ولدت وترعرعت في بيروت عام 1981، ورثت عن جدها عبد لله شاهين مبتكر أول بيانو شرقي حبها للفن، وعن جدّتها فن السرد الروائي عندما رأتها تروي أحداث الحرب اللبنانيّة في تقرير يعود تاريخه إلى العام 1984. درست التصميم الغرافيكي في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة واعتمدت الأسود والأبيض في رسومها كوسيلة للتعبير عن ذاتها. إنتقلت إلى باريس عام 2004 لمتابعة دورة الرسوم المتحركة في المدرسة الوطنية للفنون الزخرفية وبحثاً عن دار نشر يتولى نشر كتاباتها المصورة باللغة الفرنسية.
في العام 2006 صدر كتابها المصور «بيروت كتارسيس» للناشر الفرنسي «كامبوراكيس» ثم كتاب «نموت، نرحل، ونعود. لعبة السنونو»، وتوالت النجاحات مع الناشر نفسه، مما أتاح لها فرصة المشاركة في مهرجان «أنغوليم» الفرنسي للقصص المصوّرة.
وفي العام 2008 صدر كتابها «أتذكر بيروت»، ثم كتاب «البيانو الشرقي» عام 2015 وكتاب «Prendre refuge» عام 2018 مع دار النشر الفرنسي «كاسترمان»، بالتعاون مع ماثياس إينارد الحاصل على جائزة جونكورت عن قصته البوصلة في العام 2015، بحيث حصدت جائزة الفينيكس للأدب لعام 2016 عن كتابها «البيانو الشرقي».
«نداء الوطن» التقت رسّامة القصص المصوّرة زينة أبي راشد على هامش اطلاقها كتابها المصور الجديد «النبي» لجبران خليل جبران ضمن فعاليات مهرجان «بيروت كتب»، فدار هذا الحِوَار المشوق.
لماذا اخترت كتاب «النبي» تحديداً وهل كانت ترجمة العمل إلى رسوم عملية صعبة؟
بدأت العمل على الكتاب بناء على طلب دار النشر الفرنسي «سيغرس» احتفاء بالذكرى المئوية الأولى على إصدار كتاب «النبي». وبالطبع لم يكن العمل على موضوع كهذا سهلاً إطلاقاً لا سيما عندما يتعلق الأمر بجبران. فالجميع يعرف الكتاب ولكل شخص رؤيته الخاصة عن كتاب «النبي» ومدينة «أورفليس والمطرة». إذن كان تحدياً كبيراً أن أضع رؤيتي الخاصة في عمل من هذا النوع. لكني عدت وقلتُ لنفسي إنني سأحاول نسيان كل الذي أعرفه عن النص، وعن حياة جبران وعيشه في المنفى وعن الكتاب عينه، وقررت التواصل عاطفياً مع الكلمات لتنشأ ما يشبه رقصة عفوية بين الرسوم والنص.
كم من الوقت استغرق العمل على الكتاب؟
استغرق العمل حوالى السنتين بمجهود مكثف، وقد يسأل البعض: «لماذا لديه شارب؟ أو لماذا يرتدي هذه الملابس؟ أو لماذا تخلو مدينة «أورفليس» من الهندسة المعمارية اللبنانية مثلاً؟». والاجوبة على هذه الأسئلة بسيطة: لأنني قمتُ بخياراتٍ معينة في كل رسمة وبوسعي مناقشة كل خيار على حدة. ولعل أكثر ما يثير الاهتمام في القصص المصورة وعرض الرسوم بالأبيض والأسود هو انّك تتعامل مع عالم خيالي وبياني يحمل طابعاً عالمياً ويسهل التواصل معه.
كيف كانت التجربة مع دور النشر الفرنسية؟
درستُ في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة «ألبا»، ثم غادرتُ إلى فرنسا بغية البحث عن ناشر. تعلّمتُ هناك أصول مهنة النشر عبر إصدار الكتب بدءاً من اختيار نوعية الورق، وطريقة الطباعة وربط الكتب، وصولاً إلى طريقة بيعها. كانت تجربة مثيرة جداً. بدأت في مزاولة هذه المهنة منذ العام 2003 واليوم أصبحت مهنتي التي لطالما حلمتُ بها، بالتالي هي تجربة مشوقة ورائعة للغاية.
اعتبر البعض أن أعمالك شبيهة بكتب المؤلفة الإيرانية «مارجان سترابي» وتحديداً عملها الشهير «بيرسبوليس». هل يزعجك الأمر؟
بالعكس، فأنا أجد في الأمر إطراء حقيقياً خصوصاً أنني معجبة بأعمالها كمؤلفة وسينمائية ولكن تجربتي مختلفة عنها من الناحية الهندسية. فعندما تمعن النظر في أعمالي وفي مساحات الأبيض والأسود والروابط بين النص والصور، تلاحظ أحياناً أن لما أفعله طابعاً هندسياً أو بيانياً وهذا ما يميّزني عن غيري. طبعاً لا أحب تقييم أعمالي بنفسي واترك لقرائي حرية الحكم على الموضوع ولكني شخصياً لا أجد أي وجه شبه.
مسرح وموسيقى
اخترتِ عرض الكتاب بطريقة مبتكرة بعمل ممسرح على خشبة مسرح «مونو» بالاشرفية جمع بين القراءة والموسيقى اخبرينا عن هذا الأمر.
كنّا ثمانية أشخاص على المسرح، وقرأ كل واحد منا مقطعاً من كتاب «النبي» باللغتين العربية والفرنسية، فتزامنت القراءات مع عرض للرسوم على الشاشة بالإضافة إلى عزفٍ ارتجالي على آلة «الفلوت». كان الجو ساحراً للغاية وعشت لحظاتٍ مؤثرة. وجدتها طريقة مميزة لإعادة إحياء نص «النبي» وتقديم كتابات «جبران» إلى الجمهور بطريقة مبتكرة عبر عرض الرسوم بالأبيض والأسود كرفقة بالكلام والموسيقى.
وكيف تفاعل الجمهور مع هذا الأمر؟
اعتبرها تجربة مميزة، فهي المرة الأولى التي يستمع فيها الجمهور إلى نص «جبران» بهذه الطريقة بحسب ما أخبرني البعض. إنه إطراء كبير، وأعتبر أنني أنجزت المهمة بشكلٍ يليق به. أردت أن تُحدث الرسوم وطريقة تصميمها إيقاعاً مختلفاً يضفي طابعاً مميزاً على القراءات، فمن المدهش أن نرسم تلك النصوص ونعيد إحياءها في جوّ خاص عبر الأصوات والرسوم.
لماذا لا نجد كتبك باللغة العربية؟ ألا تفكرين بترجمتها؟
أنا أكتب بالفرنسية منذ وقتٍ طويل. لكني أرسم باللغة العربية لأن محور اهتمامي هو لبنان والذكريات والحرب. أما أكثر ما يخيّب الآمال فهو أن كتبي تُرجِمت إلى 14 لغة مثل اليابانية والكورية والتركية، لكنها لم تُترجَم إلى العربية، فالناشر الذي يريد ترجمة العمل يجب أن يشتري الحقوق. ولو كنتُ أملك القدرة على إعادة كتابتها بالعربية، لفعلتُ ذلك ولكنني أنتظر من يعرض عليّ اهتمامه بهذا الأمر.
كيف تجدين حقل الكتاب المصوّر في لبنان وهل انتِ على تواصل مع فنانين لبنانيين ناشطين في المجال المذكور؟
أنا مقرّبة جداً من الرسامين في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة كوني درستُ هناك وأعرف ما يفعلونه. وثمة عدد لا بأس به من اللبنانيين الذين ينشرون أعمالهم في فرنسا اليوم، على غرار جوزيف قاعي، ولمياء زيادة، وجوزيف صفي الدين، وفريق «سمندل» الذي يعدّ الأكثر شهرة في هذا المجال. بالتالي نعم، ثمة نواة لا يستهان بها من اللبنانيين البارعين في هذا المجال ويسعدني أن أتواصل معهم على الدوام.
كيف تلقيت خبر تربع الكاتب أمين معلوف على عرش الأكاديمية الفرنسية؟
بفخرٍ كبير. ما وصل إليه أمين معلوف محفّز لنا جميعاً، فهو شخصية نموذجية في مسيرته، وأشبه بمنارة في المشهد العام، ومن الإيجابي أن نمتلك منارةً مثله في حياتنا تحوّل رمزاً للاعتزاز بانضمامه الى قافلة الخالدين الفرنسيين.