ليس تفصيلاً أن تتكتّل جميع "القوى السياسية" لمواجهة المزاج الزحليِّ، وتبقى القوات اللبنانية وحدها صوت المدينة ووجدانها، محقّقة ضعف مجموع ما حصلت عليه كل القوى المنافسة مجتمعةً في انتخابات البلدية أمس 18 أيار 2025. وليس تفصيلاً أيضاً أن تكون زحلة المعيار الذي يحدد اتجاه الرياح السياسية ويقلب المعادلات في اللحظات الحرجة. ومن يتغاضى عن هذه الحقائق أو ينكرها، إما يعيش في حالة إنكار للواقع، أو يختار الخسارة المؤكدة، كما أثبتت نتائج هذه الانتخابات.
المسألة لا تتعلّق بفرحة انتخابية عابرة، بل تعبّر عن وعي جماعي في المجتمع المسيحي، الذي يعود اليوم إلى جذوره التاريخية وإرادة المقاومة التي رافقته منذ ما قبل استقلال لبنان وبعده، للحفاظ على وجوده وسط العواصف المتلاحقة. من حرب 1975، إلى حصار زحلة بين عامَي 1980 و1981، وصولاً إلى التحديات السياسية والأمنية التي امتدت طوال العقود الأربعة الماضية. ولو لم يكن هذا المجتمع صلب الإرادة، لما تمكّن من الصمود، ولكان لَحِق بمصير مسيحيّي العراق وسوريا.
وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل ما أفرزته انتخابات بلدية بيروت التي جرت بالتزامن، حيث كشفت التحالفات المتناقضة عن هشاشة في بنية المناصفة المصطنعة. وربما كان الخيار الأجدى في العاصمة هو المقاطعة الصريحة، أو تشكيل تحالفات تنسجم فعلياً مع النسيج الاجتماعي البيروتي وتوجّهاته. هذا الخطأ يجب أن يكون درساً للمستقبل، ويعيد طرح النقاش الجدي حول اللامركزية الإدارية، عبر تقسيم بيروت إلى بلديات عدّة تعكس خصوصياتها المتنوّعة بشكل أفضل.
أما زحلة، التي شكّلت البوصلة السياسية للانتخابات النيابية المقبلة في 2026، فقد جدّدت التزامها بنهج الرئيس بشير الجميل، وبالخط السيادي الذي تمثّله القوات اللبنانية بقيادتها الحالية. هذا الالتزام تُرجم عملياً من خلال أداء وزرائها، كما من خلال الصمود الشعبي والسياسي الممتد منذ عقود، بدءاً بالمواجهة مع جيش النظام السوري، ومروراً بالمقاومة السياسية، وصولاً إلى سلسلة انتصارات انتخابية تؤكّد ثبات هذا الخط.
لذا، على من أخطأ في الحسابات أن يعيد تقييم مواقفه، وعلى المجتمع المسيحي أن يحافظ على هذه الروح المقاوِمة، ليحقق الهدف الاستراتيجي الأهم، وهو اعتماد نظام فيدرالي يضمن بقوة الدستور بقاء الأجيال المسيحية القادمة في أرضها، ويمكنها من تطوير مناطقها وحماية خصوصياتها الثقافية والاجتماعية لأجيال قادمة.