رحيل الرئيس الأسبق عن 86 عاماً

شيراك... أبرز شخصيّات اليمين الفرنسي

10 : 58

نسج شيراك صداقات متينة مع أصحاب المليارات (أ ف ب)

توفّي الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، أحد أقطاب اليمين الفرنسي، عن عمر 86 عاماً، وهو الرجل الذي أثبت طوال حياته، بين النجاحات الرائعة والإخفاقات المريرة، قدرة استثنائيّة على النهوض من جديد. وفور إعلان سالا بارو، زوج ابنته كلود شيراك، وفاة جاك شيراك بين عائلته بسلام، لزمت الجمعيّة الوطنيّة الفرنسيّة ومجلس الشيوخ دقيقة صمت في ذكراه. وسارع قادة العالم إلى الإشادة به، وأشار بعضهم بتأثر إلى صداقاتهم مع هذا الرجل الذي حكم فرنسا لمدّة 12 عاماً، بين 1995 و2007.

ولم يظهر شيراك علناً في السنوات الماضية إلّا نادراً، وتولّى خلال حياته السياسيّة رئاسة الوزراء مرّتَيْن، فيما ترأس بلديّة باريس ثلاث مرّات، وأسّس حزباً وشغل مناصب وزاريّة في عدد من المناسبات. وسيذكر العالم شيراك بشكل أساسي بمعارضته للولايات المتّحدة برفضه الدخول في حرب العراق العام 2003، بسبب تضارب المصالح الجيوسياسيّة آنذاك بين واشنطن وباريس في الملف العراقي.

وتميّزت رئاسته بإنهاء التجنيد العسكري وباعترافه بمسؤوليّة الدولة الفرنسيّة عن جرائم من كانوا متواطئين مع النازيّة وبجعله ولاية الرئيس خمس سنوات، وأيضاً بتوجيهه نداءه البيئي الشهير خلال قمّة الأرض العام 2002: "بيتنا يحترق".

وتولّى شيراك رئاسة الجمهوريّة الفرنسيّة لـ12 عاماً، ما جعله الرئيس الفرنسي الذي قضى أطول فترة في السلطة بعد الحرب، بعد سلفه الاشتراكي فرنسوا ميتران. وظلّ يحظى بشعبيّة كبيرة بعد مغادرته السلطة، لكنّه تعرّض خلال حياته السياسيّة لهزائم انتخابيّة قاسية. وفي العام 1988، هزمه فرنسوا ميتران إلى حدّ أنّ زوجته برناديت صرّحت يائسة بأنّ "الفرنسيين لا يُحبّون زوجي". وبعد 12 عاماً، ارتكب خطأً سياسياً كبيراً، وأدّى حلّ الجمعيّة الوطنيّة لمحاولة الحصول على الغالبيّة، إلى هزيمة قاسية لليمين في فرنسا. وتراجعت شعبيّته خلال ولايته الثانية.

وكان شيراك براغماتياً بعيداً من الأيديولوجيّات، وأسّس في العام 1976 حزب "التجمّع من أجل الجمهوريّة"، في حين كان يحلم بأن يكون وريثاً للديغوليّة، لكنّه كان يُعدّ نفسه قبل كلّ شيء من اتباع الرئيس السابق جورج بومبيدو. وبين إيمانه بالليبراليّة وبالسلطة العامة وسياسته المحافظة، جسّد توليفة لتيّارات اليمين الفرنسي.





وفي العام 2007، أضعفته جلطة دماغيّة كانت قد أصابته للمرّة الأولى العام 2005. وخلال ذلك العام (2007)، شهد على انتصار نيكولا ساركوزي بالرئاسة، بعدما تدهورت علاقاتهما في السنوات القليلة السابقة. وبعد ذلك، بدأ ظهوره العلني يقلّ، ومن تداعيات المرض الذي ألم به، مؤشّرات إلى فقدان الذاكرة وحالات غياب عن الوعي، بالإضافة إلى الصمم.

كما عرف شيراك متاعب مع القضاء بعد انسحابه من الحياة السياسيّة. ففي العام 2011 أصبح أوّل رئيس سابق يُحكم عليه في فرنسا بالسجن سنتَيْن مع وقف التنفيذ، في قضيّة وظائف وهميّة في بلديّة باريس حين كان يتولّى رئاستها. وحال مرضه دون حضوره محاكمته.

وأثار الرئيس الراحل جدلاً حاداً في شأن استئناف التجارب النوويّة، ووصفه ساركوزي بـ"الملك الكسول"، وفي عهده تضخّم العجز وارتفعت البطالة. لكن الرجل الذي كان يشعر بالارتياح وسط الحشود الشعبيّة، كان يُشاد بإنسانيّته وتعاطفه وبساطته، وعُرف بشهيّته للأطباق الفرنسيّة، وثقافته الرفيعة ونسجه صداقات متينة مع أصحاب المليارات.

وقبل رئاسة بلديّة باريس ورئاسة الوزراء، شغل مناصب سياسيّة لا حصر لها كوزير للزراعة وللداخليّة وكنائب أوروبي، ونائب فرنسي... وخاض معارك لا تُحصى خلال توليه رئاسة الوزراء مرّتَيْن، قدّم في إحداهما استقالته إلى فاليري جيسكار ديستان في 1976. وكان أوّل رئيس وزراء يوقع في العام 1976 مرسوم لمّ شمل الأسرة، الذي يسمح لأجنبي غير أوروبي مقيم قانونياً بإحضار عائلته.

ومنذ مغادرته قصر الاليزيه، كان شيراك يعيش مع زوجته برناديت في باريس. وهو أب لابنتَيْن، لورنس، التي توفيت في نيسان 2016 وكلود، التي كانت مستشارته الاعلاميّة.


MISS 3