خالد العزي

روسيا المعاقَبة مستمرّة بغزوها لأوكرانيا

28 حزيران 2022

02 : 10

الحرب الروسيّة ضدّ أوكرانيا قد تطول (أ ف ب)

في ظلّ التصعيد العسكري الذي تشهده أوكرانيا اليوم والهجمات الصاروخية المستمرّة التي تُنفّذها روسيا للضغط عليها وعلى الغرب، لعدم تزويد كييف بسلاح متطوّر ونوعي والإظهار بأنّ الآلة الحربية الروسية جاهزة لتدميره قبل وصوله، فإنّ العملية العسكرية الخاصة الروسية مستمرّة في منطقة دونباس لإسقاطها والسيطرة عليها بكافة الوسائل، بالرغم من إطالة عمر المعارك فيها.

وباتت دونباس مطلباً قوميّاً روسيّاً لا يُمكن العدول عنه، وخاصة بعد دخول القوات الروسية إلى سيفيرودونيتسك، بالرغم من إطالة الوقت للاستيلاء عليها، لكن روسيا دخلتها وستجلس على كرسي التفاوض لاحقاً وفقاً لشروطها.

تُحاول موسكو خلط الأوراق مجدّداً على الطاولة من خلال جرّ بيلاروسيا إلى المواجهة المباشرة مع أوكرانيا، وتوسيع جبهات القتال، وخاصة بعد إطلاق عدّة صواريخ على مدن غرب أوكرانيا السبت الماضي من الأراضي البيلاروسية الغربية. وتُحاول موسكو أيضاً استخدام كازاخستان بتأمين بعض المواد المفقودة لأجل الإلتفاف على العقوبات الغربية والاستمرار في التصعيد العسكري.

تقوم موسكو بعمل دؤوب في خلط الأوراق، ومنها استخدام دولة واقعة ضمن العقوبات الدولية والتي تؤمن لها حرّية الحركة، وإطلاق جبهة مواجهة جديدة مع الغرب تُساهم في حرّية الحركة الروسية، وعدم تقييدها في بقعة جغرافية محدّدة من جراء العقوبات.

وفقاً لذلك، أتت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأخيرة إلى طهران، ولقائه مع نظيره حسين أمير عبداللهيان، وأيضاً جولته المكوكية في الشرق الأوسط ودول الخليج العربي، قبل وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة.

حاول لافروف إيصال رسالة للغرب بأنّ التحرّك شرقاً لا يُمكن تقييده، فالعلاقة مع إيران ثابتة لما تمتلكه الأخيرة من تأثير في المنطقة مع دول شرق أوسطية ستُساعد روسيا بتكوين ديناميكية الحركة، وفكّ عزلتها الدولية، لكن في المقابل شهد مسرح عمليات الحرب الروسية - الأوكرانية حدثَيْن سياسيَّيْن بارزَيْن في تطوّر تداعيات الأزمة الروسية - الأوروبّية:

الأول تُرجم من قبل الاتحاد الأوروبي في اجتماعه في بروكسل في 23 و24 حزيران بترشيح أوكرانيا إلى جانب مولدوفا للاتحاد الأوروبي كعضو قادم، وهذه النقطة أغضبت روسيا. والثاني تنفيذ بنود العقوبات الأوروبّية من قبل دولة ليتوانيا بتاريخ 18 حزيران، بإيقاف مرور البضائع بالطرق البرّية والسكة الحديد إلى منطقة كالينينغراد، المستعمرة الروسية المحاصرة في قلب بحر البلطيق، حيث بات تمرير البضائع إليها محصوراً بالبحر.

ترى روسيا أن حصر مرور البضائع إلى كالينينغراد بالبحر قد تمّ بإملاءات أميركية، ولا يُمكن لهذه الدولة الصغيرة التجرؤ على مواجهة روسيا من دون طلب من واشنطن. على الرغم من التهديدات التي حاولت موسكو توجيهها إلى فيلنيوس للضغط عليها من خلال معاقبتها وقطع الغاز والنفط عنها، لكن التحدّي بات صعباً ومقلقاً لروسيا، لأنّ ليتوانيا عضو في الناتو وأي تعرّض لها سيكون الردّ عليه مختلفاً عن أوكرانيا.

يُمكن ترجمة الحدثَيْن في واقعهما في إطار عملية الضغط الغربي والأميركي تحديداً من أجل الوصول إلى تسوية مع روسيا على طريقة «لا غالب ولا مغلوب». لذلك لم يكن أمراً عاديّاً انسحاب القوات المتواجدة في سيفيرودونيتسك وتعزيز الهجوم الأوكراني المعاكس نحو مناطق زاباروجيا وخيرسون في الوقت الذي بدأت فيه طلائع السلاح الغربي بالوصول إلى الجيش الأوكراني ليوزّع ويُنشر ويُستخدم على الجبهات القتالية، وكانت منظومة راجمات صواريخ «هيمارس» المتطورة ومتعدّدة الاستعمال، والتي يصل مداها إلى 80 كلم، قد بدأت تُستخدم فعليّاً على الجبهات.

من خلال هذه الأحداث صرنا نستنتج بأن الناتو بادر بإطلاق الإشارات نحو روسيا لجهة التفاوض أو فتح الأبواب على مصراعيها، وخاصة أن الناتو يملك أوراقاً كثيرة في وجه روسيا لم يكشفها بعد. الضغط الغربي على روسيا مستمرّ، وخاصة في ظلّ تمسّكها بعدم إخراج الحبوب المصادرة من أوكرانيا المحاصرة في مرافئها، فيما الغرب لا زال يُفاوض على إخراج الحبوب وعدم استخدام السلّة الغذائية كسلاح لمعاقبة الفقراء وإحداث أزمة غذاء عالمية.

الكرملين يُدرك بأنّ المماطلة بإخراج القمح من أوكرانيا لن يكون في صالحه، وأضحت الشروط تتراجع تدريجاً، وربّما حصار كالينينغراد يُجبر موسكو للسير بشروط الغرب لتأمين حاجات سكان المقاطعة الروسية، وعدم تمدّد الأزمة. من هنا تعلم روسيا أن الناتو سيدخل باشتباك معها، انطلاقاً من تأمين حماية ليتوانيا، وإخراج الحبوب من البحر، ما يعني فتح الممرّ البرّي سيكون مقابل إخراج الحبوب، وبالتالي انعدام حدوث أزمة غذائية في العالم لأنّ الأمن الغذائي يستتبع تدخّلاً دوليّاً، وهذا لن يكون لمصلحة روسيا التي باتت تُعاني وتُستنزف بسبب الحرب التي أكملت شهرها الخامس دون تحقيق أهداف العملية الخاصة التي تخوضها موسكو.


MISS 3