خالد العزي

بيلاروسيا والإنجرار إلى الحرب الروسية في أوكرانيا

16 تموز 2022

02 : 01

لوكاشينكو رئيس مشكّك في شرعيته بنظر المعارضة البيلاروسية والغرب (أرشيف)

أعلن رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو في يوم الإستقلال في 3 تموز أن القوات المسلحة الأوكرانية حاولت قصف منشآت عسكرية بيلاروسية، والغرب يُحاول جرّنا إلى الحرب في أوكرانيا لضرب روسيا وبيلاروسيا، ولكن الجيش البيلاروسي يرفض القتال ضدّ أوكرانيا.

لكن هناك دعاية سياسية وتهيئة للرأي العام البيلاروسي بضرورة الحرب ضدّ أوكرانيا، لأنّ بولندا تُريد الاستيلاء على غرب أوكرانيا ومحاصرة بيلاروسيا، وهذا أمر خطر للغاية. فتحت بيلاروسيا أراضيها أمام روسيا لضرب أوكرانيا، لكن جيشها لم يُشارك في الحرب. الضربات الأولى كانت من مدن موزر وغوميل في اتجاه تشرنوبيل وتشيرنيهيف والخط السريع نحو كييف الذي شكّل سريعاً انتكاسة للجيش الروس.

في المقابل، تشكّل فوجان من البيلاروسيين المعارضين وهما كالينوفسكي وتشيس للقتال إلى جانب أوكرانيا، وتمّت تسوية أوضاعهم كأفراد من الجيش الأوكراني. وكانت روسيا ومعها بيلاروسيا تظنان أن النظام الأوكراني سيسقط خلال 3 أيام وينتهي الأمر، وتكون بذلك كييف قد دفعت الفاتورة المستحقة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

الرئيس البيلاروسي يعلم جيّداً أن الهوّة تتّسع بين النظام والشعب البيلاروسي المناهض له بعد انتخابات 7 آب العام 2020، ما دفع به لطلب المساعدة من النظام الروسي، بحيث بات لوكاشينكو مجبراً على تنفيذ أوامر بوتين ثمناً للحماية والدعم.

لا يتمتّع النظام البيلاروسي بثقة غالبية السكان، وهذا ينطبق بشكل خاص على الشباب الذين يفتخرون بالقومية واللغة البيلاروسية وملتزمون بالقوانين ولا يريدون الذهاب إلى المتاريس! التميّز واضح بين النظام والشعب، خصوصاً بعد غزو موسكو لأوكرانيا، بحيث بدأ يُنظر إلى البيلاروسيين على أنهم معتدون، ما أدّى إلى خيبة أمل النظام في قمع العقلية المعارضة، بالرغم من محاولة روسيا جرّ بيلاروسيا إلى مستنقع الصراع مع أوكرانيا من خلال استخدام الدولة كثكنة عسكرية.

وعلى الرغم من الوعود الكثيرة التي قطعها لوكاشينكو على نفسه أمام بوتين بالمساندة، لا يستطيع إرسال قوات عسكرية للمساعدة، فهذه القوات غير جاهزة للحرب ولو قامت بمناورات عسكرية شكلية. إنّ فتح جبهة بيلاروسيا أمر خطر، فالوحدات الخاصة غير كافية وبقيّة الجيش والمتطوّعين في الخدمة الاجبارية لن يُنفّذوا الأوامر وسينقلبون ضدّه ويتحوّلون لمواجهة داخلية وسيخرج الناس إلى الشوارع.

أمّا روسيا فغير قادرة على دعم جبهة جديدة، ما يعني أن بيلاروسيا الخاسر الأول. إن خطاب لوكاشينكو الأخير هو فقط لإبعاد نفسه عن المواجهة كونه وسيطاً في التفاوض بين الأوكران والروس، ولكي لا يفقد صدقيّته كوسيط في سعيه لنقل الحبوب الأوكرانية وتصديرها عبر مرافئ دول البلطيق، في محاولة لفتح أبواب أوروبا أمامه.

تُحاول بيلاروسيا إعادة التركيز على الدول الآسيوية، لا سيّما الصين. لكن بيلاروسيا لم تعد مثيرة للاهتمام بالنسبة إلى بكين كما قبل بضع سنوات، فحينها نصبت مينسك نفسها كمركز لوجستي وطريق عبور إلى أوروبا.

إن المحادثات التي جرت بين بوتين ولوكاشينكو في 25 حزيران في سانت بطرسبرغ شملت بناء ميناء بيلاروسي على بحر البلطيق ونشر سلاح متطور على أراضيها في ظلّ احتمال المواجهة مع الغرب. تُحاول بيلاروسيا الاستفادة من بوتين في نشر سلاح نووي وصواريخ «إسكندر»، وأنظمة دفاعية متطوّرة كي تفتح باب التفاوض مع الغرب وتخفيف احتضان المعارضة من أوروبا.

وروسيا تُريد توريط بيلاروسيا بالحرب لتوسيع جبهة القتال من أجل استفزاز الغرب، وتحديداً بولندا، لإثبات وجهة نظرها القائمة على تقاسم غرب أوكرانيا ووسطها لبولندا، وجنوب أوكرانيا وشرقها لروسيا. لقد عزّز هذا الطرح الأسبوع الماضي إطلاق أكثر من 40 صاروخاً في اتجاه المناطق الغربية الأوكرانية، حيث استخدمت روسيا الأجواء البيلاروسية.

بالنهاية، قرار المشاركة في الحرب ضدّ أوكرانيا قرار خطر في ظلّ انضمام الكثيرين إلى صفوف الأوكرانيين كمتطوّعين منذ اليوم الأوّل للحرب، والآخرون لا يزالون ينتظرون ليخرجوا للاحتجاج في حال انضمّ لوكاشينكو الى الحرب. إن الإنجرار إلى الحرب يعني فقدان السلطة في بيلاروسيا نهائيّاً، لأنّ الجيش لن يذهب للحرب وطواقمه العسكرية غير مجهّزة، ما سيؤدّي إلى تمرّد من قبل الجيش الذي سيُدعم من الشرائح الاجتماعية البيلاروسية التي لا تزال تعتبر أن وجود لوكاشينكو في السلطة خطأ تاريخي.


MISS 3