هل حان وقت اللقاح المسانِد (Booster)؟

02 : 00

بعد اجتماع طويل ومكثّف، أوصت لجنة "إدارة الغذاء والدواء" الأميركية بالإجماع بأن تعطي الوكالة الإذن بتلقي الجرعة الثالثة من لقاح "فايزر" للأميركيين فوق عمر الخامسة والستين أو للأشخاص الأكثر عرضة لحالات حادة من "كوفيد-19". إذا كانت مناعتك ضعيفة، من الأفضل أن تأخذ هذه الجرعة في أسرع وقت. توصي "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" بانتظار 28 يوماً على الأقل بعد تلقي الجرعة الثانية من لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA) أو أول دفعة من لقاح "جونسون أند جونسون". لكن يظن خبراء آخرون أن أفضل فترة فاصلة تتراوح بين أربعة وخمسة أشهر. بالنسبة إلى عدد كبير من أصحاب المناعة الضعيفة، قد لا تعطي الجرعة الأولى أو الثانية استجابة قوية بما يكفي في الجسم لتوفير حماية دائمة. في هذه الحالة، لا تهدف الجرعة المسانِدة إلى سدّ الثغرات في دفاعات الجسم ضد الفيروس بل إنها تبدأ بتطوير تلك الدفاعات الغائبة.

لكن يختلف الوضع مع الفئة التي تلقّت اللقاح وتحمل مناعة سليمة نسبياً. يشمل الجسم في هذه الحالة كمية كبيرة من الخلايا البائية والتائية الجديدة التي تنتظر إنتاج أجسام مضادة لمهاجمة فيروس كورونا. يقول علي البيدي، اختصاصي في أمراض المناعة من جامعة واشنطن في "سانت لويس"، إن تلك الخلايا تصبح أكثر استعداداً لمحاربة العناصر الدخيلة كلما طالت مدة نضجها داخل الجسم. لكن قد تؤدي أي جرعة إضافية من اللقاح، في حال تلقيها في مرحلة مبكرة، إلى إعادة إطلاق عملية كانت قيد التنفيذ أصلاً. لهذا السبب، يوصي البيدي بتأخير أي جرعات مسانِدة لفترة ستة أشهر على الأقل بعد أخذ أول جرعة من اللقاح. تُعتبر مهلة الثمانية أشهر أفضل بعد، ولا بأس بالانتظار لسنة كاملة أيضاً.

في الوقت نفسه، ترفع الجرعات المسانِدة مستوى الأجسام المضادة في الدم بغض النظر عن توقيت تلقيها. لا تزال المنافع العيادية التي يعطيها هذا الارتفاع لمن تلقوا جرعات كاملة من اللقاحات غير واضحة، مع أن الأدلة الأولية تكشف أن زيادة الأجسام المضادة قد تُضعِف احتمال المرض أو نقل متحور "دلتا" للآخرين، إلى أن تتلاشى مستويات الأجسام المضادة مجدداً على الأقل.

تبلغ مستويات الأجسام المضادة ذروتها خلال بضعة أسابيع بعد تلقي جرعات اللقاح الأولية في معظم الحالات. إذا كانت هذه المعلومة تنطبق على الجرعات المسانِدة أيضاً، قد نميل إلى تحديد موعد الجرعة المقبلة قبل ثلاثة أسابيع تقريباً من الفترة التي نحتاج فيها إلى أعلى درجات الحماية. إذا بلغت مستويات تفشي الفيروس مستوىً فائقاً في بلدك في شهر كانون الأول الماضي وكنت تخشى تكرار الوضع نفسه هذه السنة، يجب أن تتلقى الجرعة المسانِدة بحلول 11 تشرين الثاني مثلاً.

لكن قد تشير تلك الأسابيع القليلة إلى معدل وسطي بكل بساطة. تقول موغيه شيفيك، عالِمة فيروسات في جامعة "سانت أندروز"، إن الناس يطوّرون أجساماً مضادة بوتيرة مختلفة جداً. بشكل عام، تعمل أجهزة المناعة بسرعة في أجسام الشباب والأصحاء، وقد تقترب مستويات الأجسام المضادة من ذروتها خلال سبعة أيام فقط. أما كبار السن أو أصحاب المناعة الضعيفة، فقد يحتاجون إلى أسابيع إضافية قبل بلوغ هذه المرحلة. وبما أننا لا نعرف بعد إلى متى تدوم وفرة الأجسام المضادة، تُعتبر هذه الاختلافات أساسية لتقييم الحالات.

لكنّ توقّع أكثر المراحل خطورة يتطلب تحديد الفترات التي تبلغ فيها الإصابات ذروتها في البلد، ولا يمكن معرفة هذه الفترة بدقة. تقول ساسكيا بوبيسكو، عالِمة أوبئة متخصصة بالأمراض المعدية في جامعة "جورج مايسون"، إن الإصابات سترتفع مجدداً خلال الشتاء المقبل على الأرجح، لكن لا يمكن تحديد الأسبوع أو الشهر الذي سيسجّل أعلى مستوى من الإصابات في كل بلد. برأيها، قد تزيد صعوبة رصد النزعات التصاعدية الأصغر حجماً قبل استفحال الإصابات مجدداً بسبب زيادة الاختبارات المنزلية وتراجع مواقع الفحوصات الجماعية.

لكنّ احتمال زيادة الإصابات مجدداً خلال الشتاء يجعل الانتظار خياراً منطقياً، ولو لفترة بسيطة. إذا سارع عدد كبير من الناس لتلقي جرعات إضافية، ستتلاشى الأجسام المضادة بحلول الفترة التي يصبحون فيها بأمسّ الحاجة إليها، حتى أن فصل الشتاء قد يشهد إصابات قياسية. لذا توصي شيفيك مرضاها الأكثر ضعفاً بتلقي الجرعات المسانِدة في نهاية شهر أيلول أو في تشرين الأول. في المقابل، يستطيع الشبان وأصحاب المناعة الصحية الانتظار حتى تشرين الثاني أو بداية كانون الأول.

في نهاية المطاف، قد تكون وتيرة نقل العدوى في منطقتك أكثر أهمية من تفاصيل جدول لقاحاتك الشخصية. يفضّل ديفيد دودي، عالِم أوبئة في كلية الصحة العامة التابعة لجامعة "جونز هوبكينز بلومبيرغ"، أن تتوزع الجرعات المسانِدة بطريقة محدودة واستراتيجية في المجتمعات التي تسجّل مؤشرات على حصول ارتفاع وشيك في الإصابات. وفيما تنتظر الجماعات الأخرى دورها، يستطيع مصنّعو اللقاحات تحديث تركيباتهم لضمان حماية أفضل ضد متحور "دلتا" وإطلاق تجارب مدروسة أخرى لجمع بيانات جديدة حول فعالية الجرعات الأصلية واللقاحات المسانِدة.

يقول ديفيد دودي في أوساطه الخاصة إن تلقي الجرعة الثالثة الآن لن يترافق على الأرجح مع أي أضرار بارزة. لكن قد يطرح مصنّعو اللقاحات جرعة جديدة خلال بضعة أشهر لاستهداف المتحورات الشائعة، أو ربما يبتكرون خياراً يوضع داخل الأنف لكبح العدوى في مرحلة أبكر. حين تعلن الحكومة عن ضرورة أن يتلقى عشرات ملايين الناس جرعة مسانِدة الآن، قد يصعب عليها أن تقنعهم بتكرار هذه العملية عند طرح خيار أفضل بعد بضعة أشهر. وكل من يقرر تلقي جرعة مسانِدة قد لا يعود مؤهلاً لأخذ جرعة رابعة حين يظهر ذلك الخيار المستحدث. قد تبدو معدلات الإصابات مخيفة في الوقت الراهن، لكن أثبت هذا الوباء مراراً وتكراراً أن الوضع قد يتفاقم في أي لحظة. في النهاية، يستنتج دودي: "يجب ألا نتساءل حول صوابية تلقي جرعة مسانِدة أو الامتناع عنها، بل من الأفضل أن نسأل ما يلي: هل يجب أن نتلقى جرعة مسانِدة الآن أم نبقي المجال مفتوحاً لأخذ هذه الجرعة لاحقاً"؟