جورج بوعبدو

غي مانوكيان يُلهب بيت الدين... ساعة ونصف من جرعات السعادة!

18 تموز 2022

02 : 01

تصوير نبيل اسماعيل

بعد أقل من ست ساعات من إعلان الحدث حُجزت أكثر من 1500 بطاقة! هكذا بلمح البصر، اضطر القيمون على المهرجان الى زيادة يوم إضافي لتلبية الطلبات المتزايدة بإلحاح. فكان الأحد (امس) يوماً إضافياً إذاً! علاقة غي مانوكيان مع جمهوره كالنبيذ المعتق تعود الى سنواتٍ وسنوات، يلاحقونه أينما ذهب لقضاء بضع ساعات بعيداً عن همومهم اليومية وإزالة السواد عن أيامهم والعودة الى الجذور بأغنيات تحاكي الوطن ونهوضه فتشعل المشاعر وتغرورق العيون بالدموع. وهكذا غصت باحة قصر بيت الدين الصغرى بما يزيد عن الألف وخمسمائة شخص قدموا من مختلف أنحاء لبنان، بعضهم بالباصات وآخرون بسياراتهم، غير آبهين بأسعار النقل الفاحشة. "آخر همي كلفة البنزين صرلنا زمان ناطرينو آخر مرة شفناه ببيت الدين كانت من ستّ سنين. عزف هون تلات مرات وحضرتون كلن"، تعلّق الشابة ألين التي حضرت من بيروت للقاء نجمها. وكان العازف المتألّق أحيا أمسية في "ضهور شوير" قبل يوم حصدت نجاحاً كبيراً. ولم تشذ بيت الدين عن هذه القاعدة فالحضور كثيف والمتعة دامت لما يتجاوز الساعة ونصف الساعة.

رحّب مانوكيان- الحريص دوماً على التواصل الدائم مع جمهوره بأسلوبٍ بسيط وبحس عالٍ من الفكاهة - بالحاضرين بحرارة: "أهلا بها الطلة... ليست مهمة مستحيلة أن يجذب معالي وزير السياحة الحاضر بيننا المغتربين من مختلف أنحاء العالم الى وطننا الجميل الذي سيبقى رغم كلّ المصاعب التي يمرّ بها منارة هذا الشرق".



افتتح الفنان الشاب الامسية مع "ليلتنا من ليالي العمر" معلناً إياها ببساطة ليلة ستنقل الموجودين بلا شك الى ما هو خارج المعتاد والاعتيادي نحو آفاق رحبة تغني الفرح خصوصاً أن مانوكيان غالباً ما يصرّ على اختيار اغنياتٍ من الأرشيف اللبناني لا تحكي إلا الفرح والبهجة والامل بغدٍ أفضل، فهو بشخصيته الديناميكية والكاريزما الاستثنائية التي تميّزه على المسرح، لا يحبّ إلا نشر البهجة بين الناس "بدنا نفرح ونغني ولا بدّ أن يعود لبنان غصباً عن كل الظلام الحالك فهذا هو لبناننا"، قال في إحدى إطلالاته الاعلامية ذات يوم، وها هو الآن يقرن قوله بالفعل بأمسيتين مجانيتين، قدّمهما للشعب اللبناني الذي يعاني الأمرين. فهل يبخل عليه بجرعةٍ من السعادة؟




تصوير نبيل اسماعيل



الفرقة الموسيقية المكونة من أكثر من 22 شخصاً - ومنهم اساساً أشهر من نار على علم كعازف الناي علي المدبوح وعازف الطبل جورج شقر وغيرهما من الموسيقيين- تؤازره في المهمة وأفرادها يرافقونه في حفلاته منذ زمنٍ ليس بقليل. "رحّبوا معي بأعضاء فرقتي الموسيقية التي هي بمثابة عائلتي، فأنا أقضي معهم معظم وقتي وهم معي لأكثر من 20 سنة... تخيّلوا! حتى الزواج قد لا يصمد لهذه الدرجة" يضحك ممازحاً.




تصوير نبيل اسماعيل


وكرّت سبحة الاغنيات معظمها من تراث لبنان العريق، مع لفتة من القلب الى زكي ناصيف "اسمحولي قدملكن غنية هي من الاحب الى قلبي من مبدع نشمّ معه رائحة لبنان وأغانيه محفورة في ذاكرتنا الجماعية وقد قدمت له سابقاً حفلةً هنا بعنوان "يا عاشقة الورد"، يوضح مانوكيان بابتسامة عريضة ليعزف بعدها "نقيلك أحلى زهرة"، يليها مزيج رائع من الاغاني اللبنانية الصرف، مروراً بالتراث العراقي مع "ما لي شغل بالسوق"، والمصري "شمس الشموسة" ومقطوعات موسيقية غنتها كوكب الشرق أم كلثوم، وغيرها من الاغاني التي حفظها اللبنانيون عن ظهر قلب فراحوا يردّدونها بصوتٍ عالٍ مع حلقات رقصٍ على أطراف المسرح وفي كلّ مساحة متاحة مهما ضاقت....



تصوير نبيل اسماعيل



وكما في كلّ أمسياته طبعاً طعّم مانوكيان بنبضه الأرمني: "تعرفون أنني لبنانيّ أولاً ولكنني من جذور أرمنية وأحتفي بها كلما تسنّت لي الفرصة، خصوصاً أنّ تراثنا الارمني الموسيقيّ عريق، واليوم استقدمت لكم خصيصاً من أرمينيا عازف الترومبيت المتألق آرثور غريغوريان لعزف قطعةٍ موسيقية أقدّمها للمرة الأولى بعنوان: "الرقصة الأرمنية"، وأيضاً مقطوعة "تامادا" من ألبومي الجديد. إن سمعتُ تصفيقاً حاراً منكم بعد سماع هذا اللون أعدكم بتكرار التجربة في حفلاتي المقبلة"، صاح قبل أن يعلو صوت الموسيقى صادحاً ويحصد صيحات الاعجاب والثناء.




تصوير نبيل اسماعيل



كأن الزمن توقف برهةً. ساعة ونصف الساعة مرّت بلا رتابة ختمها مانوكيان بأغنياتٍ وطنية من نوع "راجع يتعمر لبنان" ويا سيف ال عل أعدا طايل" التي أشعلت الجمهور فرحاً فدبك ورقص وغنى وتخلّص من كل حزنه كمن يفرغ حمولة شاحنة من الآلام. وحين أعلن العازف ختام الأمسية ارتفعت الأصوات مطالبةً بالمزيد وصاح أحدهم: "مش رح نفل!" فلبّى العازف الطلب بلا تردّد. كيف لا يفعل وهو الذي خاطبهم قبل بضع ساعات مغرداً: "أعود بعد ثلاث سنوات الى بيت الدين. لبناننا الجميل دوماً رغم كلّ الحزن الذي يصيبه... وسنبقى دوماً أعظم بلد في العالم... أتشوّق لزرع الابتسامة على وجوهكم وللمس الطاقة الايجابية المتنقلة كالنار في ما بينكم والحبّ الذي يوقد أدائي دوماً. شكراً لجمهوري الوفي. قلتُ لكم إنني عائد الى الوطن، وهذا العزف هو لكم يا شعبي الحبيب!".

MISS 3