شربل داغر

"أفندي" العربية

11 كانون الثاني 2021

02 : 00

تفتقد السياسة، اليوم، السياسي الراحل رشيد كرامي في اتزانه وحرصه على الحكم. كما تفتقد عربية اللبنانيين، اليوم، إلى..."اسطوانته" الشهيرة. كان ذلك في ربيع سنة 1969، في اشتداد تشكيل حكومته العتيدة (كما في هذه الايام). كان كرامي (المستقيل - المكلف - المتباطئ في التشكيل) يلتقي رئيس الجمهورية شارل حلو اكثر من مرة في الأسبوع الواحد من دون أن تبصر الحكومة النور: كان يدلي، إثر كل اجتماع، بتصريح يبدو عليه التكرار والتأكد من اشتداد الأزمة. هذا ما أطلق عليه، حينها: "الاسطوانة". كانت تصريحات "الافندي" فصيحة ومحكمة العبارة، ومع ذلك كان يقوى اللبناني على التقاط علو الأزمة من انخفاضها في كلامه.

هذا ما يفتقده اللبنانيون، اليوم، ولا سيما من عرفوا الأفندي... بات كلام السياسيين عامياً ومسهلاً، ومع ذلك لا يفهم اللبنانيون من كلامهم شيئاً غير إلقاء التهمة على غيرهم (كما لو انهم في المعارضة، لا في الحكم)، وغير... الكذب بطبيعة الحال.

ما غاب مع الافندي، غاب مع لويس ابي شرف وبهيج تقي الدين ونصري المعلوف وغيرهم من النواب والسياسيين. وهو ما يغيب أكثر في المسلسل التلفزيوني، في لغة الفيس، في محاضرة الأستاذ الجامعي، وفي كثير من متون الكلام. هذا ما يجعل الفصحى تتراجع انتشاراً وتداولاً وحضوراً وفعالية لصالح عامية، عاميات، ذات طابع استعمالي ميسر للغاية. وليست لهذه - في وضعها الحالي - اي فائدة ترجى في كتاب او ثقافة (إلا في حدود دنيا، منعشة، في بعض الشعر العامي). ذلك ان هذه العامية تكتفي، في غالبها، بنقل اللفظ الاجنبي مع بعض التصويت وفق صيغة من الصيغ المحلية. وهو ما بلغ الكتابة نفسها إذ تتخلى بصورة مزيدة بين الشباب والطلبة عن الحروف العربية...

انتهى الأفندي الى تشكيل الحكومة، وإلى توقيع "اتفاق القاهرة" السيئ الذكر في ارتداداته اللبنانية، من دون أن تتقدم العربية.

هذا يعني أن العطب يبقى في السياسة أياً كان مجال تحققها: في الحكم او في اللغة، سواء بالفصحى او بالعامية.


MISS 3