باسمة عطوي

"علينا أن نُعيد النهج الإقتصادي الذي كان قائماً في عهد الرئيس فؤاد شهاب"

قرم: لبنان يتمتع بقدرات إنتاجية هائلة

16 أيار 2022

02 : 00

المشكلة تبقى في التمثيل الصحيح لمصالح الناس (فضل عيتاني)

بعد طي صفحة الانتخابات النيابية، يفترض أن يعود الهم الاقتصادي والمالي إلى الواجهة بالنسبة للمواطنين، ومن المرجح أن تعاود الحكومة الجديدة الحديث عن كيفية الخروج من الأزمة الموضوعة تحت المجهر الدولي (تقرير الامم المتحدة الأخير عن أسبابها ونتائجها يُعد مضبطة اتهام بحق هذه الطبقة السياسية والمصرفية). لذلك لا بد من قراءة جدية لهذه الازمة وكيفية معالجة نتائجها بأقل أضرار ممكنة على الشعب اللبناني.

برغماتية وحذر

ينظر وزير المالية الاسبق الدكتور جورج قرم إلى الأزمة التي يتخبط فيها لبنان منذ قرابة العامين ونصف العام، من زاوية مختلفة نتيجة تكوينه الفكري وتجاربه العملية المتعددة ومنها مع البنك الدولي والاتحاد الاوروبي بالإضافة إلى توليه منصب وزارة المالية ما بين 1998 و 2000، حيث كان الكباش السياسي والاقتصادي في البلد على أشده وكان قرم أحد أبرز دعاة تغيير النظام الاقتصادي الذي أرسيت مداميكه في تسعينات القرن الماضي، ما أكسبه معرفة "ميدانية" في كيفية تفكير المؤسسات الدولية تجاه حل الازمات الاقتصادية والمالية المستعصية، بالإضافة إلى إدراكه معظم الدهاليز والحسابات التي تحكم الادارة والعمل الوزاري والسياسي في لبنان.

ما يميز نظرة قرم أيضاً هي براغماتيته، فالبرغم من حذر لا يخفيه تجاه المؤسسات المالية الغربية ومنها صندوق النقد الدولي، إلا أنه لا يجد بداً من تعامل لبنان معها في هذه المرحلة. على اعتبار "أنه سبق سيف الاهتراء والانهيار العزل". ولم تعد تنفع المسكنات ولا بد من استعمال مبضع الجراح في مواطن كثيرة للخروج من الازمة الحالية، من دون الاستسلام الكلي لشروط صندوق النقد، وأبرزها إعادة هيكلة القطاع المصرفي ومعالجة قضية أموال المودعين ومحاسبة المسببين لهذا الانهيار الحاصل.

يرى قرم في حديث لـ"نداء الوطن" ان "وجود صندوق النقد الدولي كشريك لحل الأزمة في لبنان أمر لا بأس به، لأن وجوده يحمل نوعاً من التطمين للمستثمرين الاجانب وإمكانية عودتهم للإستثمار في لبنان"، لافتاً إلى أن "المشكلة مع صندوق النقد هي مساندته المصارف في البلدان التي يدخل فيها، كما أنه يطلب من الدول أن تبيع الاملاك العامة".

ويشدد على "أننا في لبنان مرغمون على التعامل معه بسبب تدهور الاوضاع الاقتصادية والمالية إلى درجات لا يمكن تصورها. إنما يجب أن تكون الحكومات المقبلة حاسمة لجهة عدم بيع المؤسسات العامة بل استثمارها وتنقية أوضاع القطاع العام".



جورج قرم



إصلاحات ممكنة قبل التوقيع مع صندوق النقد

من هذه النقطة يحدد قرم معالم بناء إقتصاد لبناني جديد على أنقاض النظام القائم، يقول:"لبنان يتمتع بقدرات إنتاجية هائلة سواء على الصعيد الصناعي أو الزراعي، وعلينا أن نعيد النهج الاقتصادي الذي كان قائماً في عهد الرئيس فؤاد شهاب، مع الأخذ بالاعتبار تطورات العصر. بمعنى أن نخلق مؤسسات إنتاجية على غرار المشروع الاخضر مثلاً الذي قام باستصلاح الاراضي الزراعية. لبنان يحتاج إلى زيادة قدراته الانتاجية وليس إقتصاد الصفقات على غرار ما حصل في العقود الماضية".

يضيف: "لسوء الحظ لا طروحات جدية لإصلاح الاوضاع من قبل المسؤولين وبشكل خاص أوضاع المالية العامة والعجز. هناك إجراءات واضحة وشفافة يمكن إتخاذها في هذه المرحلة وبسرعة لتحسين أوضاع المالية العامة والحد من العجز الذي نعاني منه منذ عقود". ويعطي مثالاً على ذلك بأن "هناك إمكانية لتصفية مؤسسات عامة عديدة منها صندوق المهجرين ووزارة المهجرين ومجلس الجنوب. فهذه المؤسسات تستنزف أموال الشعب اللبناني منذ عقود وبقاؤها أمر مستغرب لأنها تزيد من الضغوط على المالية العامة".

ويشدد: "نعم يمكننا البدء بخطوات إصلاحية بشكل متواتر ومن دون انتظار ما سيطلبه منا صندوق النقد لإصلاح القطاع العام، لأننا لا نملك ترف الوقت. هذا بالاضافة إلى إدخال إصلاحات على نظام ضريبة الدخل. فهناك ضرائب نوعية منفصلة عن بعضها بدلاً من ان يكون لدينا ضريبة موحدة على الدخل. وهذا الامر يحدث تغييراً في إيرادات الدولة بسرعة و سهولة". لافتاً إلى أن "الخطوات الاخرى التي يمكن تنفيذها هي تعديل آلية إعداد الموازنات، بمعنى أن هناك دولا تحتسب موازناتها طبقا للأهداف التي تريد تحقيقها من خلال برامج يسهر على تطبيقها موظفون كفوؤون. ولذلك أداء لبنان في ما يتعلق بإعداد الموازنة أشبه بمن يعيش في القرون الوسطى نظراً للتطورات الهائلة التي حصلت وتحصل في هذا المجال حول العالم".

نظام البنكوقراطية

يوافق قرم على الرأي القائل بأنه من الضروري إعادة هيكلة القطاع المصرفي، مُعتبرا أنه "من غير المعقول أن بلداً صغيرا مثل لبنان فيه أكثر من 60 مصرفاً، وأنا شخصيا أطلق على النظام اللبناني اسم "نظام بنكوقراطية". أي سيطرة المصارف على كل أعمال المواطنين وهذا خارج أي منطق وعقل".

ويرى أنه "يجب أعادة هيكلة المصارف بهدف تقوية القدرات الانتاجية اللبنانية وليس العودة إلى السياسات السابقة من خلال رفع معدلات الفائدة لجلب ودائع من الخارج فوق الحاجة الفعلية للبنان"، لافتاً إلى أنه "يمكن محاسبة المسؤولين عن هذه السياسات وعلى رأسهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لأنه إذا استمرت سياسات وبدع المصرف المركزي لا يمكن القيام بالمحاسبة، ومنها امتلاكه شركة طيران وهذا أمر محظور في قانون النقد والتسليف والجميع صامت على هذا التجاوز".

إستعادة أموال المودعين ممكنة

يعتبر قرم أنه "من الممكن إستعادة أموال المودعين والتي بلغت نحو 100 مليار دولار عبر مسار طويل ومتعدد الإتجاهات. ومن خلالها يمكن عودة لبنان إلى حالة إزدهار ونمو إقتصادي وإجتماعي للخروج من النفق الذي نحن فيه". مشيراً إلى أن "أول هذه الإتجاهات جهود دولية يمكن أن تُبذل لتتبّع الودائع المصرفية اللبنانية التي خرجت خلال الازمة وإعادتها إلى لبنان. وثانيها إمكانية اللجوء إلى مؤسسات تمويل عربية مثل صندوق النقد العربي والصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والصندوق الكويتي وهذه الصناديق يمكن أن تساهم بإعادة الودائع من خلال خطة طويلة الامد".

ويشدد على أن "هذه الخطوات يجب أن يسبقها تحقيق عن مسؤولية المصارف والبنك المركزي في حصول الانهيار. ومنها عمليات الهندسة المالية التي هي عمليات سرقة ونهب بإشراف المركزي لودائع اللبنانيين ولمصلحة المصارف". معتبراً أنه "يجب تحميل جزء من المودعين الذين استفادوا من الفوائد على مدى عقود نسبة من الخسائر، ومحاسبة لجنة الرقابة على المصارف على تقاعسها عن دق ناقوس الخطر قبل وقوع الانهيار. وهذا ما لم يحصل إطلاقا لأن تلك اللجنة تحت إمرة حاكم مصرف لبنان. لذلك يجب تأمين إستقلاليتها عنه وهذا أمر يحتاج إلى تعديلات في قوانين النقد والتسليف".

ويرى أن "الإتجاه الثالث لاستعادة أموال المودعين هو بتغيير حاكم مصرف لبنان واعتماد سياسات إقتصادية تهدف إلى إعادة القدرة الانتاجية للبنان. إذ لا يمكن أن نبقى نعتمد على تحويلات المغتربين بل يمكن إستثمار هذه التحويلات بطريقة صحيحة لزيادة القدرة الانتاجية للإقتصاد اللبناني. وليس بالتوظيف في سندات الخزينة فوق الحاجة الفعلية للخزينة. وهذه اللعبة هي التي دمرت الاقتصاد خلال 30 عاماً وكانت السبب في تدمير المصارف نفسها".

تحديث البنية القانونية

ويختم: "لبنان يملك الامكانات ومميزات تفاضلية كبيرة. لكن علينا تحديث البنية القانونية للدولة اللبنانية ولجنة المال النيابية لها دور في هذا الامر. ولم أسمع أياً من الاقتصاديين يقوم بانتقاد هذا التجاوز الهائل على صعيد القوانين التي تحكم بنية الاقتصاد، إذ لا يجوز أن نبقى متخلفين في هذه البنية ونحن نحاول الخروج من مستنقع الازمة التي نتخبط فيها".



MISS 3