خالد العزي

أوكرانيا حقل مواجهة بريطانية - روسية

13 تموز 2022

02 : 01

روسيا تتسبّب بدمار مدن وقرى أوكرانية وتهجير سكّانها (أ ف ب)

يشعر العديد من الأوكرانيين بالمرارة في شأن تنحّي رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي كان ضيفاً على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مرّتَيْن منذ بداية الحرب، وقد زوّد أوكرانيا بسلاح حيوي للدفاع عن نفسها في وجه الغزو الروسي. وفي خطاب تنحّيه عن زعامة حزب المحافظين، تعهّد جونسون بأن تواصل بريطانيا حكومةً وشعباً دعم نضال الشعب الأوكراني من أجل حرّيته "طالما لزم الأمر". ووصف زيلينسكي رئيس الوزراء البريطاني بأنه صديق، مؤكداً أن "جميع الأوكرانيين حزينون لهذا الخبر".

أطلقت بريطانيا في تموز برنامج تدريب عسكري جديد للجيش الأوكراني. وأعلنت وزارة الدفاع البريطانية أن المجموعة الأولى من المتطوّعين الأوكران قد أتمّت تدريباتها الأولى. ويستند التدريب الذي يمتدّ لأسابيع عدّة على التدريب الأساسي للجنود البريطانيين، ويُغطّي التعامل مع الأسلحة والإسعافات الأولية في ساحة المعركة والتكتيكات العسكرية والقانون العسكري. ففي الأشهر المقبلة، سيُشارك أكثر من 1000 من أفراد القوات المسلّحة البريطانية في تدريب المتطوّعين الأوكران، والذي سيجري في قواعد عسكرية مختلفة في إنكلترا.

فالموقف البريطاني لا يعتمد على شخصية رئيس الوزراء المحافظ أو العمالي، وإنّما السير وفقاً لاستراتيجية تقودها الدولة العميقة لفريق مقرّب من الملكة والنواب والسياسيين والخبراء، وما يحدث الآن هو مشكلة داخلية تتعلّق بالفساد في الداخل وبشخصية جونسون، وليس مشكلات على صعيد السياسة الخارجية، لأنّ الجميع متفقون على الإستقالة وبانتظار طرح شخصية قوية تقود البلاد وليس الدخول بانتخابات مبكرة، فالخلاف ليس خارجيّاً.

لو تابعنا سير الأحداث في الحرب الأوكرانية فإنّنا سنرى أن بريطانيا هي من تقود المعركة في أوكرانيا من الناحية الإعلامية ومن الناحية العسكرية بطريقة غير مباشرة، فهي رأس الحربة بالمواجهة مع روسيا من خلال الديبلوماسية وقيادة فريق دولي للمواجهة، إلى جانب الفريق المؤلّف من بولندا ودول البلطيق. لقد شدّد الرئيس الأوكراني على أن بريطانيا وتحديداً جونسون، "كانا معنا في مواجهة إمبراطورية الشرّ، وسنبقى نواجه الشرّ الروسي بمساعدة بريطانيا وحلفائها الغربيين".

الإستخبارات البريطانية المواكبة لسير الأحداث العسكرية، لجهة المواجهة، والخارجية والدفاع هي من يقود الحرب، وقد أعلنت روسيا عن أسر مرتزقة بريطانيين ومحاكمتهم ستكون سريعة من أجل إجبار لندن على تغيير سياستها لجهة الدعم أو السير بحزمات جديدة من العقوبات.

يتفاجأ الجميع من الموقف البريطاني المتحمّس لدعم الأوكران وتدريبهم ومدّهم بالمعلومات اللوجستية والإستخباراتية والعسكرية، وآخرها تحرير جزيرة الأفاعي في البحر الأسود، ما سمح للأوكران بحماية بعض الموانئ التي يتوجب إخراج القمح منها، وقبلها دُمّر الطرّاد العسكري "موسكو" وأُغرِق في البحر الأسود، الأمر الذي ساهم بشلّ قدرات البحرية الروسية لعدم التقدّم نحو شواطئ أوديسا.

الموقف البريطاني لا يُمكن ربطه فقط بعمليات الإغتيالات التي نفّذتها الإستخبارات الروسية وقتل المعارضين واللاجئين الروس في أراضي المملكة بواسطة غاز "نوفيتشوك" أو عدم احترام اتفاقية بودابست التي وقعت العام 1994 وتنصّ على تدمير السلاح الإستراتيجي الأوكراني وتسليم السلاح النووي لروسيا، حينها كانت واشنطن ولندن وموسكو الضامنة للأمن الأوكراني، الأمر الذي لم تلتزم به روسيا في حربَيْها عام 2014 و2022.

تُشدّد الإستراتيجية البريطانية على لعب دور أساسي في أوروبا، خصوصاً بعد العملية الروسية ضدّ أوكرانيا. تلك كانت فرصة لندن لاقتناص المناسبة، ما ساعدها أن تكون في طلائع الدول التي لا تفوّت أي فرصة للوقوف بوجه روسيا من أجل محاصرتها وعزلها أوروبّياً ودوليّاً، وهي قائمة على نواح عدّة منها توسيع استثماراتها ودعمها الصناعي والمالي في أوكرانيا، وبناء إتفاقات عسكرية واقتصادية مع دول أوروبا الشرقية لتحسين مواردها المالية، وتشكيل حلف عسكري قوي داخل الناتو من بعض الدول لمواجهة روسيا.

إنّ مساعدة الدول التي تُعاني من روسيا وتتخوّف منها لجهة احتمال ابتلاع أراضيها، يُتيح للندن الحركة بطلاقة داخل هذه البقعة لتسويق استراتيجيّتها القائمة على العداء المطلق لروسيا الاتحادية. لذلك، تختلف الإستراتيجية البريطانية في التعامل مع روسيا عن الأميركية، كونها العدو الأخطر على أوروبا الواجب إضعافها. أمّا الصين فليست العدو الفعلي. هذا ما ترجمه موقف الناتو الأخير في قمّة إسبانيا، بعكس الإستراتيجية الأميركية القائمة على احتواء روسيا وإضعافها بالحصار والترهيب، فيما العدو الأساسي هو الصين. بالخلاصة، ستبقى بريطانيا في طليعة الداعمين لأوكرانيا في حربها ضدّ روسيا.


MISS 3