جنى جبّور

أليس مغبغب: لن نستسلم ومهرجان بيروت للأفلام في موعده

9 نيسان 2021

02 : 00

أليس مغبغب
لم يقتصر الانفجار الذي ضرب بيروت على دمار العاصمة وسلب الأرواح وتخليف الضحايا فحسب، بل نال أيضاً من الحياة الثقافية ملحقاً الضرر بالمتاحف والمعارض والمهرجانات الفنية وغيرها. وأدت الأزمات المتتالية في البلاد اضافةً الى "الكورونا"، الى تساقط المواعيد الثقافية السنوية، إلا أنّ أليس مغبغب رفضت الاستسلام، بل قررت أن تعيد بشغفها المجنون النبض الى الحياة الثقافية.

"حول ماذا يتحاور الناس حالياً؟ يتكلمون عن أسعار الحليب والزيت، وليس عن الموضة والأفلام والموسيقى! وهذا ليس أمراً غريباً في غياب النشاطات الثقافية والوضع الاجتماعي الكئيب"... بهذه الجملة تختصر أليس مغبغب رئيسة مهرجان بيروت للأفلام الفنّية الوثائقية (BAFF) وصاحبة غاليري "أليس مغبغب"، الوضع الحالي. تعتبر مغبغب ان لا حياة اجتماعية من دون حياة ثقافية تجمع الناس مع بعضهم لتغذي افكارهم وتنير عقولهم وتشرح صدورهم فتطير بهم نحو عالم آخر".

أبت مغبغب الاستسلام. من الضروري برأيها أن تلتقط الثقافة أنفاسها مجدداً، وينبغي لجم امتداد الافلاس الى الميادين الفكرية والثقافية. "قررتُ النهوض مجدداً"، تقول مغبغب التي غالباً ما تنفذ أقوالها. هكذا مثلاً تمسّكت بالتزاماتها الاجتماعية ومسؤولياتها الثقافية السنة الماضية فشرّعت أبواب الغاليري الخاص بها في 17 تشرين الأوّل 2020 لمعرض "هذه الأرزة التي تقطع" مقدمةً أعمالاً لأربعة عشر فناناً من مختلف الدول من لوحات، ومنحوتات، وصور فوتوغرافيّة، ورسوم، وفيديوات... اختارت اسم المعرض رفضاً لسياسة الارض المحروقة المنسحبة من البيئة الى الاقتصاد. من أين استمدت قوّتها بعد شهرين على انفجار المرفأ؟ تجيب: "في الأيام الاولى التي تلت الانفجار، شعرت باليأس. كنت جسداً بلا روح. لم أكن أرى سوى الدمار والاصابات والموت. لم يدم الأمر طويلاً. كان لزاماً أن يستمر عرض المسرحيات والحفلات الموسيقية والمعارض والحفاظ على حرية التعبير بجميع أشكالها. شارك عدد لا بأس به من الناس في معرضنا وعدنا به الى الحياة الثقافية والفنية، رغم غياب ايّة حركة تجارية داخل الغاليري، اذ كنا قد احجمنا عن البيع والشراء منذ اندلاع الثورة، رافضين الوضع الحالي، والاسعار الخيالية". خلال المعرض، سألها أحد الحاضرين: "هل افتتاح المعرض يعني العودة الى المهرجان؟ لم يكن مخطئاً، فما لبث أن افتتحت مغبغب النسخة السادسة من الحدث السنوي، ليكون بذلك أول نشاط سينمائي حضوراً خلال الجائحة في 3 كانون الاول 2020 تستضيفه قاعة مسرح مونو في الأشرفية، كبارقة أمل تعدُ بغدٍ أفضل.

تستذكر مغبغب: "افتتحت الحدث بعملين عن المؤلف الموسيقي الألماني لودفيغ فان بيتهوفن. اخترنا موضوعات أفلام المهرجان هذه السنة لتصب في خانة الحب. فهي تخاطب محبي الفن والسينما وبيروت، لا سيما أن عدداً من السفارات الغربية تعاون مع فعاليات المهرجان لإنجاحه وتقديمه في موعده. كذلك، تضمن المهرجان 20 فيلماً من بلدان متنوعة متمحورة حول الفنون على أنواعها كالرسم والرقص والفنون البصرية والهندسة المعمارية والأدب والموسيقى، بالاضافة الى فيلم آخر قصير بالفرنسية انفرد المهرجان بعرضه لأول مرة ضمن فعالياته، بعنوان "une ville et une femme" للمخرج اللبناني الشاب نيكولا خوري، عن رسالة كتبتها الأديبة والفنانة التشكيلية إتيل عدنان يطابق مضمونها ما حصل في بيروت بعد 4 آب، علماً أنه يعرض حالياً في مهرجان مونتريال".


ملصق: "une ville et une femme"



التصالح مع الحياة

لم يكن التحضير للمهرجان سهلاً، بل تطلب نوعاً من الشجاعة للتصدّي للأزمات المتتالية، فانتظرت مغبغب انتهاء التعبئة العامة، للسير قدماً. وتوضح: "لم يكن البحث عن مكانٍ لتنظيم الحدث بعد تضرّر الصالات نتيجة كارثة المرفأ بأمرٍ سهل. وحين وجدنا مسرح مونو الذي رمم بسرعة، رفضت ان انظم المهرجان بصيغة افتراضية. فبالنسبة إلي، يجب أن نتصالح مع الحياة الثقافية وان نتناسى مشاكل الكهرباء والافلاس والمصارف والسوبرماركات... التزمنا بالتدابير الوقائية اللازمة، ولم يصب اي من الحضور بالـ"كورونا". وتضيف: "كان المهرجان صغيراً مقارنةً بالسنوات السابقة من ناحية مشاركة الجامعات وعدد الافلام المعروضة وصغر حجم فريق العمل. ولكنه نجح وكانت اصداؤه ايجابية".



ملصق معرضها الأخير "هذه الأرزة التي تقطع"



دعم أجنبي

مهرجان بيروت على موعد جديد مع جمهوره في تشرين الثاني 2021. "سينظم الحدث مهما كلف الأمر"، تؤكّد مغبغب وتكمل: "حتى هذا التاريخ، ومنذ مطلع 2021، ننظم ندوة افتراضية شهرياً عبر تطبيق "زوم"،حيث نعرض افلاماً حديثة افتراضياً كل آخر أحد من الشهر، سامحين للجمهور بعدها بالتحاور مع المعنيين عن الفيلم كالمخرج مثلاً أو أحد الممثلين... ويفوق عدد المشاركين الـ500 من كلّ دول العالم في كل محاضرة، وردود الفعل ايجابية للغاية ما يدلّ على رغبة الناس بالتواصل ورفض الانعزال مع إرادة صلبة لإعادة بناء جسور التواصل بحثاً عن بصيص نور. ونلمس هنا تضامن الجمهور الأجنبي معنا الذي لا يتوانى عن التعاون معنا ولا يرفض لنا طلباً بل يلبّي رغباتنا قائلاً: "تكرموا... لعيون لبنان". كأننا شعبٌ تحت الركام بقلبٍ يخفق يسمعه من في الخارج. في اعتقادي لا يجب إغلاق صالات السينما نهائياً. اتفهم خسارة أصحاب الصالات وطريقة تفكيرهم ولكن على الزملاء القيام بنشاطات مهما كلف الأمر وثمة أطراف مستعدة لمد يد العون ان كان الطلب منطقياً. نتلقى نحن مثلاً دعماً من السفارات كالأميركية والايطالية والاسبانية والبلجيكية وغيرها ما يضمن استمرارنا وانتاجنا لمشاريع ثقافية على الدوام. لن نتخلّى عن بيروت الثقافة، فالثقافة تجعل المرء يرى الامور من منظار مختلف، وتشرّع أمامك آفاقاً واسعة محدثةً فرقاً كبيراً. بيروت هي الثقافة والحياة ولا تعرف أن تموت ولن تموت!".


MISS 3