شربل داغر

جبران... الأميركي

4 كانون الثاني 2021

02 : 00

يكاد يكون جبران خليل جبران، من دون مناسبة وفاته في هذا الأسبوع، الأديب الحيوي بل الأبقى في جيله، وقبله كذلك. هذا بالعربية، وبغير لغة في العالم، مع "النبي".

إلا أن ما يستوقفني في أدبه، سواء بالعربية أو بالانكليزية، هو أنه ليس بالأدب... العربي تماماً. لا اقصد، في هذا، الإشارة إلى لغته في القسم الثاني من إنتاجه (اي الإنكليزية)، وإنما الإشارة إلى تكوينه. ما لا ننتبه إليه - خصوصاً نحن اللبنانيين - هو أن جبران لم يمضِ، بين بشري (بلدة مولده)، وبين بيروت (حيث درسَ العربية في إحدى مدارسها)، سوى سنوات معدودة. وإذا كانت قصصه وروايته الوحيدة تعينت في سياقات لبنانية، فإنها تعود إلى فترته الأدبية الأولى وحسب... فيما اتجهَ، في باقي كتبه، بين العربية والانكليزية، وجهات أخرى ومباينة للسابقة.

ما أرمي إليه من كلامي، هو إبراز ما لا يَظهر في درسنا لجبران، وهو أنه أطلقَ، في الأدب العربي، كيان "الذاتية الأدبية" التي لا نجدها عند غيره. وهي تتعدى التصنيف الضيق لأدبه في أنه رومانسي وحسب. فالأنا تصدح في كتاباته، ومنها قوله (الصادم في ذلك الوقت): "لكم لبنانكم، ولي لبناني". وهي أنا قد تتلبس نَفَساً نبوياً أو استشرافياً في بعض أدبه، إلا أنها - في جميع الأحوال - أنا متفردة، تتذوق ما تقوله، وتعلنُه من دون حرج أو انتساب إلى سابق (بما فيه الوطني). هي الذات في إمساكها بأسباب القول، في تدبير أساليب أو موضوعات أو قيم تبغي التعبير عنها.

وهي أنا غير حقيقية، بل متخيلة، مرغوبة، وتُسوِّق لهويتها بنفسها. فيما كان أحمد شوقي أو خليل مطران أو معروف الرصافي يكتبون شعرهم بوصفهم شوقي ومطران والرصافي.

جبران ذاتٌ كاتبة، إبداعية، تجترح هوية لها، متعينة في الأدب، في التخيّل، في صنع "نجوميةٍ" للكاتب، ما لم يكن مألوفاً في الثقافة العربية.

جبران لا يتحدث عن مصنع أو سيارة أو مدينة أميركية في أدبه أو رسمِه، لكنه كان يعيش الانبثاقة الأميركية، والذاتية التعبيرية فيها. هكذا تتكون أناه في هذا المجتمع نفسه، في المدينة بشكل أخص، مثل ذاتٍ موصولة لكنها منفردة ومتفردة.

هذا التكوين أميركي البناء، وإن يتكلم عن "الشرق". أما ريفيته البادية، أو شرقيته الدينية، فلا تعدو كونها مادة اللون والصورة، فيما هو منشئ اللوحة والمنظر.


MISS 3