سهجنان حسن الرز

آثار الجنوب بين تدمير وتأهيل وإهمال

29 أيلول 2021

02 : 00

تعاني الآثار في لبنان من الإهمال والتعديات بشكل عام وتزداد معاناتها الآن بسبب الازمة المالية والسياسية التي تعيشها المرافق والمؤسسات لجهة قلة المخصصات المالية وغياب الرقابة، والشلل والفوضى الذي يعيشه القطاع العام والذي يعاني من قلة الرواتب، وضآلة مصارفات الصيانة والتأهيل. مما جعل هذه الآثار المفتوحة، تتعرض لعمليات النهب والتعديات وقلة الصيانة التي تؤثر في ثباتها ومتانتها واستمراريتها بسبب الأحوال الطبيعية والبشرية.

إن آثار لبنان عموماً قد تعرضت للنهب والسرقة خلال فترات الغزو والاستعمار والإحتلال وتعرّضت للنهب والسرقة والتدمير أثناء الحرب الأهلية والحروب الإسرائيلية المتكررة، وما زالت تتعرض للضرر الناتج عن اختراقات جدار الصوت والقصف الجوي الذي تقوم به الغارات الإسرائيلية يومياً، مما يعرض هذه الآثار لأضرار "الإنفجارات" الصوتية وكأنها عبوات ناسفة في الهياكل الحجرية أو المغاور والكهوف، والتي ستؤدي إلى إنهيارها بعد الهدم البطيء الذي تتعرض له.

إن الإشكالية الثانية التي تعاني منها الآثار هي نتيجة الأضرار التي تتعرض لها بسبب الإستثمار البشري لها بالإحتفالات المتنوعة أو الزيارات السياحية، التي لا تلتزم المعايير الفنية المطلوبة ولا تتعامل مع الحجر أو الهيكل الحجري بشكل يضمن سلامته وصيانته والحفاظ على حالته، وإن تواجد الأعداد الكثيفة من الجماهير أثناء الإحتفالات وبناء المسارح الخشبية والمعدنية وتثبيتها داخل الحوائط وإرتجاجات المؤثرات الصوتية والضوئية على الأعمدة، كل هذا يساهم في إلحاق الأضرار بالآثار من دون وجود أخصائيين في الترميم وفي غياب الرقابة الرسمية.

إن آثار الجنوب اللبناني تستدعي المبادرة لحمايتها قبل باقي الآثار في المناطق، بسبب تعرّضها للقصف الإسرائيلي مثال قلعة الشقيف أرنون وكذلك في قلعة تبنين وعدة مواقع آثرية في الإجتياحات، ثم تعرضت للنهب والسرقة بغياب السلطة اللبنانية المركزية وفي حالات انعدام السلطة ونتيجة الفقر والحاجة، بدأ العديد من الأفراد بالتفتيش عن الكنوز الذهبية أو قطع الآثار في الحقول والتلال وتم حفر العديد من المواقع وبيع ما تم اكتشافه، مما حرم لبنان من آثاره على المستوى المالي أو المعنوي التاريخي.

إن عملية تأهيل الآثار في الجنوب التي قامت بها الدولة ووزارة الثقافة وغيرها بالإضافة إلى مبادرة بعض الجمعيات الأهلية تعتبر غير كافية او قليلة لا تصل منه إلى العشرة بالماية (10%)، وإذا إستمرت الأوضاع المالية والمعيشية الصعبة لسنوات أخرى، فإن آثار الجنوب معرّضة لخطر حقيقي لا يمكن تعويض نتائجه السلبية في ما بعد، ولذا لا بد من خطة طوارئ وطنية بالتعاون مع الجمعيات المدنية والقطاع الخاص والبلديات والمتحف الوطني ومتحف الجامعة اللبنانية، لإنقاذ الآثار في لبنان عموماً وآثار الجنوب المهددة خصوصاً كأولوية في بيان الخطة العامة لإنقاذ الآثار في لبنان، لأن اهمالها أو التقصير في صيانتها وحمايتها هو تقصير في حفظ الهوية والتراث العمراني الذي لا يمكن تعويضه في ما بعد، وهذا من ضمن مسؤوليات الجميع بدون الحواجز والخصوصيات الطائفية أو السياسية.

ولا بد من رفع مخصصات وزارة الثقافة في الموازنة العامة التي لا تتعدى منها (1%)، لتتمكن من ترميم وصيانة الآثار المعروفة ودراسة الآثار المهملة والمستباحة للعامة، وأرشفة الآثار التي اندثرت وفقدت للاستفادة من قراءة تاريخ حضارتنا قبل نسيانها واكتشاف ما هو مطمور تحت التراب ولم يتم القاء الضوء عليه بعد، بهدف حمايتها من الاندثار.

تنتشر الآثار في جنوب لبنان التي تعود الى أقدم الحضارات في 25% من قراها وبلداتها وتتوزع بين 40% في المناطق الساحلية و 60% في المناطق الداخلية. وتتنوع بين مدن أثرية مثل صيدا وصور وجزين وحاصبيا والنبطية، بالاضافة لوجود آثار دينية مثل معبد أشمون (صيدا)، مغارة قانا، قبر حيرام (حناوايه) وسيدة المنطرة (مغدوشة). وكذلك آثار حربية مثل القلاع والتي يبلغ عددها 19 قلعة وابرزها قلعة صيدا وصور في المناطق الساحلية وقلعة شقيف وتبنين وحاصبيا ودوبية في المناطق الداخلية، ويوجد برجان وهما برج الناقورة وبرج بعل في الهبارية. بالإضافة لوجود عدد كبير من المغاور والمدافن وعددها 43 بين مغاور مستثمرة مثل مغارة الريحان ومقفلة مثل مغارة عدلون ومغاور لم تتم دراستها.

لا بد من لفت الإنتباه لعدم وجود متحف في منطقة الجنوب ويأتي إقتراح إنشائه ليضمن حفظ الآثار وعرضها بشكل علمي ومدروس، كما ينبغي تشجيع عمليات الإهداء وإغناء المتحف وتكريم المتبرعين بالمقتنيات الآثارية التي بحوزتهم وإسترجاع ما سرق وتم بيعه، لما للمتحف من أهمية على الصعيد الإجتماعي والثقافي والسياحي والإقتصادي، حيث يؤمن المتحف التواصل الإجتماعي بين اهل البلد الواحد وبين الشعوب، ويعتبر في الوقت الحاضر مؤسسة علمية أكاديمية تضم المصادر الأساسية لمسيرة الإنسان، وللمتحف أهمية كبيرة في القطاع السياحي، بإعتباره محطة أساسية من قبل الزوار والسائحين كونهم يعرفون عن البلد المستضيف لهم حيث يزودون البلد بمردود إقتصادي هام، ونناشد الهيئات المعنية والرسمية أن تبادر لتأسيس متحف خاص بآثار الجنوب بالإتفاق مع الهيئات الإقليمية والعالمية من تنظيم الألسكو والأونيسكو.


MISS 3