د. مجيد مطر

وفيق لم يكن موفقاً

اعتاد "حزب الله"، أي تطبّعَ مع الامر، أن يفترض المؤامرة، فيعمل على أساسها،  بنتيجة هذا السلوك المستغرب نبتت منظومةُ افكارٍ مفارقة للواقع تضع السياسة لدى الحزب المستقوي بين حدّي تخوين الداخل واتهام الخارج، الداخل اللبناني الذي لا ينفك يتحيّن الفرص للنيل من الحزب وحضوره العسكري والسياسي، والخارج الذي لا شغل له في هذا العالم سوى الانقضاض على انجازت المحور الذي تقهقر نفوذه  بعد التحولات الميدانية والسياسية في سوريا التي شكّلت عصب المشروع الايراني في المنطقة العربية.


ما صرّح به مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في "حزب الله" وفيق صفا بحق سمير جعجع  الذي وصفه "بأنه مشروع فتنة وتدميري في البلد" يشبه في سياقه الاتهامي ما سبق لنا أن سمعناه في المعنى وإن اختلف بالمبنى الحرفي بحق ميشال عون الحليف الامتن والنموذجي الحالي لـ"حزب الله" في ثمانينات القرن الماضي وقد نشرته الصحف اللبنانية آنذاك على لسان الراحل السيد حسن نصر الله حيث قال ما حرفيته " في خضم الاحداث في لبنان تبرز مشكلة اسمها اتفاق الطائف ومشكلة اسمها ميشال عون" الذي وصفه "بأنه حالة اسرائيلية صدامية وتدميرية...".


إنها الثقافة ذاتها، ومنظومة الافكار نفسها التي تحتدم عند كل مفترق سياسي، أو حدث خطير يتعرض له لبنان خصوصاً عندما يكون "حزب الله" نفسه هو المسبب لتلك الاحداث والمآسي التي تصيب لبنان. فبعد حرب 2006، استلَّ الحزب من مخزونه التخويني المتضمن عنفاً معنوياً ليتهم فؤاد السنيورة وفريقه السياسي بالخيانة والتآمر على المقاومة وحزبها، ولا ضرورة للإشارة الى أن تلك الاتهامات غالباً ما تأتي على وقع الموافقة والقبول باتفاقيات وقف اطلاق النار على غرار الموافقة على القرار 1701 في العام 2006، واتفاق وقف اطلاق النار الراهن، الذي وضع حداً للعدوان الاسرائيلي الاخير على لبنان.


الخطورة في الأمر أن "حزب الله" يسقط وعيه الخاص به، النابع في الأصل من فرض محظورات ثقافية على أنصاره ومريديه، فتلك المحظورات الثقافية ذات بنية دينية لا يمكن لها أن تتعايش مع أي احتمال، ولو ضئيل، مع مجرد طرح الاسئلة البديهية البشرية، التي من المفترض أن يطرحها المواطن العادي حيال أي سياسة أو سلوك عام من السلطة أو غيرها، ما يحجب بالضرورة المساءلة وينفيها بشكل يومي عبر خطاب تخويني المحتاج الى "العدو الدائم" الذي يبرر فكرة "الحزب الحامي" لناسه وجمهوره، وعليه تصبح كلُّ تلك الحروب والمغامرات في الداخل والخارج والتي تسببت بمصائب وكوراث للبنان واللبنانيين على محتلف انتماءاتهم، بمنأى عن المحاسبة. أنه شيئ يشبه فكرة "الخلاص الماورائي" التي تنفي مجرد امكانية الوقوع في الخطأ، التي تتعارض بدورها مع فكرة أن السياسة حقل بشري يحتمل الخطأ كما الصواب.


ومن خلال اسهامات تجربة اللبنانيين مع سلوك "حزب الله" منذ 2005 الى اليوم يصبح من الملائم القول إننا بصدد قوة تريد أن تكون شريكة في الغنم لا في الغرم، فطوال العقود الماضية تم اغراق الدولة اللبنانية في حروب وأزمات فُرضت فرضاً من دون العودة الى إلزامات الدستور والقانون، وجميعها تندرج في خدمة مصالح المحور الايراني برمته الذي بنى كل مواقفه على فكرة أن لبنان دولة قاصرة لا تعرف مصالحها وهي بحاجة لمن يرشدها الى من هو العدو ومن هو الصديق.


السياسة بمفهوما العام والبسيط لا يمكن أن تقرأ من خارج التحولات، وبالتالي يجب أن تبقى مشروطة في فهم الواقع وما يمكن أن يحدثه من متغيرات، وكل سياسة لا تعي ما يحدث من حولها، تصبح كناية عن سلوك متمادٍ في الخطأ أو الاستقواء لا فرق.


إن خطاب التخوين يراد منه التحكم في سلوك الأفراد ووعيهم، للتلاعب بمصيرهم وخياراتهم السياسية والمجتمعية، وكأن المطلوب أن يبقى هذا البلد يختبر الأزمة تلو الازمة من دون الاكتراث لحاجة الشعب الى الاستقرار في خضم تلك التحولات الكبرى المحيطة بنا، والتي تشير الى أن ثمة مرحلة جديدة في المنطقة عنوانها الازدهار وبناء مستقبل جديد بعيد عن الحروب والجهل والتعصب.


لقد أثار تصريح وفيق صفا الاستغراب، وقد جاء من خارج السياق الذي عبّر عنه حزبه إبان الوقفة التضامنية للشعب اللبناني بمختلف مكوناته في اثناء العدوان الاسرائيلي مع النازحين من الجنوب والضاحية والبقاع، والتي توقف عندها الامين العام الحالي للحزب الشيخ نعيم قاسم، حيث توجه الى اللبنانيين قائلا إن "اسرائيل هي التي تعطل حياتنا جميعا وأن التفافكم الوطني اليوم يزيد اللحمة، وسنكون معاً إن شاء الله".


كان لبنان واللبنانيون بغنى عن ذلك التصريح غير الموفق لا في المكان ولا في الزمان، فعلى ما يبدو إن طبع "حزب الله" يغلب تطبّعه... ولات حين ارتكاب الاخطاء القاتلة.