ما كدنا نلتقط أنفاسنا من أزمات متلاحقة، حتى جاءنا خبر تعيين علي حمية مستشاراً لرئيس الجمهورية لشؤون الإعمار، ليُشعرنا كأننا عدنا إلى نقطة الصفر. فالقرار مستفز في مضمونه وتوقيته، ويُجسّد استمرار النهج الذي أوصل لبنان إلى ما هو عليه، ويُطيح بأي أمل لإعادة بناء الدولة على أسس جديدة.
علي حمية، الوزير السابق المعروف بانتمائه السياسي وبخطابه التصادمي، لم يكن يوماً شخصية إصلاحية أو توافقية. بل عُرف بتصريحاته المضلّلة، ومواقفه الاستفزازية، وتعاطيه المتعجرف مع الرأي العام والخصوم السياسيين.
كيف يُعقل أن يُسند إليه ملف بهذا الحجم في مرحلة يُفترض أن تكون عنواناً للشفافية والمحاسبة واستعادة الثقة؟
لبنان بحاجة إلى رجال دولة، لا رجال محاور. يحتاج إلى قيادات تجسّد القانون، لا تساوم عليه. يحتاج إلى شخصيات شيعية، كما من كلّ الطوائف، تعيد إحياء الروح الوطنية والانفتاح، لا أن تبقى رهينة ثنائية سياسية استنزفت الدولة واستنزفت الطائفة، وأغرقتنا جميعًا في منطق التبعية والمظلومية والمزايدة.
إن تعيينه في هذا المنصب هو رسالة خاطئة في توقيت كارثي، لأنه يتعارض مع أهدافنا الوطنية في استقطاب الدعم الدولي لإعادة بناء وطننا، وخصوصاً الجنوب، الذي ينتظر منذ سنوات يداً صادقة تمتد إليه.
أهل الجنوب اليوم في أمسّ الحاجة إلى مشاريع إنمائية شفافة، وإلى شركاء دوليين يثقون بأن أموالهم لن تُدار بعقلية المحاور بل بعقلية الدولة.
وهذا النوع من التعيينات لا يعزّز الثقة، بل يُنفّر المانحين، ويعيد فتح جروح فقدنا معها الأمل طويلاً.
لذلك فإن تعيينه هو رسالة تقول للناس إن لا شيء سيتغيّر، وستبقى الوجوه نفسها، والنهج نفسه، والكوارث نفسها.
ونحن نقول: لن نقبل إلا بدولة تشبه أحلامنا لا كوابيسنا. دولة تعيد الثقة، لا تكرّس الفشل.
وهنا لا بد من التوضيح أنه طالما لم يصدر أي إعلان رسمي من القصر الجمهوري بشأن هذا التعيين، وطالما لم يتم تصديقه أو تثبيته، فإن الحد الأدنى المطلوب اليوم هو تحديد صلاحيات هذا المنصب بدقة وأن تكون محدودة النطاق للغاية.
أما الموقف الأمثل، فهو التراجع عن هذا القرار، لأن الرجوع عن الخطأ فضيلة.
وإن وُجدت اعتبارات خاصة تمنع ذلك، فليكن هذا التعيين محصوراً بدور تقني محدود جداً جداً، لا يقترب من الملفات الأساسية والحساسة، ولا يُستخدم كمنصة لإعادة تعويم مشروع سياسي سقط في وعي الناس.
فإما أن نختار طريق الدولة والكرامة والمحاسبة، أو نبقى أسرى منظومة لا تجيد سوى إعادة تدوير الخراب ومراعاة المشاعر على حساب المصلحة العامة والحق المشروع لبناء وطن طال انتظاره.
إلى فخامة الرئيس ودولة الرئيس،
لا تقعا في فخ الأساليب التي اعتمدها نظام الأسد لعقود، وتبناها حزب الله وكثير من القيادات المحلية لكسب الوقت، وتعطیل الداخل، وربط مصير لبنان بأجندات خارجية.
رهانهم الدائم كان ولا يزال، أن الإدارات الغربية ستغيّر أولوياتها وتخفف الضغط، فيمد لهم في عمر مشروعهم القائم على الترهيب والفساد. والكل يعلم أن هذا الرهان لم يجلب للبنان سوى الانهيار، والعزلة، وتفكّك الدولة.
الوقت لم يعد حليف أحد. الاستمرار في هذا النهج ليس سياسة، بل انتحار وطني.