد حجم الخسائر والمسؤولين عنها ومحاسبتهم.

• تخفيض الدين العام بنسبة 60 إلى 70% من الناتج المحلي عن طريق اقتطاع الدين الداخلي والخارجي على حدّ سواء والتفاوض مع الدائنين بشكل شفاف وعلمي، فلا قيامة لأيّ اقتصاد بشكل مستدام دون ذلك.

• تحميل الخسائر بشكل عادل عبر استعادة الفوائد المضخّمة أولا والتي بلغت 25 مليار دولار أميركي، وثانيًا عن طريق استعادة أرباح المصارف التي حصلت عليها من خلال الهندسات المالية والتي فاقت قيمتها 6 مليار دولار أميركي. وثالثا، عبر شطب وتصفير رساميل المصارف بسبب تعثرها والتي تبلغ قيمتها 20 مليار دولار أميركي.

• رفض استعمال أصول الدولة لإطفاء الخسائر وتجيير إيرادات استثمارها لأصحاب المصارف والمودعين الكبار، واللجوء إلى وضع إطار شفاف وحوكمة رشيدة لها في إطار عملية تصحيح مالي متوسطة الأمد تسمح بحسن إدارتها وتحسين إيراداتها لصالح الدولة.

الحلول واضحة منذ اليوم الأول، ولم نعطِ الحكومة الثقة إلّا لمعرفتنا أنها تمثّل أولًا وأخيرًا مصالح هذه الزمرة الطائفية الفاسدة. دعَوْنا منذ انطلاقة ثورة 17 تشرين مع سائر قوى الثورة إلى اتخاذ رزمة إجراءات فورية للحدّ من تدهور الأوضاع. الأمور تزداد سوءًا مع كل دقيقة وقت يهدرونها. يطمحون بسياستهم إلى دفعنا لبيع ما تبقّى من ممتلكات الدولة لصالح اللصوص ذاتهم. طالبنا بترشيد الإنفاق، ووقف الهدر لاسيما في المشاريع الاعتباطية (مثل سد بسري ومشروع سلعاتا)، والحد من العجز في قطاع الكهرباء، ووقف عمليات التهريب الجمركي، وتحسين الجباية، والتركيز على المشاريع التي تحفزّ النمو الاقتصادي.

إستقلالية القضاء هي حجر الأساس لأي إصلاح وبناء ثقة. حماية معيشة الناس هي الأولية. أما الحديث عن مشاريع ولجان ما هو إلا لذر الرماد في العيون وكسب الوقت غير الموجود أصلًا، فيما يزداد إفقار الناس عبر تذويب قيمة مدخراتهم، وإفلاس مؤسساتهم وخسارة وظائفهم.

نحن في بيروت مدينتي مع ثوار 17 تشرين، لن نهدأ حتى نعيد كل التحويلات المالية الفاقعة ونسترجع الأموال المنهوبة.

تدعو بيروت مدينتي كل اللبنانيين والثوار والمتخصّصين والإعلاميين إلى أوسع حملة لفضح لجنة كنعان ومن خلفها من أصحاب المصارف ومصرف لبنان وأحزابهم.

سنحاسبكم، أنتم الذين تسرقون الناس وتزعمون بكل فجور المحافظة على ودائعهم.

لأن كل القوى الحيّة في المجتمع مصممة على مواجهة هذا التحالف المقيت.

ولأن هزيمة هذه الزمرة من الفاسدين والفاشلين، وإن تأخرت، آتية لا محال.

MISS 3