بعد سجال لعدة اسابيع وخلافات أخذ ورد، وقّعت الولايات المتحدة وأوكرانيا "اتفاقية الموارد المعدنية"، التي تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين ودعم إعادة إعمار أوكرانيا بعد سنوات من الحرب مع روسيا.
وتُعد هذه الاتفاقية خطوة بارزة في تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث سيتم فوراً إنشاء صندوقًا مشتركًا للاستثمار في الموارد الطبيعية الأوكرانية، مع التركيز على استخراج المعادن الحيوية مثل الليثيوم والغرافيت والتيتانيوم واليورانيوم، بالإضافة إلى النفط والغاز.
وتُعتبر هذه الاتفاقية جزءًا من "خطة النصر" التي أعلنها الرئيس زيلينسكي في أكتوبر 2024، والتي تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الأوكراني وجذب الدعم الغربي لإنهاء الحرب. كما تُستخدم الاتفاقية كورقة ضغط في المفاوضات مع روسيا، حيث تُظهر التزامًا أمريكيًا طويل الأمد بأوكرانيا.
مع ذلك، لا تزال هناك تحديات، مثل صعوبة الوصول إلى الموارد في المناطق التي تحتلها روسيا، واستمرار الهجمات الروسية، مما يُعقّد جهود السلام.
توقيع هذه الاتفاقية مر بتوترات ملحوظة ومفاوضات عسيرة، خاصة بعد الخلاف العلني بين الرئيسين دونالد ترامب وفولوديمير زيلينسكي في فبراير 2025، عندما رفض زيلينسكي مسودة أولية للاتفاقية كانت تتضمن شروطًا اعتبرها مجحفة، مثل تحويل المساعدات الأمريكية السابقة إلى ديون مستحقة رغم تقديم إدارة بايدن المساعدات العسكرية كهبات دون قيود الى كييف.
فبعد تعديلات متعددة، تم التوصل إلى نسخة نهائية لبت بعض مطالب أوكرانيا، اهمها الحفاظ على السيادة على الموارد الطبيعية وعدم تحويل المساعدات السابقة إلى التزامات مالية، في وقت يستمر الحوار حول استمرار دور الولايات المتحدة الأمريكية في دعم كييف في كل المجالات.
ونشرت صحيفة واشنطن بوست اهم بنود هذه الاتفاقية، التي تعتبر اتفاقية تاريخية للجانب الأوكراني، والتي تتضمن ٤ نقاط رئيسية وهي:
إنشاء صندوق إعادة الإعمار المشترك والذي ستتم إدارته بشكل مشترك بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، مع حقوق تصويت متساوية، ويُموّل من عائدات تراخيص التعدين والطاقة الجديدة .
التزام أوكرانيا بتحويل 50% من عائدات الموارد الطبيعية المملوكة للدولة إلى الصندوق، مع ضمان إعادة استثمار الأرباح داخل أوكرانيا لمدة لا تقل عن عشر سنوات .
إحتفاظ أوكرانيا بالملكية الكاملة لمواردها، ولا يُطلب منها سداد المساعدات العسكرية الأمريكية السابقة، والتي تجاوزت 72 مليار دولار .
ابدت قيادات سياسية في أوكرانيا ارتياحا لتوقيع هذه الاتفاقية حيث سيفتح الصندوق مجال استثمارات من القطاع الخاص لتطوير مشاريع التعدين والطاقة والبنية التحتية، مع دعم من مؤسسات مثل مؤسسة تمويل التنمية الأمريكية، وسيوفر أيضاً التمويل للمشاريع الهامة في مجال تطوير المعادن، والتي ستساهم في تنمية اقتصاد أوكرانيا، كما ينحصر استثمار موارد الصندوق في أوكرانيا في مشاريع التعدين أو إعادة تأهيل البنية التحتية التي تعرضت لاضرار جسيمة بفعل الهجمات الروسية.
ويعتبر بند حق أوكرانيا بالسيطرة الكاملة على مواردها الخاصة من مكتساب الاتفاقية التي تحافظ على سيادة الدولة كما ستظل الشركات المملوكة للدولة في ملكية أوكرانيا، كما تتماشى هذه الاتفاقية مع الدستور، ولا تعيق بأي شكل من الأشكال اندماج أوكرانيا في أوروبا، ولا تنتهك التزامات كييف الدولية الأخرى، الامر الذي ادى الى ارتياح شركاء أوكرانيا الاوروبيين.
ايضا تعتبر هذه الاتفاقية أداة لجذب الاستثمار في تنمية الاقتصاد الأوكراني وتعميق الشراكة الاستراتيجية بين أوكرانيا والولايات المتحدة
على الرغم من أهمية الاتفاقية الاقتصادية، إلا أنها لا تتضمن ضمانات أمنية صريحة لأوكرانيا، وهو ما كان مطلبًا رئيسيًا من قبل زيلينسكي، حيث تنص الاتفاقية فقط على دعم الولايات المتحدة لجهود أوكرانيا في الحصول على ضمانات أمنية، دون التزام محددة.
توقيع هذه الاتفاقية شهد ردود فعل دولية خاصة من روسيا عندما أدان الكرملين الاتفاقية، واعتبرها محاولة أمريكية للسيطرة على الموارد الأوكرانية، وهدد بردود فعل قوية .
أما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد وصف الرئيس ترامب الاتفاقية بأنها "مربحة" وتُعزز موقفه في المفاوضات مع روسيا، معتبرًا انها نقطك مهمة في طريق إنهاء هذا الصراع، كما رحب المسؤولون الأمريكيون بالاتفاقية، واعتبروها خطوة نحو تعزيز الاستقرار الاقتصادي في أوكرانيا وتقليل الاعتماد على الصين في مجال المعادن الحيوية .
فرصة للسلام أم استمرار للصراع؟
بينما تُعد الاتفاقية إنجازًا اقتصاديًا، إلا أن غياب الضمانات الأمنية يثير تساؤلات حول فعاليتها في تحقيق السلام الدائم. ترى بعض المصادر الغربية أن الاتفاقية قد تُستخدم كوسيلة للضغط على روسيا، بينما يعتبرها آخرون خطوة نحو تعزيز النفوذ الأمريكي دون تقديم حماية فعلية لأوكرانيا .
تمثل اتفاقية الموارد المعدنية بين الولايات المتحدة وأوكرانيا خطوة مهمة في مسار إعادة إعمار أوكرانيا وتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين. ومع ذلك، فإن غياب الضمانات الأمنية الصريحة يترك أوكرانيا في موقف ضعيف، لكن تسعى أوكرانيا إلى الوصول لاتفاق مع شركائها للوصول الى صيغة تعوض النقص في الدعم العسكري بعد غياب الدور الأمريكي، الأمر الذي يُظهر الحاجة إلى مزيد من الدعم الدولي لضمان سيادتها واستقرارها في مواجهة التحديات المستمرة.
في أعقاب توقيع اتفاقية الموارد المعدنية بين الولايات المتحدة وأوكرانيا والتي تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي ودعم إعادة إعمار أوكرانيا، جاء الرد الروسي بشكل سريع عندما شهدت مدينة أوديسا تصعيدًا عسكريًا روسيًا جديدًا، مما يسلط الضوء على التحديات الأمنية المستمرة التي تواجهها أوكرانيا.
وعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية التي تبذلها أوكرانيا والولايات المتحدة وأوروبا، تواصل روسيا هجماتها على خط الجبهة والإرهاب الجوي ضد المدنيين الأوكرانيين في نعظم المدن الأوكرانية. ففي التفاصيل استهدفت القوات الروسية مدينة أوديسا بصواريخ باليستية، مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ثلاثة آخرين، بالإضافة إلى تدمير مبانٍ سكنية وتضرر البنية التحتية المدنية.
وقد تكررت الهجمات الروسية على موانئ أوديسا، بما في ذلك ميناء إسماعيل، الذي يُعد منفذًا رئيسيًا لصادرات الحبوب الأوكرانية. في إحدى الهجمات، قُتل شخص وأصيب آخرون، وتضررت البنية التحتية للميناء، مما يهدد الأمن الغذائي العالمي، خاصة للدول التي تعتمد على واردات الحبوب من أوكرانيا.
وأدان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الهجمات الروسية، متوعدًا بالرد عليها ومؤكدًا أن "الشر الروسي سيخسر". كما أعربت دول عديدة عن قلقها من استمرار التصعيد العسكري وتأثيره على الاستقرار الإقليمي والأمن الغذائي العالمي.
رغم توقيع اتفاقية الموارد المعدنية، يظل غياب الضمانات الأمنية الصريحة لأوكرانيا مصدر قلق، خاصة في ظل استمرار الهجمات الروسية على المدن والموانئ الأوكرانية. يُظهر هذا الوضع الحاجة إلى دعم دولي أكبر لضمان سيادة أوكرانيا واستقرارها، وتحقيق سلام دائم في المنطقة.
تُبرز هذه التطورات أن الاتفاقيات الاقتصادية وحدها لا تكفي لضمان الأمن والاستقرار، وأنه من الضروري توفير دعم أمني وسياسي شامل لأوكرانيا لمواجهة التحديات المستمرة.
وتسعى أوكرانيا إلى تحقيق سلام شامل ومستدام، فترى كييف أن الخطوة الأولى نحو السلام هي وقف إطلاق النار الكامل وغير المشروط، لكنها تعتبر ان موسكو لا تسعى إليه، بل تسعى إلى مواصلة عدوانها، كما تستخدم موسكو الكلام الدبلوماسي للمماطلة، آملةً في أن يسحب الغرب دعمه لأوكرانيا.
ويرى عدد من السياسيين الأوكرانيين أن الهدف الحالي لبوتين هو ”تجميد النزاع“ مؤقتًا دون ضمانات لأوكرانيا من أجل تأمين تخفيف العقوبات واستعادة القوة لشن هجوم جديد لإحتلال مزيد من الأراضي الأوكرانية، ويعتبر بعضهم أن الطريق إلى السلام يأتي عبر زيادة العقوبات على روسيا لإجبار الكرملين على إنهاء الحرب.
وتُعد "اتفاقية المعادن" بين أوكرانيا والولايات المتحدة خطوة استراتيجية لتعزيز الاقتصاد الأوكراني وجذب الدعم الغربي، لكنها ليست حلاً نهائيًا لإنهاء الحرب، ورغم أنها تُظهر التزامًا أمريكيًا طويل الأمد بدعم أوكرانيا ، لكنها تفتقر إلى ضمانات أمنية صريحة، مما يُبقي مستقبل السلام في أوكرانيا غير مؤكد.