روي أبو زيد

هل أعاد "غربة" الدراما اللبنانيّة من غربتها؟

21 تشرين الأول 2020

02 : 00

ما يميّز رساماً عن آخر في الحقبات كافة لوحاته الممزوجة ألوانها بهويّته الخاصة، بعد نظره وعمق أفكاره في إيصال الرسائل لكلّ من يشاهدها. وفي هذا السياق، يُعتبر مسلسل "غربة" الذي انتهت شاشة الـ"ال. بي. سي" من عرض حلقاته أمس  لوحة فنية مميّزة في الدراما المحلية، شكّل خليط فريق عملها وممثليها لوحة نابضة حياة وفرحاً وأملاً بأنّ الدراما المحلية تستعيد رونقها رويداً رويداً. ما يميّز هذا العمل حبكة قصصية متماسكة (سيناريو وحوار ماغي بقاعي) وأحداث مستفزّة بامتياز، تحثّ المشاهد على ترقّب كل مشهد ومراقبة كلّ حركة يقوم بها طاقم تمثيليّ متجانس ومتكامل.

يعود "غربة" الى خمسينات القرن الماضي، فنسافر الى حقبة ذهبية عاشت فيها بيروت آنذاك. لذا تكمن ميزة المسلسل بأنّه العمل اللبناني الأول الذي يتناول هكذا حقبة من دون أن يتطرّق الى الاحتلال العثماني أو الانتداب الفرنسي كما جرت العادة. وتمتد أحداث المسلسل من العام 1956 الى العام 1965، لكنه يقدّم ابطالاً "من لحم ودم"، يرتكبون الأخطاء، غير مثاليين.






ليليان بستاني: راهنتُ على أسماء تشقّ طريقها حديثاً

تشير مخرجة العمل ليليان بستاني في حديث لـ"نداء الوطن" الى أنّنا "حين استلمنا النص من الكاتبة، كانت الأحداث فيه معاصرة ولا تتناول حقبة من بيروت القديمة، لكن طلبنا من بقاعي أن تعيد صياغته وجعل الأحداث حقبة الخمسينات، خصوصاً وأنّ هذه الحقبة لم يتم تناولها في الدراما اللبنانية قبلاً وهكذا حصل".

وتكشف بستاني أنّنا "استغرقنا سنتين لتحضير عمل كامل متكامل من كتابة نص مشوّق فضلاً عن القيام بالأبحاث المناسبة لوضع أجواء المسلسل في حقبة الخمسينات"، مردفة: "خليط الممثلين كان رائعاً. أسندت دور البطولة لفرح بيطار لأنّ مظهرها وعمرها مناسبان لتجسيد الدور، فخضنا التحدي معها وأدركنا بأنها على "قدّ الحمل"، خصوصاً كانت محاطة بممثلين قديرين وآخرين في فئة عمرية شبابية يجسّدون أدوارهم بكل حرفية ككارلوس عازار، وسام حنا، سامي بو حمدان وغيرهم".

وإذ تلفت بستاني الى أنني "راهنتُ في هذا العمل أيضاً على أسماء تشقّ طريقها حديثاً في المجال كرالف معتوق الذي كان مقنعاً، وأداؤه كان طبيعياً جداً وحقيقياً. أنا أراهن عليه لأن مستقبله واعد"، تضيف أنّ "الممثلة صولانج تراك معروفة على صعيد المسرح أكثر من التلفزيون، لكنها أقنعتنا كثيراً بتجسيدها شخصية "هند" وأعطت الدور حقّه".





ولدى سؤالنا عن خليط السيدات في فريق عمل المسلسل من كتابة وإخراج وإنتاج. تشدد بستاني على أنني "لست منحازة للنساء، خصوصاً وأنّ الرجل والمرأة يكمّلان بعضهما البعض"، موضحة أنّ "وجود هذا الخليط جعل المسلسل يدقّ بقلب المشاهد أكثر. لكن الدعم الحقيقي في أيّ مشروع يكمن بدعم من الرجل والمرأة على السواء".

وتلفت الى أنّ "غربة" اشترته المؤسسة اللبنانية للإرسال، مردفة أنّ "السياسة التي تعتمدها في عرض المسلسل حصرياً من دون إعادة أو مشاهدة الحلقات على تطبيقها، مقابل مبلغ من المال يخصّ المحطة فقط"، موضحة: "أنا اوافقهم على عدم إعادة الحلقات كي ترتفع نسبة المشاهدة كلّ مساء". وأضافت: "سنعيد نشر المسلسل على "يوتيوب" حين ينتهي عرضه من قناة الـLBCI".

وتؤكد بستاني أنّ "المميز في هذا العمل تحديداً هو أنّ "الأبطال" يتصرّفون بشكل خاطئ ويقعون بمشاكل عدة، ما يكسر هالة "البطل" في المسلسلات الدرامية ويظهره بصورة الإنسان العادي، الذي يدرك ماهيّة أفعاله وكيفية إيجاد الحلول المناسبة لمشاكله".

ولدى سؤالنا عن الحلقة الأخيرة، تلفت بستاني الى أننا "حرصنا على أن تكون نهاية كل شخصية متينة ومقنعة كي لا نخذل جمهورنا في آخر العمل".

وتختم بستاني حديثها بالقول: "حاولنا أن يكون العمل "مبكّلاً" من ممثلين يجسّدون أدوارهم بطبيعية وعفوية فضلاً عن الديكورات التي تجسّد حقبة الخمسينات. كما أننا تعاونّا مع مصمم أزياء نثق به كثيراً وهو مجد بو طانوس الذي يملك إلماماً كبيراً جداً بالأزياء التي كانت ركيزة أساسية في العمل".



مجد بو طانوس: الموضة تعكس شخصية كلّ مصمّم ووجهة نظره 


يشير بو طانوس لـ»نداء الوطن» الى أنه مصمّم متخصص في تاريخ الأزياء، مضيفاً: «أنا مغرم بالأزياء التي تعود للحقبات التاريخية».

ويلفت الى أنّ «غربة» هو العمل الأول الذي يتطرّق لهذه الحقبة التاريخية، خصوصاً وأنها الأهم في تاريخ لبنان. إذ خلال هذه الفترة على عهد الرئيسين كميل شمعون وفؤاد شهاب استحقّ لبنان عن جدارة لقب «سويسرا الشرق».

ويضيف بو طانوس: «يحكي المسلسل عن بيروت أم الحضارات، ما شجّعني لإنجاز تصاميم جميلة تعكس الرقي في تلك الحقبة».





وبالنسبة للقبعات والأكسسوارات التي تعتمرها الممثلات في المسلسل، يكشف بو طانوس: «أنا أعيش بين لبنان وباريس، وهناك سوق خاص في العاصمة الفرنسية للملابس التاريخية والأكسسوارات، ما دفعني للقيام بإحضارها من ذاك السوق». ويشدد على أنّ «بعض الأكسسوارات تاريخية بالفعل بحسب التاريخ المكتوب عليها».

ويشير الى أنّني «استوحيتُ التصاميم، من مصممين فرنسيين في تلك الحقبة كـ»شانيل، ديور، إيف سان لوران» ونفّذتها في مشغلي. حتى أنّني ألبست الممثلين أزياء تاريخية تجسّد الهوية الخاصة لكلّ واحد منهم، وبان ذلك جليّاً في بزّاتهم وربطات العنق الخاصة بهم».

ويختم بو طانوس حديثه بالقول: «أضحت الموضة اليوم تعكس شخصية كلّ مصمم ووجهة نظره، حتى أنّ بعض الناس اتصلوا بي طالبين شراء ثياب العمل».





"غربة" عمل يعكس جمال بيروت في خمسينات القرن الفائت ويزرع في قلوب المشاهدين الحنين الى حقبة زمنية اشتاق للعيش فيها مجدداً. لذا كسب الرهان، خصوصاً وأنه لبناني بامتياز، كامل متكامل وأعاد الدراما اللبنانية من غربتها!

المسلسل مؤلّف من 32 حلقة. إنتاج "أفكار برودكشن" (ليليان بستاني ومطانيوس أبي حاتم)، قصة سيناريو وحوار ماغي بقاعي، إخراج ليليان بستاني، بطولة كارلوس عازار، فرح بيطار، وسام حنا، أسعد رشدان، سامي بوحمدان، يمنى بو حنا، سينتيا زينون، شادي ريشا، جومانا شمعون، كارين سلامة، طوني عاد، رالف معتوق، ندى عماد خليل، صولانج تراك، وغيرهم.


MISS 3