يثبت الكاتب والمخرج زاك كريغر أنه يبرع في صناعة أفلام الرعب في فيلم Barbarian (البربري) الذي يبدأ بكابوس قد يصيب أي شخص منا. تصل الباحثة في مجال الأعمال الوثائقية «تيس» (جورجينا كامبيل التي تقدّم أداءً ممتازاً) إلى منزل صغير يقع في جزء منسيّ من مدينة «ديترويت» أثناء هطول الأمطار في إحدى الليالي، فتكتشف أن شاباً اسمه «كيث» يقيم هناك أصلاً. سرعان ما يقنعها بالبقاء إلى أن يحلّا مسألة المنزل. هو يعرض أمامها إيصال الحجز ويقرر النوم على الكنبة. حتى أنها تشاهده وهو يفتح قنينة النبيذ قبل أن يسكب المشروب منها.
من الواضح أن كريغر يعرف طبيعة العمل الذي يقدّمه. قد تبدو الظروف التي تجعل تلك المرأة تضع نفسها في هذا الموقف المريب مزعجة، ويُركّز أسلوب المخرج على هذا الجانب عمداً. بعد فترة قصيرة، يحين وقت النزول إلى قبو المنزل الذي يحمل مفاجأة غير متوقعة طبعاً، وتضطر بطلة القصة لعبور بابٍ لا يفتح إلا عبر حبلٍ مُعلّق فيه. تُعرَض مظاهر الرعب بمستويات متنوعة في هذه القصة، فتنجم أحياناً عن حبكات مبالغ فيها. مع ذلك، تبقى الأسرار المريبة والحقائق الشائكة في هذا الفيلم مؤثرة ومخيفة، حتى لو بدت سخيفة في بعض اللحظات.
يجسّد الممثل بيل سكارسغارد دور الشاب «كيث» الذي استأجر المنزل نفسه وكان قد اشتهر في فيلم It (هو) بدور المهرّج المخيف. يُعتبر اختيار الممثلين جزءاً أساسياً من عالم صناعة الأفلام، ويبدو اختيار سكارسغارد لتجسيد هذا الدور قراراً مريباً بقدر المشاهد الشائكة والأسرار المزعجة في ذلك المنزل المخيف وأروقته القاتمة. يستعمل سكارسغارد هذه المرة حضوره الاعتيادي، وعينيه الدائريتَين، وبنيته القوية، ويضيف إليها بعض الحركات العصبية التي تظهر لديه حين يحاول أن يشرح لزميلته في السكن «تيس» أنه يحرص على أن تشعر بالأمان رغم الموقف الغريب الذي يجمعهما. هل يُعتبر أداؤه ضعيفاً ومتكرراً أم أنه يقدّم دور المختلّ المريب مجدداً؟ يجيب صانعو العمل على هذه الأسئلة في واحد من أفضل مشاهد الفيلم حيث يبلغ التشويق أعلى مستوياته.
يحضر جاستن لونغ إلى ذلك المنزل أيضاً في مرحلة لاحقة من الأحداث، فيظهر بدور «إي جي» القادم من عالم هوليوود ويمرّ بذلك الطريق الساحلي بسيارته المكشوفة، لكنه يتلقى مكالمة هاتفية ويكتشف فجأةً أنه مُتّهم بالقيام بعمل مريع ضد ممثلة. يوحي «إي جي» بأنه ارتكب فعلاً مشابهاً، لكنه يبدو أكثر انشغالاً بإنقاذ مهنته وتجاوز تلك المحنة بأي ثمن. يبرع لونغ في تجسيد الصفات المريعة التي يحملها ذلك الشاب، تزامناً مع تقديم مواقف مضحكة حين يسرد ما أوصله إلى هذه الفوضى المتعلقة بحجزٍ خاطئ للمكان نفسه. كان الفيلم ليتخذ منحىً ممتعاً، لكنه يفتقر إلى اللحظات الكوميدية الكافية. غالباً ما ينجح هذا النوع من الأفلام بفضل الخيارات التي تقوم بها الشخصيات، وقد يكون الجانب المريب والخبيث في شخصية لونغ من أبرز العوامل المنطقية في هذه القصة.
لا يقدّم الفيلم أي أفكار جديدة وغير متوقعة، ولن يكون استعماله لمدينة «ديترويت» كشخصية بحد ذاتها كافياً لتبديد النزعة إلى مقارنته بفيلم الرعب Don›t Breathe (لا تتنفس)، ومع ذلك يبقى العمل جريئاً ومثيراً للفضول بسبب الجوانب الفنية التي يضفيها كريغر على مشروعه. في غضون ذلك، يبرع صانعو العمل في تقطيع المشاهد فجأةً وينقلون المشاهدين من لحظة مرعبة إلى فترة زمنية مختلفة أو عقدٍ آخر، ما يسمح للجمهور بتنفس الصعداء والتركيز على التفاصيل التي تضمن تقديم قصة متماسكة بحلول النهاية. كذلك، تبدو طريقة عرض تلك العناصر الجديدة واعدة، فهي تقدّم حبكات مميزة تحت إشراف مدير التصوير زاك كوبرستين الذي يحرص على عرض جوانب مختلفة من القصة ولقطات مطوّلة عند الحاجة، فيملأ الفيلم بأجواء مشحونة. تشير جميع تفاصيل الفيلم إلى عنوانه، لا سيما صوت البكاء والصراخ في الموسيقى التصويرية التي تحمل توقيع آنا دروبيش. ينتج هذا الأسلوب مجموعة مجازية من المرايا التي تعكس مكنونات الشخصيات وينشر جواً بغيضاً بشكل عام.
قد تكون هذه العناصر كافية لجعلنا نتغاضى عن شوائب أول فصلَين من الفيلم، إذ تفتقر الأحداث في تلك المرحلة إلى الذكاء الذي يسمح بتقديم قصة رعب ناجحة. على صعيد آخر، يتعثر الفيلم حين يتخذ كريغر قرارات لا تناسب أجواء العمل. في قصة ترتكز على تعدّد الأبواب المخيفة، تبدو نزعة الشخصيات إلى فتحها والنظر وراءها واستكشاف الأماكن مفتعلة على نحو مريع، إذ تفتقر تصرفات الشخصيات إلى المصداقية والإقناع في هذا النوع من المشاهد. سرعان ما يُركّز الفيلم بكل بساطة على تقديم لحظات مرعبة، فيتدهور مستواه بكل وضوح.
لكن رغم المقاربة المبسّطة التي يختارها كريغر للتعامل مع شخصياته أحياناً، يبرع المخرج عموماً في نقل أجواء القلق المحيطة بمعظم الأحداث، فيشعر الجمهور بأنه يشاهد هذا الفيلم الجامح في صالة السينما المظلمة. لكن لن يكون التحديق بالإضاءة الداكنة ممتعاً طوال الوقت، ولا مفر من توتر المشاهدين في لحظات كثيرة.