نوال نصر

135 ألف لبناني شكّلوا سلسلة على امتداد 170 كيلومتراً

"إيد بإيد"... وما يريده اثنان سيتحقق!

28 تشرين الأول 2019

00 : 15

في الشيفروليه (رمزي الحاج)

اليد الواحدة تغسل الأخرى واليدان تغسلان الوجه، وما يريده اثنان يتحقق، فكيف إذا طالب به مليونان اثنان وأكثر؟

أمس، تشابكت أيادي اللبنانيين، مرة جديدة، ببعضِها البعض، لتروي قصة شعب شُبّه بطير الفينيق الأسطوري الذي لا يموت. شعبٌ حطّم المكتوب وأحيا المطلوب: حراك حراك حتى القيامة. فماذا في قصة تلك السلسلة البشرية "إيد بإيد" التي انتصر بترجمتِها أكثر من 135 ألف إنسان من الشمال الى الجنوب.

هو يوم الأحد، 27 تشرين الأول العام 2019. اللبنانيون "الثوار" لم يغادروا الشارع منذ أمس أو قبله أو قبل قبله وما قبلها.. ما عاد "الثوار" يتذكرون الأيام والتواريخ وما عاد اهتمامهم ينصبّ إلا على رصّ مداميك تخوّلهم الصمود الى حين تحقيق الحُلم.

135 ألف لبناني، من كل الأعمار، وبينهم كثير من الأطفال، إنتشروا منذ الساعة الواحدة ظهراً، بدءاً من الشمال، من طرابلس، عروس الثورة، الى صور، فاتنة الثورة، مرورا بكلّ الساحل اللبناني على طول 170 كيلومترا. اليد باليد، بكثير من الإحترام، وكثير كثير من الإيمان بأن "بكرا أحلى".

موريال أبو الروس هي عرابة ُهذه المبادرة. موريال هي أوّل امرأة عملت كمصورة سينمائية في العالم العربي وتثق أن الفن علاج والطاقة الإيجابية التي تخرج من دواخلنا تصنع المعجزات. هي لا تتبع أي مجموعة. هي امرأة نظرت كثيراً حولها، الى كلّ هذا الحراك الجميل، وأيقنت أن الثورة تحتاج الى من يُنعشها من حين الى آخر بحركةٍ عفوية لها معانٍ إستثنائية. وحركة إمساك "اليد باليد" لها معان توحّد وتجمع قبالة من يحاولون العبث. وكان ما كان.

المبادرة تمّت. وتزيّن لبنان بأجمل حركة شعبية سلمية راقية. واتّشح كثيرون بالعلم اللبناني وظهرت جلية مشهدية وحدة الشعب اللبناني الذين رددوا هتافاً واحداً: كلنا للوطن للعلى للعلم. مشهدٌ بالفعلِ رائع. أعاد الى الأذهان أكثر من مشهدٍ مشابه لأكثرِ من 35 حراكاً على مستوى كلّ العالم أمسك فيه مواطنو دولٍ كثيرة "اليد باليد" من أجل تحقيق مطلبٍ ومواجهة قمع.

منذ شهرين، في آب الماضي، احتفلت شعوب دول البلطيق الثلاث بمرور 50 عاماً على معاهدة "ريبنتروب- مولوتوف" الألمانية السوفياتية التي قسّمت أوروبا الشرقية وأدت الى احتلال الإتحاد السوفياتي لدول البلطيق وشكلوا سلسلة بشرية حملت اسم "درب البلطيق" وامتدّت على 675 كيلومتراً وربطت بين العواصم الثلاث في 23 آب 1989. وبعد ستة أشهر من تلك التظاهرة أصبحت ليتوانيا أوّل جمهورية تعلن استقلالها عن الإتحاد السوفياتي. مشهدية الوحدة المطلبية العارمة آنذاك حققت ما حققت. أبشروا خيراً.

في فلسطين، في البحرين، في الصين، في كارولاينا الأميركية، في ألمانيا، في جنوب سيناء، في تايوان... وفي نواحٍ كثيرة من القارة الأرضية حصلت هذه الحركة الراقية وحقّقت أهدافاً وأحلاماً ومطالب لكن ماذا عن هذه الحركة الراقية في بلدٍ مثل لبنان؟ سؤالٌ يطرحه كثيرون.

تُرى، هل شاهد المسؤولون أيادي اللبنانيين المتشابكة؟ مواطنة وقفت طوال هذا النهار لتُمسك بأيادي أشخاص لا تعرف عنهم سوى أنهم مثلها لديهم حلم ومطالب وأمل سألت هذا وأتبعته بسؤال آخر: هل تأثر المسؤولون في التقاءِ إرادة اللبنانيين؟

اللبنانيون الممسكون بأيدي بعضهم البعض إستذكروا كثيراً من المبادرات المماثلة التي صنعها "عونيون" ذات وقت من أجل حرية عودة فخامته، الجنرال السابق، مع فارق أن مبادرة أمس كانت لحثّ "فخامته" على تحريرهم من فسادٍ إستشرى في البلد كما النار في الهشيم. هذا حقهم. العدالة والوحدة وتحقيق المطالب والحلم حقوق ما عادوا يقبلون التفريط بها.


MISS 3