السعوديّة تعرض أدلّة تُثبت تورّط طهران في هجوم "أرامكو"

ترامب والرد على إيران... باب الخيارات مفتوح

10 : 16

ولي العهد السعودي خلال لقائه بومبيو في جدة أمس (أ ف ب)

بعدما انخفضت إلى حدّ كبير احتمالات الحرب في الأسابيع الفائتة بين واشنطن وطهران، تحت تأثير مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للتوفيق بين الولايات المتّحدة الأميركيّة وإيران، ومحاولته ترتيب لقاء ثنائي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الإيراني حسن روحاني في نيويورك، على هامش الجمعيّة العامة للأمم المتّحدة، عادت لتُقرع طبول الحرب من جديد في المنطقة، مع سقوط الجمهوريّة الاسلاميّة في فخّ "الأدلّة" التي يملكها الأميركيّون والسعوديّون حول ضلوعها في هجوم "أرامكو" الخطِر، وهو ما استدعى استنفاراً اقليمياً احترازياً لاسيّما في الكويت، حيث أعلنت رئاسة الأركان "رفع حالة الاستعداد القتالي لبعض وحدات الجيش، حفاظاً على أمن البلاد وسلامة أراضيها من أيّ أخطار محتملة".

وفي آخر التحذيرات الأميركيّة، أكّد ترامب أن لديه "خيارات عدّة" للردّ على إيران بعد الهجمات الأخيرة التي استهدفت القطاع النفطي السعودي. وقال في لوس انجليس: "هناك خيارات عديدة، هناك الخيار الأخير وهناك خيارات أقلّ من ذلك بكثير"، موضحاً أن تفاصيل العقوبات الجديدة على طهران سيتمّ إعلانها "خلال 48 ساعة"، وذلك بعد بضع ساعات من إعلانه نيّته تشديد العقوبات، بحيث كتب على "تويتر": "لقد أمرت للتو وزير الخزانة بتشديد العقوبات ضدّ الدولة الإيرانيّة".

وفي وقت اتهم وزير الخارجيّة الإيراني محمد جواد ظريف، واشنطن، بـ"تعمّد استهداف المدنيين الإيرانيين" عبر تشديد عقوباتها على طهران، واصفاً عبر "تويتر" الإجراءات الأميركيّة بأنّها "غير قانونيّة وغير انسانيّة"، تتواصل عملية تنسيق جهود الدول الغربيّة وحلفائها للتحضير لـ"ردّ جماعي" ضدّ إيران، وهو ما بحثه ترامب ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لناحية ضرورة توصّل المجتمع الدولي إلى "ردّ ديبلوماسي موحّد"، إثر الهجمات على منشآت نفطيّة في السعوديّة. وخلال اتصال هاتفي، ندّد الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء البريطاني بهذه الهجمات التي نسبتها واشنطن إلى إيران، وتطرّقا إلى الملف الإيراني، وتوافقا "على وجوب عدم تمكين طهران من حيازة السلاح النووي".

ومن جدّة، أكّد وزير الخارجيّة الأميركي مايك بومبيو، الذي وصل إلى السعوديّة ليل أمس، أن هجوم "أرامكو" كان بشكل لا لُبس فيه "هجوماً إيرانياً"، مشيراً إلى أن ادعاء الحوثيين بأنّهم نفّذوه "ليس صحيحاً". واعتبر أنّها ليست مسألة يُمكن التنصّل من تحمّل مسؤوليّتها. ووصف بومبيو الهجوم بأنّه "عمل حربي هدّد إمدادات الطاقة العالميّة". وأوضح أن الأسلحة التي تمّ استخدامها في الهجوم "ليست أسلحة يُمكن أن تكون في حوزة الحوثيين". وتابع أن مصدر الهجوم "لم يكن من الجنوب"، أيّ من اليمن، مضيفاً: "نعلم بأنّ الإيرانيين لديهم أنظمة لم ينشروها في أيّ مكان خارج بلادهم".

والتقى بومبيو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وبحثا في سُبل الردّ على الهجمات التي استهدفت منشآت "أرامكو". وقال الوزير الأميركي للصحافيين: "مهمّتي هنا أن أعمل مع شركائنا في المنطقة، كما أنّنا نعمل مع شركائنا الأوروبّيين"، مضيفاً: "نعمل على بناء تحالف لوضع خطّة لردعهم (الإيرانيين)". وما يُعزّز وجهة النظر الأميركيّة، تأكيد السعوديّة أن الهجوم على شركة "أرامكو" حصل "من دون أدنى شك" بدعم من إيران، لكنّه لم ينطلق من اليمن بل من موقع شمال المملكة يجري التحقق منه. وفي هذا الصدد، قال المتحدّث العسكري العقيد الركن تركي المالكي خلال مؤتمر صحافي في الرياض، عُرضت فيه بقايا صواريخ وطائرات مسيّرة: "نُواصل تحقيقاتنا لتحديد الموقع الدقيق الذي انطلقت منه الطائرات المسيّرة والصواريخ"، لافتاً إلى أن "المهاجمين استخدموا 18 طائرة مسيّرة و7 صواريخ من طراز كروز". لكن المالكي لم يُحدّد إيران كمصدر لانطلاق الصواريخ والطائرات.

تزامناً، لفت الانتباه تشديد السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، القريب من ترامب، على ضرورة مواجهة الهجوم على مواقع "أرامكو" النفطية بـ"ردّ حاسم"، مشيراً بعد لقاء لأعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين مع نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، إلى أنّه "من الواضح أنّ مثل هذا الهجوم المعقّد لا يُمكن أن يُنفّذ إلّا بتوجيه ومشاركة النظام الشرير في إيران". وأكّد بناءً عليه أنّ "الهدف يجب أن يكون إعادة الردع الذي فقدناه في مواجهة العدوان الايراني". كما أفاد مسؤول أميركي كبير بأنّ واشنطن تأمل في أن يتّخذ مجلس الأمن الدولي اجراءات للردّ، عقب الهجمات التي طالت موقعَيْن نفطيَيْن في السعوديّة.

وفي سلّة المواقف الدوليّة التي ما زالت تتوالى، عبّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مكالمة هاتفيّة أجراها مع ولي العهد السعودي، عن قلقه إزاء الهجمات الأخيرة، معلناً استعداد بلاده للمشاركة مع الخبراء الدوليين في التحقيق لمعرفة مصدر تلك الهجمات. بينما أكّد بن سلمان رغبة الرياض في إجراء تحقيق بمشاركة دوليّة ليطمئن المجتمع الدولي إلى سلامة الإجراءات. كما بحثا السُبل الكفيلة باستقرار أسواق الطاقة بما يدعم الاقتصاد العالمي.

وفي سياق متّصل، أكّد ماكرون لولي العهد السعودي أن باريس ستُرسل خبراء للمشاركة في التحقيقات في الهجمات على السعوديّة. وأوضح "الاليزيه" في بيان أن الرئيس الفرنسي "دان بحزم الهجمات التي استهدفت مواقع نفطيّة في بقيق وخريص". وأكّد ماكرون للأمير سلمان "تضامن فرنسا مع السعوديّة وسكّانها في مواجهة هذه الهجمات، كما أكّد مجدّداً التزام فرنسا أمن السعوديّة واستقرار المنطقة". بدوره، أعلن الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش أن خبراء أمميين أُرسلوا إلى السعوديّة لإجراء تحقيق دولي حول الهجمات التي طاولت شركة "أرامكو".

وفي تجسيد واضح لإصرارهم وتمسّكهم برواية المتمرّدين الحوثيين المدعومين منهم، أكّد روحاني أن استهداف "اليمنيين" منشأتَيْ نفط في السعوديّة يُعدّ بمثابة تحذير للمملكة من إمكانيّة اندلاع حرب على نطاق أوسع في المنطقة. وذكرت وسائل إعلام إيرانيّة أن روحاني ووفده يُمكن أن يضطرّوا إلى عدم المشاركة في اجتماعات الجمعيّة العامة للأمم المتّحدة الأسبوع المقبل، لأنّ الولايات المتّحدة لم تُصدر لهم بعد تأشيرات دخول. كذلك، بعثت طهران برسالة ديبلوماسيّة إلى واشنطن، نفت فيها أيّ دور لها في الهجمات التي طالت منشأتَيْ نفط في السعوديّة، وحذّرت من أيّ تحرّك ضدّها. وأفادت وكالة الأنباء الإيرانيّة الرسميّة بأنّ الرسالة "شدّدت على أنّه في حال تمّ اتّخاذ أيّ تحرّكات بحقّ إيران، فسيُواجه التحرّك بردّ فوري من طهران، ولن يقتصر في نطاقه على مجرّد التهديد".

إلى ذلك، هدّد المتمرّدون الحوثيّون بشنّ هجمات ضدّ الإمارات، مؤكّدين أن لديهم "عشرات الأهداف"، منها في أبو ظبي ودبي، وذلك بعد أقلّ من أسبوع على الهجوم غير المسبوق ضدّ "أرامكو". وسبق أن هدّد المتمرّدون بضرب أهداف في الإمارات. كما أعلنوا استهداف مطارَيْ أبو ظبي ودبي، وهو ما نفته السلطات الإماراتيّة.


MISS 3