تشارلز كوبشان

أفضل طريقة لفصل الصين عن روسيا

9 آب 2021

المصدر: Foreign Affairs

02 : 00

فيما تبحث واشنطن عن استراتيجية فاعلة للسيطرة على تنامي نفوذ الصين، من حق الرئيس الأميركي جو بايدن أن يتكل بشدة على واحدة من أوضح المزايا الأميركية: شبكة التحالفات العالمية. لكن حتى لو كان بايدن يعمل على بناء تحالف لكبح بكين، سيحتاج أيضاً للتعامل مع جزء آخر من المعادلة القائمة عبر إضعاف شراكات الصين الدولية. هو يعجز عن وقف مسار الصين، لكنه يستطيع الحد من نفوذها عبر محاولة استمالة أهم شريكة لها، روسيا.

من الواضح أن الشراكة الصينية الروسية تزيد التحديات التي يطرحها توسّع النفوذ الصيني على الولايات المتحدة. يؤدي التعاون بين بكين وموسكو إلى تضخيم طموحات الصين وبلوغ مناطق عدة من العالم في خضم المعركة الرامية إلى السيطرة على المؤسسات العالمية، وفي إطار المنافسة الدولية بين الديمقراطية والبدائل غير الليبرالية. من خلال الاتكال على توسّع النفوذ الصيني، تستطيع روسيا أن تزيد ثقلها على الساحة العالمية وتقوي حملة موسكو لتخريب الحُكم الديمقراطي في أوروبا والولايات المتحدة.

يبدو الرابط بين الصين وروسيا قوياً، لكن ثمة تصدعات كامنة في هذه العلاقة غير المتكافئة التي تجمع بين الصين التوسعية والواثقة بنفسها من جهة، وروسيا الجامدة التي تفتقر إلى الأمان من جهة أخرى. قد يعطي غياب التكافؤ هذا فرصة مثالية للرئيس بايدن كي يفصل بين البلدين، ويجب أن تستغل إدارته شكوك روسيا بمكانتها كشريكة صغرى للصين. من خلال مساعدة روسيا على إصلاح نقاط ضعفها التي تزداد وضوحاً بسبب علاقتها مع الصين، يستطيع بايدن أن يُشجّع موسكو على الابتعاد عن بكين. ستتضح طموحات البلدين بعد الفصل بينهما، ما يُسهّل على الولايات المتحدة وشركائها الديمقراطيين الدفاع عن قيمهم ومؤسساتهم الليبرالية وإنشاء نظام دولي سلمي في عالمٍ متعدد الأقطاب ومتنوع إيديولوجياً.

إذا قررت روسيا التوجه نحو محور الغرب، فلن ينجم هذا القرار عن اقتراحات واشنطن أو مبادراتها الإيجابية بل عن نزعة الكرملين إلى إعادة تقييم أفضل الطرق لتحقيق مصالحه الخاصة على المدى الطويل. لن ينجح عرض واشنطن بتخفيف التوتر مع الغرب من تلقاء نفسه، إذ يتكل بوتين في نهاية المطاف على هذا النوع من التوتر لتشريع سطوته السياسية. عملياً، يجب أن تُغيّر واشنطن حسابات الكرملين الاستراتيجية العامة عبر إثبات استفادة روسيا من التعاون مع الغرب لمعالجة نقاط ضعفها المتزايدة نتيجة توثيق شراكتها مع الصين.

في المقام الأول، يجب أن تتخلى واشنطن عن شعار "الديمقراطية في وجه الاستبداد" الذي ترتكز عليه الاستراتيجية الأميركية. يُفترض أن يحرص الأميركيون وشركاؤهم الإيديولوجيون على تنفيذ وعودهم للمواطنين ويتفوقوا على البدائل غير الليبرالية. لكنّ حصر المنافسة في إطار إيديولوجي مُعلَن سيزيد التقارب بين روسيا والصين. لهذا السبب، يجب أن تطلق إدارة بايدن نقاشاً صادقاً مع موسكو حول المسائل التي تتداخل فيها المصالح الوطنية الأميركية والروسية على المدى الطويل، بما في ذلك العلاقة مع الصين. تتعدد الملفات الخلافية بين روسيا والولايات المتحدة طبعاً. لكن بدل تقبّل استمرار التباعد بين الطرفين، يُفترض أن تحاول واشنطن إيجاد قواسم مشتركة مع موسكو في مجموعة واسعة من المسائل، منها الاستقرار الاستراتيجي، والأمن الإلكتروني، والتغير المناخي. قد يُقنِع هذا الحوار موسكو بأنها تملك خيارات مختلفة بدل الاصطفاف مع الصين، حتى لو لم يكن التقدم الحاصل في هذا المجال سريعاً.

كذلك، يجب أن تضغط إدارة بايدن على حلفائها الديمقراطيين لإطلاق محادثات مشابهة مع روسيا. يستطيع هؤلاء استكشاف المصالح المشتركة بين جميع الأفرقاء والتشديد على عواقب تنامي القوة الصينية وانعكاسه السلبي على نفوذ روسيا وأمنها. ونظراً إلى علاقة الهند القديمة مع روسيا وتشكيكها بالنوايا الصينية، قد تحرص نيودلهي على إقناع موسكو بمنافع الحفاظ على استقلاليتها الاستراتيجية ومخاطر التقرب من بكين بدرجة مفرطة. لتشجيع الهند على تقديم المساعدة وإبعاد روسيا عن الصين، يُفترض أن تتخلى واشنطن عن العقوبات المُعلّقة راهناً ضد الهند بسبب شرائها نظام الدفاع الجوي الروسي "إس - 400".

على صعيد آخر، يجب أن يشارك الأميركيون وحلفاؤهم في تخفيف اتكال روسيا المتزايد على الصين اقتصادياً. أصبحت الصين اليوم أكبر شريكة تجارية فردية لروسيا، لكن تبقى تجارة روسيا مع الاتحاد الأوروبي أكبر بكثير من تجارتها مع الصين، وهي تبلغ حوالى 40% من تجارة روسيا الخارجية. كان قرار بايدن بإعطاء الإذن لمتابعة خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" المثير للجدل والمُصمَّم لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا تحركاً ذكياً للتشجيع على تعميق الروابط التجارية بين روسيا وأوروبا. يمكن اعتبار العقوبات الغربية ضد روسيا رداً ضرورياً على تصرفات موسكو العدائية، لكنها أدت فعلياً إلى تقريب روسيا من الصين في المجال الاقتصادي. لهذا السبب، يجب أن يفكر الأميركيون وشركاؤهم ملياً قبل فرض أي عقوبات جديدة ويُفترض أن يطرحوا مجموعة واضحة من الخطوات التي تستطيع روسيا اتخاذها لإقناع واشنطن بتخفيف العقوبات القائمـــة، بما في ذلك الالتــزام بحل دبلوماسي للصراع في شرق أوكرانيـــــــا وكبح الاعتداءات الإلكترونية الروسية ضد الشبكات الأميركية.

في الوقت نفسه، يجب أن يبــــــدي الأميركيون وشركاؤهم استعدادهم لمساعدة روسيا على محاربة التغير المناخي وتخفيف اتكال اقتصادها على الوقود الأحفوري. على المدى القريب، تتطلب هذه المهمة تقاسم أفضل الخطوات لالتقاط الميثان، والمشاركة في تطوير بدائل خضراء عن إنتاج الغاز والنفط، واتخاذ خطوات أخرى للحد من انبعاثات غازات الدفيئة الروسية. على المدى الطويل، يجب أن تساعد الولايات المتحدة روسيا للانتقال إلى اقتصاد المعرفة، وهي خطوة لم يتخذها بوتين يوماً ولو على حساب بلده. نادراً ما تتقاسم الصين التكنولوجيا مع الآخرين لأنها معتادة على الأخذ لا العطاء. يجب أن تقتنص الولايات المتحدة الفرصة إذاً لتقاسم المهارات التكنولوجية مع روسيا وتسهيل انتقالها إلى اقتصاد أكثر خضاراً وتنوعاً.

يجب أن تستفيد الولايات المتحدة من الحوار الذي أطلقه بايدن وبوتين حول الاستقرار الاستراتيجي خلال اجتماعهما في جنيف في شهر حزيران الماضي. دفع انتهاك روسيا لمعاهدة القوات النووية متوسطة المدى بالولايات المتحدة إلى الانسحاب منها في العام 2019. يجب أن تجد واشنطن وموسكو الآن حلاً لسباق الصواريخ المرتقب، وتدفعا الصين أيضاً إلى تقبّل اتفاق معيّن للحد من ترسانتها الكبيرة والمتنوعة من الصواريخ متوسطة المدى. وحتى لو كان التوصل إلى اتفاق ثلاثي مستحيلاً، قد تكون محاولة التفاوض حول اتفاق مماثل كفيلة بتسليط الضوء على الشرخ القائم بين موسكو وبكين، نظراً إلى تردد الصين تقليدياً في المشاركة في أي اتفاقيات للحد من التسلح. كذلك، من مصلحة روسيا أن تجرّ الصين إلى حوار شامل مع الولايات المتحدة حول منع الانتشار النووي للتطرق إلى البرامج النووية في إيران وكوريا الشمالية حيث تتداخل المصالح الأميركية والروسية بكل وضوح.

تستطيع واشنطن أن تقدّم المساعدة أيضاً في منطقة القطب الشمالي، فتكشف أمام موسكو العواقب الاستراتيجية لدعم طموحات بكين المتوسّعة. أدى التغير المناخي إلى زيادة القدرة على اختراق أقصى الشمال، فتجدّد اهتمام روسيا بهذه المنطقة الاقتصادية والاستراتيجية، حتى أن موسكو انزعجت من إعلان الصين نفسها "قوة شبه قطبية". لا تتفق واشنطن وموسكو حول وضع هذه المنطقة لكنهما تستطيعان، عبر مجلس القطب الشمالي والحوار الثنائي، تطوير مجموعة أقوى من القواعد لإدارة النشاطات الاقتصادية والعسكرية في القطب الشمالي ومعالجة مخاوفهما المشتركة من الخطط الصينية.

أخيراً، يجب أن تُشجّع واشنطن موسكو على التحقق من مستوى توسّع النفوذ الصيني في المناطق النامية، بما في ذلك آسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا. في معظم المناطق، تتعارض السياسة الروسية مع المصالح الأميركية ولا تزال موسكو تعتبر واشنطن منافستها الأساسية. لكن فيما تُصِرّ بكين على توسيع نطاق نفوذها الاقتصادي والاستراتيجي، ستدرك موسكو في مرحلة معينة أن الصين، لا الولايات المتحدة، هي التي تُضعِف النفوذ الروسي في عدد كبير من تلك المناطق. يجب أن تثبت واشنطن هذه الفكرة، وتزيد التقارب بين المصالح الروسية والأميركية، وتخلق الفرص المناسبة لتنسيق الاستراتيجية الإقليمية.

بما أن العلاقات الروسية الأميركية يشوبها العداء وانعدام الثقة في الوقت الراهن، لن تتمكن واشنطن من تغيير حسابات موسكو الاستراتيجية إلا بعد مرور بعض الوقت وعبر تطبيق دبلوماسية هادفة. قد تتمسك روسيا بمسارها الراهن إلى أن يرحل بوتين من السلطة على الأرجح. لكن نظراً إلى إيقاع النمو الجيوسياسي الصيني ونطاقه المبهر، حان الوقت للبدء بزرع بذور الانقسام بين الصين وروسيا، لا سيما وسط الفريق الأصغر سناً من المسؤولين والمفكرين الروس الذين سيستلمون الحُكم بعد رحيل بوتين من الساحة السياسية.

يسهل أن تزيد فاعلية الجهود الأميركية للسيطرة على تنامي النفوذ الصيني بطريقة ناجحة وسلمية إذا واجهت الصين ضغوطاً استراتيجية لا تقتصر على جناحها البحري، وإذا باتت عاجزة عن الاتكال على الدعم العسكري والدبلوماسي الثابت من روسيا. في الوقت الراهن، تستطيع الصين أن تُركّز على خطتها التوسعية في غرب المحيط الهادئ وعلى مسافة أبعد منه لأنها تتمتع بحرية التحرك على طول حدودها القارية وتحظى بدعم موسكو. من المفيد أن تؤيد الولايات المتحدة استراتيجية طويلة الأمد لتغيير هذه المعادلة عبر المشاركة في زعزعة العلاقة الصينية الروسية. ستكون هذه الخطوة بالغة الأهمية لبناء نظام متنوع ومتعدد الأقطاب وكبح جهود بكين الرامية إلى إنشاء نظام دولي محوره الصين.


MISS 3