بدعوة من رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى المؤلفة الموسيقية هبة القواس، وسفير النمسا لدى لبنان د. رينيه بول أمري، أحيت الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية حفلة موسيقية في كنيسة القديس يوسف للآباء اليسوعيين في الأشرفية، بقيادة المايسترو هاروت فازيليان ومشاركة السوبرانو Paula Jeckstadt وذلك في سياق حفلات الأوركسترا التي ينظمها الكونسرفتوار الوطني دورياً لعشاق الموسيقى الكلاسيكية.
حضر الاحتفال سفير كولومبيا لدى لبنان إدوين أوستوس ألفونسو، وسفير إسبانيا لدى لبنان هيسوس سانتوس إيغوادو، ومديرة مكتب اليونيسكو الإقليمي في بيروت كوستانزا فارينا، والسيدة أمينة بري ممثلةً وزير الثقافة محمد وسام المرتضى. كما حضر وفد دبلوماسي من سفارة النمسا في مقدمته قنصل النمسا ممثلاً السفير د. رينيه إيمري ونخبة من الشخصيات السياسية والدبلوماسية والثقافية والقضائية والإعلامية وجمهور كبير من محبي الموسيقى.
استُهل الاحتفال بكلمة من القواس، رحبت فيها بالتعاون بين الكونسرفتوار وسفارة النمسا لدى لبنان ومع الجهات المحلية والعالمية، وقالت: "هذا التعاون هو مصدر غنى للحياة الثقافية والموسيقية في لبنان، واليوم يتجلى هذا التعاون مع النمسا في مشاركة السوبرانو باولا تحت قيادة المايسترو هاروت فازيليان الذي اختار ريبيرتواراً مميزاً لبيتهوفين وغوستاف مالر في أمسية الليلة التي استقطبنا فيها عازفين في الأوركسترا من موسكو من "مسرح مارينسكي" وباريس وفنزويلا وبلدان أخرى. ونحن نعمل الآن حتى تشرين الأول المقبل لأن تكتمل الأوركسترا في عديدها المئة كما كانت سابقاً، إلى أن تصل لتجول في كل العالم". وأشارت القواس إلى ورش العمل التي تقام في المعهد لطلابه وأساتذته مع العديد من الصروح الموسيقية العالمية ومنها النمسا وروسيا وغيرها.
بعدها اعتلى المايسترو هاروت فازيليان المذبح مرحباً وشارحاً الاختيار الموسيقي للأمسية ومضمونه الذي يتمحور حول "القيامة" ومنها أعمال بيتهوفن التي ستعزف، وكذلك مالر في مقطوعات أربع، والسيمفونية الثانية هي تحت عنوان "القيامة". كما أشار المايسترو أن اسمه في الأرمنية يعني أيضاُ القيامة.
مع ببيتهوفين إذاً افتتحت الأوركسترا الأمسية بسيمفونية (Coriolan Overture) الشهيرة والتي كُتبت عام 1807 لقصة كوريولان البطل الروماني استوحاها بيتهوفن من دراما كتبها الشاعر النمساوي فون كوللن، وهي تعتبر أقوى افتتاحياته من الناحية الدرامية، فاستطاعت الأوركسترا الفيلهارمونية أن تعكس براعة الأداء الدرامي العنيف في دقة تصويرها.
أربع مقطوعات مغناة لـ Gustav Mahler(Songs from Des Knaben Wunderhorn ( 1- Verlor’n Muh, 2-Wo die schonen Trompeten blasen, 3- Rheinlegendschen, 4-Das himmlische Leben أدتها السوبرانو ذات الصوت الرائع Paula Jeckstadt، محلّقة بأدائها برفقة عصا قيادة فازليان، مع موسيقى مالر الساحرة، وهو الماهر في الربط بين الموسيقى السيمفونية والغناء. كما أدهش المايسترو الحضور بتجسيد رومانسية مالر وشاعريته المترافقة مع عمق كبير وتأثيرات فلسفية وروحانية، إلى جانب التناقض الديناميكي الشديد، عبر تنقله بين الصوت الخافت كالهمس وأشدّ الأداء قوة.
وفي تلك المناخات من الرّقي التي تميزت بها الأوركسترا الفيلهارمونية، وبأداء احترافي مشهود له موسيقياً عزفاً وقيادةً. جسدت الأوركسترا العمق الموسيقي الذي يتميز به كل من الموسيقيين العبقريَين اللذين أدت أعمالهما السيمفونية، فبرعوا بإيصال قوة الموسيقى التي تعزّز الإرادة الإنسانية وفلسفة الحياة من دون نصّ منطوق، كما عند بيتهوفن. فقدمت في القسم الثاني بيتهوفين في سيمفونيته الخامسة:
1- Allegro ,con brio, 2- Andante con moto, 3- Scherzo. Allegro. 4- Allegro
حيث تمكن فازيليان من التحكّم بالتفاصيل اللحنيّة الدقيقة، التي كان يتابعها الجمهور بشغف متمسّكاً بكل نغمة على حدى، مما جعل التصعيد (الكريشندو) في الحركة النهائية أمراً غامراً ومؤثراً. ولا سيما أنها كانت واحدة من أولى السيمفونيات الكبرى التي استخدمت الترومبون بحيث قادوا العمل إلى نهايته المبهرة التي وقف لها الجمهور مصفقاً لدقائق، ضمن هذه المساحة الأثيرية من الموسيقى العظيمة، منتقلاً إلى فضاء آخر من المتعة الصافية ومتفاعلاً برقيّ وإعجاب.