ريتا بولس شهوان

منطق "اللامنطق" في تحديد بدل الإيجارات

هذه دلالات نشوء أحزمة البؤس!

4 آذار 2022

02 : 00

لكل بيت سعر

«إن كنت تريد السكن»، قد لا تجد مأوى على قدر راتبك، بسبب ارتفاع الإيجارات. إنعكاس غياب الخطة الاسكانية منذ انشاء لبنان، في قمة الازمة الاقتصادية، يمس بحق السكن الذي هو من واجبات الدول والحكومات، كما تشير المواثيق الدولية في الإعلان العالمي لحقوق الانسان والتي دخلت في الدستور، باعتبار ان لبنان وقّع على هذه المعاهدات.

جالت «نداء الوطن» على المواطنين لتسألهم عن «سكنهم» والايجارات، مركزة على عينات في المتن، كسروان وجبيل. وجدنا ان ذوي الدخل المحدود، بعد عناء البحث الطويل قد يقبلون بخيارات المنازل البعيدة عن الساحل، بما يعادل المليون ليرة ولكن يعلم الباحث عن «مرقد عنزة»، علم اليقين ان فاتورة البنزين ستضاهي الايجار. من هذه النقطة ينطلق مالك العقار بعملية استخدام حاجة المسكن لرفع بدل الإيجار.

تخبر سامية (معلمة مدرسة في أعالي جبيل) ان ايجارها زاد على ما كان عليه مليون ليرة لبنانية، اما راتبها فهو يناهز المليونين ليبقى لها 400 الف ليرة كمصروف. الربط بين راتبها الذي لم يتغير منذ عامين والايجار، انهكها فما عادت قادرة على إيفاء مستحقات السكن الذي تحول الى دين، والدين الى ابتزاز مادي، فانتقلت طوعاً الى منزل آخر، بأقل كلفة، من دون أن ترفع أي دعوى قضائية خوفاً من آثار الابتزاز هذا وتكلفة المحاكمة.

هذا المالك كان اقل قساوة من آخر في برج حمود، والذي هدد شمس (برج حمود) بالطرد للحصول على مئة دولار نقداً، الى ان قررت هي وعائلتها الانتقال الى آخر بالليرة اللبنانية في بناية مهجورة، ليكون فيها الايجار ما يعادل المليون ونصف مليون ليرة. استدان الرجل، أي الزوج، 6 ملايين ليرة من الأقارب ليدفع مقدماً يوازي 4 اشهر، ليضمن الا يتلاعب المالك بالسعر، ومع ذلك تلاعب.

تكثر هذه الروايات في المناطق الشعبية في المتن، فنيفين تصاعد ايجارها من 600 الف ليرة الى المليون ليطالبها المالك بعد عدة اشهر بالـ»فريش» دولار، وبعد اول مئة اصبح بالمئتين وكل ذلك في اطار العقد الشفهي. خافت نيفين من سطوته على المحاكم ورضخت للمبلغ المطلوب، بعد ان وجدت ان أصحاب الملك يضاربون عليه بالأسعار.

الارتفاع التدريجي بالايجار مرتبط بسعر الصرف. تقص سناء (برج حمود) السيناريو المكرر، فكلما ارتفع سعر الصرف زاد باللبناني، وكلما انخفض سعر الصرف زاد عليها بالدولار بظرف شهرين. وعند مواجهة مالك العقار بالواقع المعيشي انتقل الى التهديد بالاخلاء مع ابراز فواتيره الخاصة سائلة: «ما دخلني بهمومه». ومع ذلك رضيت بالعقد الشفهي مع إصرار المالك عليه ليتلاعب بالسعر. وتردف لو كان هناك عقد لما تلاعب بالرقم وبالمبلغ المطلوب ولانها لم تجد في محيط المتن أي مسكن بهذا المبلغ والمالك يعرف نقطة الضغف هذه استسلمت.

تجمع محركات بحث، لمجموعة شركات تعرض عقارات للايجار على ان يكون اقل ايجار مسجل فيها 200 دولار، من دون ان تتحكم الشركات هذه بالأسعار المتعلقة برغبة المالك. يشرح مكتب عقاري لـ»نداء الوطن»، والذي يتقاضى 350 دولاراً له بغض النظر عن قيمة العقد، كيف يغيًر اسبوعياً صاحب العقار رأيه بالنسبة الى التسعيرة فينتقل من الـ300 دولار الى الـ400 مطالباً بالايجار بكامله سلفاً في منطقة الذوق، اما في جبيل على المرتفعات فتنخفض التسعيرة الى الـ 200 دولار كما على الخط السريع لتصل الى المئة دولار، وعلى هذا المنوال في منطقة المتن تنحدر تدريجياً الأسعار في المناطق الشعبية كبرج حمود. عامل غلاء الايجار له علاقة بمكان الشقة فلا توجد قاعدة موحدة الا عمر البناية.

تغير السعر منذ العام 2019 الى العام 2022 من 500 الف ليرة الى مئة دولار بالنسبة الى شادي (مالك عقارات في عشقوت) وعند الغوص في تفاصيل الايجار، يبدأ بسرد نمط المعيشة الذي تغير، من اللبنة والجبنة الى البنزين متمسكاً بالمضاربات العقارية والاسعار التي تصل الى العشرة ملايين ليرة في محيط كسروان.

منطق «اللامنطق» يسود تحديد الإيجارات، فعلى حد وصف المهندس أنطوان كرم يتصرف مالك العقار كصاحب سوبرماركت وفق قاعدة «كما يشتري يجب ان يبيع ويربح»، لكن في حالة البناء عندما تمت اشادة البنايات هذه منذ بضع سنوات، كانت الكلفة مختلفة عما هي اليوم، وبالتالي لا يجوز رفع السعر وفق سعر الصرف خصوصا ان اللبناني يتقاضى بالليرة اللبنانية على حد تعبيره. يعود الوضع غير السوي بنظره الى عدم وجود قانون واضح منذ صدور قانون عام 1992 للايجارات السكنية القديمة، ليأتي بعده قانون حرره من الضوابط، مطالباً الا تتخطى قيمة الايجار 20% من الرواتب وان يكون عمر عقد الايجار 5 سنوات يمدد الى 5 أخرى، حسب رغبة المالك، مع إعطاء دور للبلديات في تحديد تسعيرة الايجار.

امام «الفوعة» العقارية هذه يتمسك بعض المستأجرين القدامى بعقودهم كليلى (جبيل)، رافضة الزيادة على الايجار، خصوصاً في هذا الوضع، ليكون المبلغ الذي تدفعه بعد ان وجه لها المالك إنذاراً، خمسين الفاً شهرياً تسددها الى كاتب العدل. لن تترك ليلى منزلها، مهما تلفظ من كلام ومهما حصل فهي تعلم حقوقها وليس بمقدروها ان تدفع «قرشًا» اضافياً ولا يمكن لمالك المنزل طردها حتى بوجود الدرك اذ ان المسألة تحتاج الى امر قضائي.

هنا تظهر معضلة أخرى، تخص مالكي العقارات القديمة. تروي ماريا (مالكة قديمة في منطقة الاشرفية) كيف انها تتقاضى سنوياً مليون ومئة الف ليرة من هذه البناية التي اشترتها هي وزوجها كاستثمار، معتقدين عند عقد الاتفاق ان المستأجرين سيتركون الشقق بسهولة. اليوم هم عالقون بمتاهة لا تنتهي فصولها ولا بأي حل.

مع انتشار ظاهرة العقود الشفهية سألت «نداء الوطن» محامية اللجنة الأهلية لحماية المستأجرين، مايا جعارة عن ذلك فاعتبرت ان العقد هذا ليس بالضرورة ان يكون خطياً، اذ ممكن ان يكون شفهياً، لكن عملية اثباته اصعب الا ان «الوصل» هو اثبات يؤخذ به. تُشجِّع مايا على العقد الخطي لتكون الأمور واضحة بين الطرفين، غير ان الوضع اليوم متعلق بسعر الصرف مما يفسر لمَ لا يلتزم المالك باي ورقة.

تشرح مايا أنواع الايجارات، فهناك الايجار الحر، والايجار القديم والآخر القديم غير السكني وكل تلك العقود محكومة بقوانين. تلفت مايا الى ان الحر، في السنوات الأولى، المالك ملزم أولا بسنة ثم بثلاث سنوات وبعدها لا يوجد ضوابط. فوصلنا الى الواقع هذا مع هذه الظروف الاستثنائية فأصبحت الأمور متفلتة اكثر. مطالبة بهذه الضوابط لتجميد الاخلاءات وتسأل: «إلى أين يذهب المواطن؟».

حتى الساعة لا قانون كما لا نظام لرعاية «المهجرين» من منازلهم في لبنان . استنكرت مايا ما يحصل اذ انه عادة في الدول المتحضرة عمليات الاخلاء تحصل عبر السلطات المحلية على حد وصفها او عبر منظمات اجتماعية مختصة، علماً ان لا جمعيات مختصة بذلك بعد في لبنان، بغض النظر عن المساعدات في بيروت بسبب انفجار المرفا.

ينفض رئيس نقابة العقارات والابنية المؤجرة باتريك رزق الله يده من كل تصرفات المالكين غير القانونية والتي لا تستند الى قانون مضيئًا على ضرورة وجود عقد لحماية حقوق الطرفين، داعياً الى تطبيق الشروط لتحقيق التوزان والعدالة الاجتماعية وحق الملكية مطالباً بعنصر توازن في العقد لتكون قيمة بدل الايجار الحقيقية مساوية لخدمة الايجارات والمعيار فيها 5% بدل الايجار السنوي من قيمة المأجور. ومع ذلك يصر صاحب العقار على اغراء المواطن بالمليون ليرة، بعد ان يتصيد الزبون، ليلعب بأعصابه بعد ان استقر كما يتم التلاعب بسعر الصرف ليكون التسعير اعتباطياً، على مزاجه. فهل نجد مخيمات جديدة تأوي اللبنانيين من الفقراء قريباً على غرار أحزمة البؤس؟


MISS 3