ياسمين تاياغ

إلى أيّ حدّ ينقل الملقّحون فيروس كورونا؟

17 تشرين الثاني 2021

المصدر: The Atlantic

02 : 00

كان الخوف من تسجيل إصابات قياسية جديدة بفيروس "كوفيد - 19" كفيلاً بإفساد فصل الصيف. في بداية مرحلة التلقيح الإيجابية، ظنّ عدد كبير من الأميركيين أن تلقي جرعات اللقاح يعني العودة إلى وضع طبيعي، وقد أكد خبراء الصحة العامة على ذلك، خلال فترة معينة على الأقل. يبقى التقاط العدوى وسط الملقحين ممكناً طبعاً، لكن لا داعي كي يقلق الناس من احتمال نقل الفيروس إلى شخص آخر.

كشفت توجيهات "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" في شهر آذار الماضي أن خطر نقل العدوى في هذه الحالات يبقى ضئيلاً على الأرجح، وأعلنت مديرة هذه الوكالة الصحية، روشيل والينسكي، بعد بضعة أسابيع أن "الملقحين لا يحملون الفيروس".

ثم ظهر متحور "دلتا" الذي ينتقل بسهولة بين الناس. زادت الإصابات بدرجة قياسية بسبب هذا المتحور وامتلأت وحدات العناية المركزة مجدداً بمرضى كورونا. حتى أنه نشر حالة من الهلع الشامل وأثبت أن طريقة فهمنا للفئات القادرة على نقل الفيروس كانت خاطئة بالكامل. في بداية شهر آب الماضي، نشرت "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" نتائجها حول مجموعة هائلة من إصابات كورونا في "بروفينستاون"، ماساتشوستس، واستنتجت أن 74% من الإصابات استهدفت الملقّحين. كانت تداعيات هذا الاستنتاج أكثر خطورة، فقد تبيّن أن الملقحين قد ينقلون الفيروس بقدر غير الملقحين. نتيجةً لذلك، طلبت "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" من الملقحين سريعاً أن يضعوا الأقنعة على وجوههم مجدداً في المساحات الداخلية، ونشرت وسائل الإعلام الإخبارية عناوين مثل "الملقحون المصابون بالعدوى قد ينشرون متحور دلتا". فجأةً، أصبح أسوأ السيناريوات المحتملة ممكناً: يبدو أن الملقحين قد ينشرون عدداً هائلاً من حالات كورونا الجديدة وهم يعيشون حياتهم الطبيعية!

بعد مرور ثلاثة أشهر، لم يتحقق ذلك السيناريو المشؤوم لحسن الحظ، ما يعني أن المخاوف التي أثارها تقرير "بروفينستاون" مبالغ فيها. لكن لا يعني ذلك أن الملقّحين محصّنون أكثر من غيرهم. لا تزال ظاهرة "عدوى الاختراق" قائمة (إنها الحالة التي يلتقط فيها الملقّحون بالكامل الفيروس)، وقد تؤدي إلى تناقل العدوى. لكننا لا نعرف بعد نطاق انتشار هذه الظاهرة.

ينشر الملقّحون الفيروس على نطاق أصغر من غيرهم لأنهم أقل ميلاً إلى التقاط العدوى أصلاً. في بداية شهر أيلول، اكتشفت "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" أن ستة أشخاص غير ملقحين كانوا يصابون بفيروس "كوفيد-19" مقارنةً بشخص مُلقّح واحد. لكن تتعدد الأسباب الأخرى التي تدعو إلى التفاؤل. تكشف أبحاث جديدة أن الملقحين هم أقل ميلاً من غير الملقحين إلى نشر فيروس كورونا رغم إصابتهم بالعدوى. يوضح روس كيدل، أستاذ في علم المناعة في كلية الطب التابعة لجامعة "كولورادو": "لقد عدنا إلى هذا الاستنتاج مجدداً. قد ينقل الملقحون العدوى فعلاً، لكن يبقى هذا الحدث نادراً جداً".

لإثبات هذه الفكرة تكلم كيدل عن دراستَين، لم تخضع أيٌّ منهما لتقييم الخبراء بعد. تكشف دراسة منهما أن الملقحين في "بروفينستاون" نقلوا العدوى فعلاً، لكن تشكّل هذه الحالات برأي كيدل نسبة "محدودة جداً" من عدد الإصابات الإجمالية التي تُعتبر جزءاً من تفشي الوباء. في الدراسة الثانية، اكتشف باحثون في المملكة المتحدة أن لقاحات "فايزر" و"أسترازينيكا" تنجح دوماً في تخفيض فرص نقل العدوى وسط الملقحين. كانت معظم المخاوف المرتبطة بمتحور "دلتا" تتعلق بما يُسمّى "الحمل الفيروسي"، أي كمية الفيروس التي يحملها الفرد أثناء إصابته بالعدوى. لكن استنتج الباحثون أن الحمل الفيروسي هو واحد من عوامل عدة تُمهّد لتخفيض احتمال نقل العدوى. حتى لو بلغ الحمل الفيروسي لدى الملقحين وغير الملقحين مستوىً واحداً إذاً، لا يعني ذلك بالضرورة أنهم ينشرون الفيروس بالدرجة نفسها.

يتعلق أحد الأسباب على الأرجح بتراجع كمية الجزيئات الفيروسية المُعدِية لدى الملقحين. إنه الاستنتاج الذي توصّل إليه بحث هولندي جديد لم يقيّمه الخبراء بعد. يفترض الكثيرون أن جزيئات الفيروس التي يحملها الملقّحون وغير الملقّحين تكون متشابهة، لكن تشير مبادئ علم المناعة الأساسية إلى فرضية معاكسة. يقال إن الجزيئات الفيروسية التي يفرزها الملقّحون تكون مغطاة بأجسام مضادة (بعضها من إنتاج الأنف والفم ويُعتبر جزءاً من مناعة "الغشاء المخاطي")، ما يعني تراجع احتمال نقل العدوى برأي كيدل.

توصّل باحثون آخرون إلى استنتاجات مشابهة. يقول كريستوفر بايرون بروك، أستاذ مساعِد في جامعة "إلينوي" في "أوربانا شامبين": "تكشف البيانات بكل وضوح أن الملقحين يكونون أقل ميلاً من غير الملقحين لنقل الفيروس إلى الآخرين". ويستنتج تقرير جديد شارك بروك في صياغته أن الملقحين يفرزون كميات فيروسية أقل من غيرهم، وتتوقف هذه العملية لديهم في مرحلة أبكر من غير الملقحين، كما أنهم ينتجون جزيئات أقل قابلية لنقل العدوى. هذا الاستنتاج يدعم الفكرة القائلة إنهم أقل ميلاً إلى نقل المرض.

كذلك، ترصد دراسة هولندية تراجعاً في نقل العدوى وسط الملقحين داخل الأُسَر بنسبة 63%. إنه إثبات على فعالية اللقاحات: تشكّل المنازل بيئة مناسبة لنقل العدوى نظراً إلى احتكاك أفراد الأسرة في ما بينهم لفترات طويلة. (لكن لم ترصد دراسة جديدة أخرى أي فرق مهم من الناحية الإحصائية على مستوى نقل العدوى بين الملقحين وغير الملقحين). في نهاية المطاف، يستنتج بروك أن احتمال نقل العدوى يبقى أقل مستوى وسط الملقحين، لكن لا يمكن تحديد معنى هذا المستوى المنخفض.

لم يُغيّر البحث الجديد توصيات "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" التي تفضّل توخي الحذر قبل إصدار أي توجيهات جديدة. يقول متحدث باسم الوكالة الصحية إن البيانات المشتقة من دراسة "بروفينستاون" توضح أن الملقحين بالكامل قد ينقلون الفيروس إلى الآخرين، بما في ذلك الملقحين، إذا أصيبوا بعدوى الاختراق. لا تزال المعطيات العلمية في بدايتها، لكن يبدو أن الملقحين المصابين بالعدوى قد ينقلون الفيروس بقدر غير الملقحين أو بدرجة أقل منهم، بعد التقاط العدوى مباشرةً على الأقل.

يفضّل خبـــراء آخرون في مجال الصحة العامة توخي الحذر في أحكامهم أيضاً. تقول ليزا ماراغاكيس، مديرة قسم الوقاية من العدوى في مستشفى "جونز هوبكينز": "أظن أن الحُكم النهائي حول قدرة اللقاح على تخفيض خطر انتقال العدوى لم يصدر بعد، لكننا نعرف أن نقل العدوى ممكن. ولا يمكنني أن أقول إن نسبة الخطر منخفضة". هي تُلمِح إلى البيانات التي تثبت وجود المستوى نفسه من الحمل الفيروسي لدى الملقحين وغير الملقحين.

لكن يُجمِع الباحثون على نقطة واحدة: يبقى التلقيح أفضل طريقة للاحتماء من التقاط العدوى ونقلها. قد لا تكون اللقاحات مثالية، لكنها تُعتبر حتى الآن أفضل أداة لمحاربة "كوفيد - 19" ولحماية الذات والآخرين. كذلك، قد يكبح الملقحون انتشار الفيروس عبر تجنّب الظروف التي تزيد نسبة الخطر. تقول سيرا ماداد، عالِمة أوبئة في شبكة مستشفيات نيويورك: "في ما يخص عدوى الاختراق، لا يخضع السلوك لنقاشات كافية". لم تكن تجربة "بروفينستاون" التي شملت حفلات داخلية مكتظة تزامناً مع تفشي متحور "دلتا" تهدف إلى تجنب عدوى الاختراق. لا تزال التدابير الوقائية، مثل وضع القناع على الوجه وتهوئة المساحات، بالغة الأهمية إذاً. لهذه الأسباب، ستتابع ماراغاكيس مراقبة البيانات بحذر مع اقتراب فترة الأعياد: إذا بدأ الناس يزيدون اجتماعاتهم في المساحات الداخلية، قد تزيد الإصابات وسط الملقحين وتنتشر على نطاق أوسع.

يتعلق عامل مهم آخر بقوة المناعة منذ تلقي اللقاح. يذكر البحث البريطاني أن مستوى الحماية ضد نقل العدوى يبدأ بالتلاشي بعد مرور ثلاثة أشهر تقريباً، مع أن معظم البيانات تكشف أن درجة الحماية الإجمالية تبقى قوية. بالنسبة إلى الناس تحت عمر الستين، قد تؤدي عدوى الاختراق إلى الشعور بانزعاج شديد طوال أسبوع، لكنها لا تتطلب الدخول إلى المستشفى في معظم الحالات. من المستبعد أن تنشر هذه الفئة العمرية الفيروس إذاً، لا سيما وسط الملقحين الآخرين، نظراً إلى قوة مناعتها. لكن يختلف الوضع مع الملقحين في عمر الخامسة والستين وما فوق، إذ تكون مناعتهم أضعف من غيرهم وقد يصبحون أكثر عرضة للأمراض الخطيرة ونقل العدوى. لهذا السبب، يجب أن تتلقى هذه الفئة جرعة مسانِدة. تظن ماراغاكيس أن أهم سؤال في هذه المرحلة هو التالي: ما هي أنسب مدة فاصلة بين الجرعات المسانِدة خلال الأشهر والسنوات المقبلة؟

قد لا يتوصل الخبراء إلى إجماع تام حول مستوى تناقل عدوى الاختراق، ولا بأس بذلك. الشك هو جزء طبيعي من التعايش مع فيروس كورونا، رغم بدء الوباء منذ 20 شهراً. وطالما لم نتأكد من جميع المعلومات بعد، يبقى الحذر أفضل طريقة للحفاظ على سلامة الناس، ما يعني ضرورة أن يعزل المصابون أنفسهم في مطلق الأحوال. توضح ماراغاكيس: "أظن أنني سأتردد كثيراً قبل إبلاغ المرضى بأنهم لا يجازفون بنقل العدوى إلى الآخرين". قد يسمح لك اللقاح بالقيام بنشاطات كثيرة بكل أمان، لكنه لا يعطيك حرية التصرف بقدر العام 2019 للأسف.

في أفضل الأحوال، ستصبح عدوى الاختراق يوماً مرادفة للإصابة بالإنفلونزا العادية. يقول بروك: "في نهاية المطاف، سيصاب جميع الناس بهذا الفيروس في مرحلة معينة، بغض النظر عن مستوى التلقيح، حين يصبح الفيروس متوطناً". إذا تلقى عدد كافٍ من الناس اللقاحات وحافظت المناعة على قوتها، لن تعود عواقب نشر الفيروس من جانب الملقحين مخيفة بالقدر نفسه.