هل يستعمل بوتين الأسلحة النووية؟

02 : 01

حبس العالم أنفاسه ما ان أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شرارة الحرب ضد أوكرانيا. فبدلاً من ان يسعى بوتين الى التهدئة ويذهب الى طاولة المفاوضات والتسويات ما انفك يهدد بإشعال حرب نووية إن تهاون العالم مع رغبته في حماية حدوده وان استمرّ ما اعتبره اعتداء على "محيطه الحيويّ". فهل ينفذ الدب الروسي تهديده بحرب نووية ضروس تكون انعكاساتها كارثية على العالم أجمع؟ الجواب في هذا الحوار بين إيما أشفورد المسؤولة البارزة في مركز "سكوكروفت" للاستراتيجية والأمن التابع لمجلس أتلانتيك وماثيو كرونيغ نائب مدير مركز "سكوكروفت" للاستراتيجية والأمن.

إيما أشفورد: نحن في الأسبوع الثالث من الحرب الروسية الأوكرانية. قرر الأوروبيون زيادة إنفاقهم الدفاعي بدرجة كبيرة، وحظرت الولايات المتحدة للتو واردات النفط الروسي، وأكثر ما يثير الدهشة على الأرجح هو نجاح الأوكرانيين في إطالة مدة هذه المعركة بما يفوق توقعات معظم المراقبين.

ماثيو كرونيغ: هذا صحيح. تغيّر العالم بطريقة جذرية في الأسابيع القليلة الماضية، وكأن تطورات عشر سنوات تجمّعت في أيام معدودة. لم أتوقع يوماً أن تقرر ألمانيا زيادة إنفاقها الدفاعي بأكثر من الضعف.

لكنك أغفلتِ عن أكثر التطورات رعباً: تجدّد خطر اندلاع حرب نووية مع روسيا للمرة الأولى منذ نهاية الحرب الباردة. ما رأيكِ بهذا التهديد؟

إيما أشفورد: ما كان هذا التهديد ليصبح أكثر وضوحاً حتى لو نفّذ بوتين شخصياً إنزالاً جوياً في أوكرانيا ووضع لافتة عملاقة كُتِب عليها "ممنوع الدخول!" أمام الحدود. بالإضافة إلى هذا الإنذار، سمعنا تصريحات علنية من بوتين ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حيث هدّدا بإطلاق رد نووي إذا أصرّ الغرب على التدخل في أوكرانيا. تريد الحكومة الروسية تذكير الجميع صراحةً بأن روسيا قوة نووية.

ماثيو كرونيغ: بما أنني خبير في الاستراتيجية النووية، لم أتفاجأ بما حصل. توقّعتُ أن تتخذ الأزمة الأوكرانية منحىً نووياً منذ بضعة أشهر.

إنها الاستراتيجية الروسية المبنية على مبدأ "التصعيد لمنع التصعيد"، ما يعني التهديد بإطلاق ضربات نووية (وتنفيذها عند الحاجة) على أمل أن يتراجع الغرب ويحقق الكرملين أهدافه.

في هذه المرحلة المبكرة من الأزمة، تُعتبر هذه التهديدات مجرّد خدعة لدفع الولايات المتحدة وحلف الناتو إلى تخفيف دعمهم لأوكرانيا، لكني أظن أن احتمال استخدام الأسلحة النووية وارد إذا استمرت الحرب.

إيما أشفورد: من اللافت أن تذكر مقاربة "التصعيد لمنع التصعيد". يتمسك المخططون الدفاعيون في واشنطن بهذه الفكرة لأنها تبرر على الأرجح امتلاك ترسانة نووية أكبر حجماً وأكثر تنوعاً. لكن يظن المحللون العسكريون المتخصصون بشؤون روسيا أن العقيدة العسكرية الروسية تخلو من هذا المفهوم. لم تُذكَر سياسة "التصعيد لمنع التصعيد" إلا في مقالة نشرتها مجلة عسكرية وفي بعض التصريحات الرسمية الغامضة. لكن لم تؤكد المواقف الخطية أو العقائد التي تطبّقها الحكومة على هذا الموقف مطلقاً. وما من أدلة رسمية على تمسّك الروس بهذه السياسة، ولا شيء يبرر التزامهم الصمت إذا كانت مقاربتهم تدخل في هذه الخانة فعلاً.

ماثيو كرونيغ: تكون التهديدات العسكرية الأكثر فاعلية حين لا يضطر المسؤول لتنفيذها. بدأت روسيا تطلق التهديدات على أمل أن تنجح مقاربتها، لكنها تحتفظ بخيار توجيه ضربات نووية حقيقية إذا اضطرت لذلك.

كانت روسيا قد طبّقت القواعد نفسها في العام 2014. حين غزا بوتين شبه جزيرة القرم وإقليم "دونباس" في شرق أوكرانيا، قال إن "روسيا هي واحدة من القوى النووية الرائدة، لذا من الأفضل ألا يعبث أحد معنا". كرر المسؤولون الروس تهديدات مشابهة أمام القادة الغربيين. لم تضع روسيا حينها قواتها النووية في حالة تأهب قصوى، لكن تفاخر بوتين لاحقاً بأنه كاد يفعل ذلك.

بعبارة أخرى، تحاول روسيا اليوم دعم عدوانها التقليدي بالتهديدات النووية. تقضي هذه المقاربة بغزو الدول المجاورة أولاً ثم التهديد بإطلاق حرب نووية لمنع أي تدخّل خارجي قد يعكس مسار الغزو.

إيما أشفورد: ألا تظن إذاً أن روسيا ستستعمل الأسلحة النووية فعلاً؟

ماثيو كرونيغ: لا أريد أن أطرح توقعاً مبالغاً فيه. يبقى هذا التهديد مستبعداً في هذه المرحلة، لكنه يُعتبر حقيقياً ويتوقف على مسار الصراع. قد يستعمل بوتين الأسلحة النووية في أوكرانيا كملجأ أخير له وكمحاولة يائسة لتجنب هزيمة عسكرية محرجة. تريد الولايات المتحدة أن تتجنّب الحرب النووية، لكن لا يريد بوتين خوضها أيضاً. الولايات المتحدة قوة نووية عظمى، وقد يؤدي أي تبادل نووي إلى تكاليف غير مقبولة بالنسبة إلى روسيا. إذا ارتعب الغرب بكل بساطة أمام التهديدات النووية، سيفهم بوتين أننا نقول له: "يكفي أن تُهدد بشن حرب نووية كي تتمكن من غزو أي بلد تريده".

إيما أشفورد: سبق وفرض الأميركيون والأوروبيون عقوبات قاسية وغير مسبوقة على الاقتصاد الروسي. هم يتابعون تسليح الأوكرانيين وتزويدهم بالإمدادات ويتخذون بعض الخطوات الدبلوماسية. لكنّ أوكرانيا ليست منتسبة إلى حلف الناتو ولا تقع تحت المظلة الأميركية النووية، وبالتالي يجب ألا تتدخل الولايات المتحدة في أي حرب من أجل أوكرانيا. تجازف مجموعة من الخيارات المطروحة اليوم، مثل فرض منطقة حظر جوي، بِجَرّ الولايات المتحدة إلى هذا الصراع مباشرةً، ما يعني احتمال خوض مواجهة نووية في نهاية المطاف.

ماثيو كرونيغ: يواجه الغرب معضلة حقيقية. من جهة، هو يريد دعم أوكرانيا في نضالها من أجل حريتها ضد هذا العدوان الروسي الفاضح. لكنه لا يريد من جهة أخرى أن يطلق حرباً كبرى بين روسيا وحلف الناتو. في هذه الظروف، لا بد من التساؤل: هل يستطيع الغرب بذل جهود أخرى لدعم الجيش الأوكراني من دون المجازفة بتصعيد المواجهة مع روسيا بلا مبرر؟

تتعدد الخيارات التي تسمح بدعم القوات الأوكرانية المسلّحة برأيي، منها نقل طائرات مقاتلة روسية الصنع من بولندا وطائرات تركية مسيّرة سبق وأثبتت فاعليتها في ساحات المعارك، وإنشاء مساحة إنسانية في غرب أوكرانيا يمكن حمايتها على الأرجح عبر منطقة حظر جوي.

إيما أشفورد: كيف يمكن فرض حظر جوي إنساني من دون شن الحرب؟

ماثيو كرونيغ: الأمر سهل. يكفي أن يعلن الغرب عن اتخاذه هذه الخطوة، ثم تقف روسيا جانباً لأن بوتين لا يريد خوض الحرب مع الناتو أيضاً. كان الرئيس جورج بوش الإبن قد اتخذ خطوة مماثلة في جورجيا في العام 2008، ويظن عدد كبير من المحللين أن هذا التدبير هو الذي منع بوتين من الاستيلاء على تبليسي. يجب ألا يكون الغرب الطرف الوحيد الذي يضبط نفسه لتجنب التصعيد.



إيما أشفورد: عارض بوش استعمال القوة في العام 2008. ما تتكلم عنه مختلف بالكامل. أظن أن تأييدك لفرض منطقة حظر جوي يستلزم تحدّي الروس على أمل انسحابهم. أنت تراهن على تراجعهم إذا استعملنا معهم هذه الخدعة.

هذه الفكرة تطرح ثلاث مشاكل: أولاً، أصبحت روسيا متورطة جداً في حرب أوكرانيا وقد لا تتراجع في أي لحظة. ثانياً، لا مفر من أن يترافق أي تطور في مجال جوي متنازع عليه مع بعض الأخطاء، ما يؤدي إلى نتائج مأسوية جداً. أخيراً، من المنطقي أن يتم استهداف الدفاعات الجوية الأرضية أولاً لحماية الطيارين عند فرض أي منطقة حظر جوي.

هل تقترح إلغاء هذه الخطوة؟ إما أن نتجنب الدفاعات الجوية الروسية ونجازف بحياة الطيارين الأميركيين، وإما أن نقضي عليها ونطلق حرباً مسلّحة. يكثر الكلام اليوم عن حظر جوي "محدود" أو "إنساني"، لكن لا يعالج أي اقتراح هذه المخاوف ولا يقدم حلاً واضحاً.

ماثيو كرونيغ: أرسل بوش طائرات سلاح الجو الأميركي وسفن البحرية الأميركية في مهمة إنسانية إلى جورجيا. يجب أن يقوم بايدن بالمثل في أوكرانيا اليوم. لا يعني ذلك أن نتحدى روسيا على أمل انسحابها أولاً، لكننا بدأنا نطبّق هذه المقاربة منذ الآن، ويعني هذا الطرح تغيير المسار الأولي وتكبّد الخسارة.

الحجج المضادة التي تطرحينها شائكة. أصبحت روسيا متورطة في ذبح الأوكرانيين فعلاً، لكن تُصِرّ بقية دول العالم على ردعها. يريد بوتين أيضاً تجنّب الحرب مع حلف الناتو لأنه يتفوق عليه بكل وضوح. يكفي أن يقول الغرب: "ابتعد من طريقنا. نحن قادمون. غرب أوكرانيا منطقة آمنة. قواتنا العسكرية ستقدّم المساعدات الإنسانية". لا يحتاج الناتو لإطلاق النار على أحد. لن يكون بوتين غبياً لدرجة أن يخوض هذه المعركة.

إيما أشفورد: أعلن البنتاغون هذا الأسبوع أن الصواريخ الروسية قادرة على بلوغ أي نقطة داخل أوكرانيا، لذا لا أظن أننا نستطيع فرض منطقة حظر جوي. تبرز أيضاً مشكلة غياب التنسيق. عند فرض حظر جوي في غرب أوكرانيا حصراً، كيف يمكن إبقاء الممرات الإنسانية مفتوحة من المدن المحاصرة شرقاً؟ هذا الاقتراح كله ليس عملياً ولا استراتيجياً، وهو يهدف بكل بساطة إلى اتخاذ خطوة من أي نوع. في نهاية المطاف، ثمة خيار أسوأ من هذا الصراع: تصعيد الوضع لدرجة أن تندلع حرب كبرى بين الناتو وروسيا. الحظر الجوي يضمن هذه النتيجة.

ماثيو كرونيغ: لكن سيكون تفوّق الخوف على المساعي المنطقية لتحقيق المصالح الذاتية نهجاً غير عملي وغير استراتيجي. يستطيع العالم الحرّ أن يبطل مخاطر اندلاع حرب بين روسيا والناتو عبر الرضوخ بكل بساطة والسماح لبوتين بفعل كل ما يريده. لكن أين سنوقفه عند حدّه؟ في كييف؟ وارسو؟ باريس؟

إيما أشفورد: يجب أن نتوقف نحن عند هذا الحد برأيي لأن وقت النقاش انتهى اليوم.


MISS 3