روي أبو زيد

الكاتب اسكندر نجّار لـ"نداء الوطن": أدافع عن الحريّات... والكاتب أهمّ من الوزير!

17 آب 2019

01 : 27

ما هو المحفّز الذي يدفعك إلى الكتابة دوماً؟

الكتابة ليست تسلية بالنسبة لي، إنها حاجة! إذ لها بعد فلسفي كون التعبير الفني يعطي معنى للحياة ويشكّل انتصاراً على الموت، إذا اعتبرنا مع الكاتب ميشال بوتور أنّ "كل كلمة مكتوبة هي انتصار على الموت"، أو إذا أخذنا بنظرية الكاتب ألبير كامو حين رأى أنّه "عندما تخلق تعطي شكلاً لمصيرك". لذا يبقى الإبداع تعبيراً عن الذات وتأكيداً على أنّك حيّ، فالحياة ليست غرفة انتظار أو مجرّد معبر، إذ يترك الفنان بصمته ليثبت أنّه "مرّ من هنا"! مع الإشارة الى أنّ هناك قواسم مشتركة بين مهنتي كمحام وشغف الكتابة، إذ تلعب الكلمات دوراً رئيساً في الحالتين كما أنّ المحامي والكاتب يدافعان سويّاً عن الحريات ويكافحان من أجلها.

ما الرسائل التي تريد ايصالها من خلال كتاباتك؟

مفهوم الحريّة هو الغالب على كتاباتي، إذ تناولت سيرة جبران خليل جبران الذي كان رمزاً للتحرّر من جميع القيود، كما تحدّثت عن حرب التحرير اليونانية في كتابي "أثينا"، أو عن طغيان أدولف هتلر في "برلين 36"، أو حتى مقاومة أهل صور ومواجهة الاسكندر في روايتي "حصار صور". لذلك، تبقى الحرية هاجسي الأوّل، خصوصاً في عالمنا العربي حيث الحريات في خطر دائم.

أخبرنا عن كتابك "ميموزا" وترجمته إلى الإسبانية؟"ميموزا" يتحدّث عن والدتي التي كانت على غرار العديد من الأمهات اللبنانيات، امرأة مميّزة وشجاعة، لعبت دوراً أساسياً في حياتي وتمكّنت من تربية ستة أولاد بينهم توأمان، رغم ويلات الحرب. صدر الكتاب باللغتين العربية والاسبانية وهو في طور الترجمة الى الإنكليزية. تجدر الإشارة الى أنني حين أتكلّم عن والدتي أدعو القارئ الى التفكير في علاقته مع والدته وأضيء على أسس العلاقة التي يجب أن تجمع الأم بأولادها.

هل يلحظ الكاتب أموراً في الحياة قد لا يتمكّن غيره من ملاحظتها؟

بالطبع، فالكاتب هو أفضل مراقب لعصره، إذ يوثّق من خلال كتاباته ما يدور في مجتمعه. لكنّه مدعوّ الى تحويل الواقع عبر خياله وأسلوبه الى مادة أدبية مميّزة ترفع الكتاب من مستوى التوثيق الى مستوى الإبداع.

لماذا لم نرك وزيراً حتى الآن؟الكاتب أهم من الوزير! شغلت منصب مستشار لوزراء ثقافة عدة منذ العام 1999 ولعبتُ دوراً فعّالاً في هذا المجال يشهد له الجميع. أرفض الاصطفاف الحزبي أو الطائفي. طُرح اسمي مرّتين كوزير ثقافة في حكومة تكنوقراط، لكنّ حكومات التكنوقراط لا تلقى استحساناً لدى بعض الأحزاب المتمسّكين بحقائب وزارية تسهّل عليهم تمرير الصفقات والحصول على الأموال!

من هو مثالك الأعلى في الحياة؟

السيد يسوع المسيح، إذ كان ثورجيّاً، مسالماً ومرسالاً للمحبة، كما أنّه أطاح تعاليم عصره البالية واستبدلها بأخرى جديدة لا تزال تحاكي عصرنا.

أي كتاب قرأته وأثّر بك؟طرحتُ هذا السؤال يوماً على البطريرك صفير رحمه الله فأجابني مبتسماً: "إتّق شرّ قارئ الكتاب الواحد!" وهي عبارة للقديس توما الأكويني. أثّرت بي مؤلّفات عدة، لكنّ الأدباء جبران خليل جبران وألبير كامو وغوستاف فلوبير وفكتور هوغو لعبوا دوراً أكيداً في تنمية ثقافتي الأدبية.



هل ما زال الكاتب يستطيع أن يؤثر في مجتمعه؟ وكيف تقيّم وضع المجتمع الثقافي حالياً؟لا يلعب المثقف اليوم الدور الذي كان يلعبه سابقاً، كما في عصر النهضة مثلاً. والسبب في ذلك عدم تقدير المجتمعات المعاصرة، خصوصاً العربية منها، أهمية الثقافة فلا يولون الاهتمام الكافي لأفكارهم، بل يستمعون لآراء رجال السياسة والدين فقط. ولهذا السبب، يبتعد الشباب عن الإنسانيات (Humanités) أما الحكومات والوزارات المعنية فلا تدعم المبدعين كما يجب بحجّة عدم توفّر الأموال اللازمة. تقول إحدى شخصيات روايتي، "الفلكي": "البلد لا يموت عندما يكون محتلاً، بل عندما تزول ثقافته". ولبنان لا يزال صامداً على رغم العواصف التي واجهها بفضل ثقافته الحيّة والمتوارثة. لكنّني لا أستبشر خيراً من التلاشي الذي نعيشه حاليّاً، فنحن بحاجة ماسة الى نهضة جديدة على مستوى لبنان والعالم العربي.

كيف يمكن لإيمانك أن يظهر في كتاباتك؟الروائي ليس مبشّراً، والإيمان موضوع خاص وشخصي. لكنّ ثقافتي المسيحيّة تتجلّى في بعض مؤلفاتي ككتابي عن "يوحنا المعمدان"، أو "أبونا يعقوب الكبوشي" أو في روايتي "قاديشا". حتى أنني تناولت شخصية الأب الألماني فرانس ستوك في كتاب "هاري وفرانز" وهو كان زائراً للسجون الفرنسية أيام الاحتلال النازي، وبقي هذا الأب "طاهراً" بالرغم من الفساد الذي كان يحيطه آنذاك.

ما الذي تحرص على إيصاله لأولادك؟أنا حريص على ترسيخ حبّ القراءة عند ولديّ، خصوصاً أنّ أجيالنا الحالية في لبنان ابتعدت عن ثقافة القراءة بعدما حلّت المساحات الرقمية محلّ الكتاب. لذلك يجب على الأهل والمدارس ووزراء التربية والثقافة العمل على تحفيز القراءة لدى الأطفال لأنها تبقى الوسيلة الفضلى للتثقيف، فالانترنت لا يحلّ مكان القراءة بل يكمّلها.

هل تعتبر نفسك حامل مشعل الكتّاب الفرنكوفونيين؟الفرنكوفونية موجودة من قبلي وستستمرّ من بعدي، كما أنّ ثمة أدباء لبنانيين كثراً غيري يكتبون بالفرنسية كأمين معلوف وصلاح ستيتيه... ولا يمكن اعتبار الفرنكوفونية من رواسب الانتداب الفرنسي أو أداة للهيمنة، بل هي وسيلة لحوار الثقافات ونافذة للبنان على العالم ومصدر غنى لثقافتنا. لا يمكن للبنان أن يتقوقع خصوصاً أنّ اللبناني منفتح على الآخر مع تشبّثه بهويته وانتمائه العربي.

ما هي حكمتك في الحياة؟

الحبّ هو محرّك الحياة والعزاء في المحن. الحبّ لا يموت لأنّ "الموت أقوى من الحياة، ولكنّ الحبّ أقوى من الموت" كما يقول جبران.



ما هي إصداراتك المقبلة؟

ستصدر كتبي قريباً في طبعات الجيب (Livre de poche) وستترجم أخرى الى لغّات أجنبية. وأنا اليوم في طور الكتابة، والواقع أنني أشكو من كثرة الأفكار ولا أعرف عقدة الصفحة البيضاء!


MISS 3