ريتا عازار

أهلاً بك في سينما دنيا الأحلام

حين يستريح دماغنا ويُخرج أفلاماً كوميدية مرعبة

هل سبق أن استيقظت متعرِّقاً لأنك كنت تحلم بأنك تقدّم نشرة الأخبار، لكن بدلاً من الأوراق او الملقِّن أمامك، وجدتَ طبقاً من الملوخية؟ أو حلمتَ أنك دخلت إلى اجتماع مهمّ، لكن لسبب غير مفهوم كنت ترتدي بطانيّة ملفوفة حولك كأنك سيخ شاورما؟ نعم، هذا هو الدماغ أثناء النوم، يقرّر أن يأخذ استراحة من الواقع، ثم يبالغ في الاستراحة حتى يصنع لنا فيلماً من أفلام الفانتازيا، دون إذننا، ودون حتى أن يدفع لنا مقابل التذاكر. وإن استيقظت مذعوراً من حلمٍ أنك في مقابلة عمل، لكن لسبب غامض كنت ترتدي بيجاما على شكل دبّ باندا، فأهلاً بك في سينما دنيا الأحلام، حيث المنطق في إجازة دائمة، والدماغ يعرض عليك فيلماً مجنوناً لم توافق على مشاهدته!


من أعجب قوانين الأحلام أنه لا يمكنك الهروب أبداً كما تريد. مهما كنت رياضياً في الواقع، إذا قرّرت الجري في حلمك، تتحوّل الأرض إلى إسمنت لزج، وساقاك تصبحان كالمعكرونة المسلوقة، بينما الوحش الذي يطاردك يجري كأنه تدرّب على الأولمبياد. والأسوأ؟ أنك حتى لو قرّرت الاختباء، فإنّ جسمك بالكامل يختفي، لكن رأسك يبقى ظاهراً بوضوح، وكأنّ دماغك قرر أن يلعب ضدّك!

لماذا يتباطأ كلّ شيء عندما تحتاجه سريعاً؟ إذا كنت تريد فتح باب للهرب، فإنّ يدك تصبح مثل يد تمثال قديم غير قادرة على الحركة. لكن، عندما تحتاج للهدوء، فجأة تقفز من نافذة الطابق العاشر دون أدنى مشكلة، بل وربما تكتشف أنك تطير أيضاً!



رعب الاستيقاظ

أسوأ ما يمكن أن يحدث في أيّ حلم ليس الكابوس نفسه، بل لحظة الاستيقاظ منه! لماذا يستيقظ الإنسان فجأةً وكأنه سقط من طائرة؟ لماذا يشعر أنه انطلق من سريره بسرعة الضوء؟ والأهم، لماذا هذه الحركة الغريبة التي نقوم بها وكأننا صُعقنا بالكهرباء؟ لا أحد يعلم، لكنّ الأكيد هو أنّ الأحلام ليست سوى وسيلة دماغنا ليتسلى بنا كل ليلة ومجاناً!


فرويد وأم خليل

إن خطر في بالك أن تسأل فرويد عن معنى حلمك، فسيغمض عينيْه، يتنهّد بعمق، ثم يقول لك بثقة عميقة: "كل شيء يعود إلى مشاعر دفينة منذ الطفولة، حتى لو كان حلمك مجرد رؤية بطّة تمشي بحذاء رياضي!". نعم، بطّة! فرويد كان يؤمن أنّ كلّ شيء يتعلّق بالطفولة، حتى لو كان الحلم عن بطّتك الرياضية التي تتدرب على الجري في سباق مع الإوزّة!


أما كارل يونغ، فسيضع يديه على ذقنه ويتأمل بعينيْن حكيمتيْن، ثم يهزّ رأسه ببطء قائلاً: "البطّة تمثّل اللاوعي الجماعي. نعم، هذه هي الرؤية العميقة!". هو يعشق الأشياء الغامضة، لكنّه ينسى أنّ البطّة فعلاً مجرّد بطّة جائعة تبحث عن طعام، أما أنت فغارق في التفكير حول إذا كانت البطّة قد تطور وعياً جماعياً!


لكن دعك من هؤلاء العظماء، لأنّ التفسير الحقيقي تجدُه عند جارتك أم خليل، خبيرة الأحلام غير الرسميّة، التي تستطيع تحويل أي حلم إلى نبوءة عظيمة، وأحياناً تفسِّر حلمك بطريقة تشعرك أنك قد تكون على موعد مع مصير عظيم، حتى لو كان حلمك عن غسّالة قديمة فحسب.


حلمتَ أنك تشتري حذاءً جديداً؟ لا تفرح كثيراً، لأن أم خليل ستخبرك بكل بساطة: "يا حبيبي، هذا يعني أنك ستسافر قريباً!". لكن، هل لديك خطة للسفر؟ أم أنك فقط ستنتعل الحذاء لرحلة إلى السوبر ماركت؟


رأيتَ سمكة في المنام؟ مبروك عليك! هذا يعني أن هناك رزقاً في الطريق! لكن لا تفرح بسرعة، لأنّ السمك يحبّ البحر أكثر منك، وبالتالي قد يتأخر الرّزق قليلاً، لكن لا بأس، فالسمك عندما يقترب منك قد يحتاج إلى تأشيرة دخول، فاطبعها له.


الأكل قبل النوم


كلّنا نعرف هذا السيناريو: نأكل وجبة ثقيلة، ننام، ثم تبدأ الحفلة في أدمغتنا. فجأةً، نجد أنفسنا في سباق مع سلحفاة ناطقة، أو في مطاردة مع تمساح يرتدي بدلة رسمية. لماذا؟ لأنّ الدماغ ببساطة لا يستطيع التعامل مع طنجرة المحشي التي ابتلعناها قبل النوم! العلم يقول إن الأكل قبل النوم يجعل عملية الهضم تتداخل مع مراحل النوم، ما يتسبّب بأحلام مشوّشة وأحياناً مزعجة.


أي إذا تناولت رغيف همبرغر ضخماً قبل النوم، فاستعد لأن تحلم بأنك قطّ صغير يحاول سرقة برغر عملاق من ثلّاجة تتحرّك. ومن الأطعمة الخطيرة جداً قبل النوم، الأجبان التي قد تجعلك تحلم بأنك فارس من العصور الوسطى في معركة ضد جيش من الجبنة الذائبة. أما الأطعمة الحارّة فكفيلة بوضعك في "فيلم أكشن" حيث تهرب من تنّين يطلق نار الحرّ الأحمر الملتهب! الشوكولاتة من جهتها ستمنحك أحلاماً مليئة بالطاقة، لدرجة أنك قد تجد نفسك تركض في ماراثون مع أرنب بحجم سيارة.


أحلام غريبة ورسائل كونية

البعض يعتقد أنّ للأحلام معاني عميقة، والبعض الآخر يراها مجرد نفايات عقليّة يطردها الدماغ ليلاً. لكن كيف تفسّر الأحلام التي لا معنى لها أبداً؟ كأن تحلم بأنك تقود سيارة مصنوعة من فقاقيع الشمبانيا، أو أنّ رئيسك في العمل هو في الواقع رجل ثعلب يرتدي قبعة؟ لا تحاول التفسير فكلّهم سيسألونك: ماذا أكلت قبل النوم؟


المشكلة ليست فقط في غرابة الأحلام، بل في طريقة تصرُّف الدماغ وكأنّ حياته تعتمد على هذا الفيلم العشوائي الذي يعرضه لنا كلّ ليلة. لماذا عندما نكون في حلم، لا نتصرف بعقلانية؟. إذا كنا نطير في السماء، لماذا لا نستمتع بالأمر بدلاً من الصراخ "يا إلهي، أين جواز سفري؟".


وإذا كنا نحلم بأننا في مدرسة قديمة، لماذا لا نسأل "لحظة، ألم أتخرّج منذ 15 عاماً؟" لكن لا، عقلنا يقرّر عيش الدراما كأنها حقيقة مطلقة.


قانون الأحلام


في الأحلام قاعدة ذهبيّة: عندما نحتاج إلى الجري، تتحول سيقاننا إلى طين! وعندما نحاول الصراخ، نخرج أصواتنا كأننا نتكلم تحت الماء! أما عندما نحاول اللّكم، فذراعنا تتحرك ببطء وكأنها مغموسة في العسل. لكنّ العكس تماماً يحدث عندما نكون في موقف لا يستدعي القتال، فجأة نصبح مقاتلي "كونغ فو" محترفين، نصدّ الضربات، نقفز في الهواء، ونقوم بحركات بهلوانية لم نحلم بها حتى في اليقظة! لماذا؟ لأن عقولنا قرّرت أن تسخر منا!


لكن، ما الذي يؤثر في الأحلام غير الوجبات الثقيلة؟


- التوتّر: فإن كنت غارقاً في مشاكل اليوم، استعد لأن تحلم أنك تحاول إنقاذ مكتبك من هجوم كائنات فضائية باستخدام قلم حبر!


- المسلسلات المهووس بها: إذا كنت تشاهد مسلسلاً مليئاً بالدراما، لا تستغرب إذا حلمت أنك تتفاوض مع مخلوقات من عالم آخر في اجتماع مجلس الأمن!


- الإفراط في التفكير بالغد: إن كنت تخطّط لليوم التالي، فاستعد لحلم اجتماعات لا تنتهي وأنت تحاول إقناع مديرك أنه ينبغي فتح الحمّام على المكتب!


في النهاية، إذا كانت أحلامنا مليئة بالهزائم البطولية أو الرحلات الفضائية، فربما علينا أن نبدأ بمراجعة ما نأكله أو نشاهده قبل النوم! أو فلنستمتع بها، فهي مجانية "وكل شي ببلاش كتّر منو"... فلنحلم ونحلم وتبّاً لفرويد ويونغ وأم خليل "فوق البيْعة"!