تتعرّض الأقليّات إلى اعتداءات تؤدّي في بعض الأحيان إلى القتل المتعمّد والتهجير وارتكابات مشينة بحق النساء والأطفال وسوى ذلك من جرائم تهزّ الضمير العالميّ علمًا أنّ حقوق الأقليّات والمحافظة عليها مصونة ومحميّة في القانون الدولي العام.
يوفّر القانون الدولي حقوقًا للأقليّات، حيث يتيح لهم التمتّع بمجموعة من الحقوق التي تكفل حمايتهم من تعسّف الأغلبية المسيطرة.
ويعتبر مؤتمر فيينا 1815 النواة الأولى للاعتراف بحقوق الأقليّات وقد تمّ تكريس نظام حقوق الأقليات لاحقًا في المواثيق والمعاهدات الدولية.
أشارت معاهدة السلام التي تلت الحرب العالمية الأولى 1919 إلى أنّ المقصود بالأقليّات هو الجماعات المختلفة من حيث الجنس، الدين، اللغة، والقومية. وأنّ المقصود بالحماية هو الحفاظ على هوية وكيان ووجود كلّ من هذه الأقليّات.
لم يرد في ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 أيّة مواد تتعلّق بحقوق الأقليّات وضمانها، ولكن إعلان الأمم المتحدة لعام 1992 بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليّات قومية أو إثنية وإلى أقليّات دينية ولغوية يمثّل الصكّ الأساسي الذي يوجّه أنشطة الأمم المتحدة في هذا المجال اليوم.
إنّ مصطلح الأقليّة يشير إلى مجموعة أقلّ عددًا من باقي سكّان الدولة، والتي يملك أعضاؤها مميّزات من الناحية العرقية، اللغوية، والدينية تختلف عن خصوصيّات باقي السكان. أما بشأن الأقلية الدينية فهي التي لها ديانة مختلفة عن ديانات المجموعة المهيمنة، ويتميّز أفرادها عن الغالبية أو بقية أفراد المجتمع باعتناق دين أو عقيدة دينية محدّدة.
وقد حدّدت محكمة العدل الدولية في 31 تموز 1930 المقصود بالأقليّات في رأيها الاستشاري بأنها: مجموعة من الأشخاص المقيمين في منطقة أو إقليم معيّن، ولهم أصل عرقي أو لغة أو ديانة أو عادات وتقاليد خاصة بهم، ولديهم إحساس وشعور بالتضامن والترابط من أجل حماية صفاتهم الخاصة، والرغبة في المحافظة على عقيدتهم وتقاليدهم وضمان تنشئة وتربية أطفالهم وفقًا لتقاليدهم وأصلهم العرقي، والعمل بينهم من أجل مساندتهم لبعضهم البعض.
تتمتّع الأقليّات بجميع حقوق الإنسان التي نصّت عليها الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وتتمتّع أيضًا بحقوق خاصة تهدف إلى الحفاظ على وجودهم وهويتهم، بما يضمن لهم ممارسة فعلية لحقوقهم. لكن على الرغم من ضمان القانون الدولي للأقليّات حقوقهم إلّا أنّ الكثير من هذه الأقليات لا تزال تحت سيطرة الأغلبية محرومة من حقوقها، وتتعرّض للانتهاكات.
إنّ نظام حماية حقوق الأقليّات بعد الحرب العالمية الثانية بدأ يتبلور في إطار القانون الدولي مع تشكيل منظمة الأمم المتحدة وصياغة ميثاقها، وكذلك المعاهدات والاتفاقيات والعهود والإعلانات لا سيّما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 كانون الأول 1948، الذي نصّ على المساواة بين الشعوب دون تمييز على أساس الجنس أو اللون.
كما نصّت المادة 27 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنه "لا يجوز في الدول التي توجد فيها أقليات إثنية أو دينية أو لغوية أن يحرم الأشخاص المنتسبون إلى الأقليّات المذكورة من حقّ التمتّع بثقافتهم الخاصة أو المجاهرة بدينهم وإقامة شعائرهم، أو استخدام لغتهم بالاشتراك مع الجماعات الأخرى في جماعتهم".
. حدّد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حقوق الأقليّات كما يلي:
الحقّ في حماية وجودها وترقية هويّتها، والحقّ في التمتّع بثقافة خاصة وإظهار ديانتها واستخدام لغتها سرًا وعلانيةً، والحق في المشاركة في مختلف جوانب الحياة، والحق في المشاركة الفعلية في القرارات التي تهمّ الأقلية، والحق في إنشاء الجمعيات الخاصة بالأقليّات، والحق في ممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسية الأخرى، والحق في الاندماج في المجتمع.
يتطلّب عدم التعرّض لحقوق الأقليّات المحدّدة من الدول التي توجد فيها أقليّات أن تتّخذ إجراءات تشريعية وتنفيذية تمكّن الأقلية من ممارسة حقوقها، وأن تحترم إرادة الأقلية في الحفاظ على خصائصها الإثنية واللغوية والدينية، وألّا تتدخل بأية تدابير أو سياسات تنتهك ممارسة الأقليّات حقوقها أو تهدف إلى استيعابها بالقوة أو الإكراه، أو فرض قيود عليها تتجاوز تلك المنصوص عليها في هذه المواثيق والإعلانات الدولية.
إن مشكلات الأقليّات يمكن أن تؤدّي إلى تعريض الأمن والسلم الدوليين إلى الاختلال وزعزعة الاستقرار العالمي، نتيجة عدم احترام حقوقها وتفشي الانتهاكات الخطيرة ضدها، ولما كان مجلس الأمن هو المسؤول الرئيس عن حفظ السلم والأمن الدوليين، فقد منحه الميثاق عددًا من الاختصاصات لحلّ المنازعات الدولية، سواء بالوسائل السلمية أم القمعية حسب الحالة لا سيّما بالنسبة للدول التي تنتهك حقوق الأقليات الموجودة عندها.