علي الأمين

حزب الله... "الشغب" لا يريد إسقاط النظام!

30 أيلول 2019

01 : 48

شهد اعتصام رياض الصلح تدافعاً بين القوى الأمنية والمتظاهرين (فضل عيتاني)

التحرك الذي بدا عفوياً في جانب منه أمس، في موازاة الدعوة إليه من أطراف ملتبسة "الهوى السياسي" لم تنخرط فيه علانية، وجّه رسائل سياسية وأمنية وإقتصادية عدة أطلقت في بيروت وعدد من المناطق، ضد سياسة السلطة اللبنانية، وأظهر وجهاً من وجوه الأزمة التي يعيشها اللبنانيون، في ظل غياب الثقة تجاه السياسات الرسمية، وسط تراجع قدرة المواطنين على مواجهة أعباء الحياة اليومية.

التحرك الذي تمركز في وسط بيروت، أمام السراي الحكومي، لم يتجاوز بضع مئات من المواطنين، فيما أثارت عمليات تسكير الطرقات في بيروت والمناطق تساؤلات حول من يقف وراء هذا القرار، لا سيما أن إغلاق الطرق غالباً ما تقوم به مجموعات "غبّ الطلب".

رئيس الجمهورية وحاكم مصرف لبنان، كانا نجمي التصريحات التي تناقلتها وسائل الإعلام المتلفزة في وسط بيروت، الأكثر تداولاً على ألسنة المعتصمين، فيما كان البعض منهم يتمنى على الأمين العام لـ"حزب الله" أن يدعو لتظاهرة ضد الفساد، على اعتبار أن "الحزب" والسيد نصرالله لا علاقة لهما بما آل إليه البلد، إلاّ من زاوية عدم قيامهم بمواجهة الفساد والمفسدين.

في المقابل تسلّلت عبارات من نوع "كلن يعني كلن" والتي يحمّل أصحابها الطبقة السياسية الحاكمة بكل مكوناتها مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع.

تحرك الأمس هو بداية وليس خاتمة، هو رسالة بأن الأوضاع التي يعيشها لبنان يمكن أن تتجه نحو مزيد من الفوضى، هذا ما أوحته عملية إغلاق الطرقات، ولكن من الصعب الاعتقاد، أن السلطة بكل مكوناتها وعلى رأسها "الأخ الأكبر" - "حزب الله" في وارد السماح بأن تتطور تحركات الشارع، إلى ما هو أبعد من تحرك يمكنه من استثماره في اتجاه محدد. يريد "حزب الله" أن يلوّح للجميع ولا سيما لمن هم في الخارج، أنه ليس هو من يتضرر من العقوبات وحده، بل السقف سيقع على الجميع في حال لم يتمّ التعامل بجدية في مواجهة العقوبات الأميركية من قبل السلطات اللبنانية. والتصويب على حاكم مصرف لبنان، لا يتصل بالإجراءات التي يتخذها على صعيد السياسة النقدية، بل هي رسالة لكل القطاع المصرفي بأن "حزب الله" مستعد للذهاب إلى النهاية في حال لم تعمل المصارف على لجم العقوبات، وهذه المرة فإن "حزب الله" لا يجد ضيراً بالنسبة إليه في الانضمام الكامل إلى محور إيران وفنزويلا وسوريا وإعلان القطيعة الكاملة مع النظام المصرفي الأميركي. إذ يجب أن يفهم الجميع أن خنق "حزب الله" سينهي نموذج لبنان السابق اقتصادياً ومالياً.

رسالة "حزب الله" ليست لشخص سلامة، "هي للنظام اللبناني نفسه، المعني بحماية مكوناته ومن دون منّة من أحد".

العدد المحدود

الاعتراض في الشارع أمس لم يكن إلا تعبيراً أولياً عن الشكوى لدى غالبية المواطنين، وبالتالي فإن التساؤل هو لماذا كان العدد محدوداً في الشارع، وليس التساؤل حول من يقف خلف التحرك ومن يوجّهه.

على أن ذلك لا يقلّل من شأن المواجهة الجارية إقليمياً ودولياً على الساحة اللبنانية. الموقف الفرنسي بات واضحاً حيال استيائه من عدم قيام السلطات اللبنانية بما هو مطلوب منها على صعيد الإصلاح، الإدارة الأميركية معنية بتصعيد المواجهة من خلال تجفيف مصادر تمويل "حزب الله"، عبر سيف العقوبات، والذي سيقطع، على ما يبدو، في جبهة المتعاونين مع "حزب الله" سياسياً وفي النظام المافياوي الذي يديره داخل الدولة وفوقها ومن تحتها.

المؤكد بحسب مصادر ديبلوماسية متابعة، أن ملف الطاقة والكهرباء والنفط على وجه التحديد هو عرضة لعقوبات، انطلاقاً من أن التعاون في وزارة الطاقة بين "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" عميق جداً، وتؤكد المصادر أن نفوذ "حزب الله" في هذا الملف لا يستهان به، بما فيه ملف استخراج النفط.

العقوبات الأميركية بالإضافة إلى مقررات مؤتمر "سيدر"، وفي موازاة العجز عن القيام بأي خطوة إصلاحية جدية باتت تفرض اتخاذ خيارات نوعية وغير تقليدية من قبل لبنان . يدرك المجتمع الدولي أن لبنان في ظل المعادلة الحاكمة، لن يستطيع الاستجابة إلى متطلبات الاصلاح، وهذا ربما ما جعل الذهاب نحو حكومة منسجمة وقادرة على اتخاذ قرارات تنفيذية تتلاءم مع متطلبات الاصلاح ووقف النزف المالي، أمراً يجري تداوله في دوائر لبنانية وأخرى فرنسية.

خيار حكومة من أربعة وعشرين وزيراً برئاسة سعد الحريري اقتراح سيكون على طاولة رئيس الجمهورية عبر تعديل وزاري يخفف من الأثقال الوزارية التي وجدت لمهمة التعطيل التي باتت اليوم على محك "سيدر".

التحركات في الشارع مشهد قد يتكرر، فإما أن تدفع السلطة نحو مسار جديد منتج، أو أنها ستشكل أحد مظاهر الانهيار والتخلي الدولي شبه الكامل عن لبنان.